خاص العهد
هكذا تزيد الدولة اللبنانية إيراداتها بلا ضرائب على المواطنين
فاطمة سلامة
يكثُر الحديث هذه الأيام عن عدم قدرة الدولة اللبنانية على زيادة رواتب موظفي القطاع العام. وبالموازاة يتحدّث أهل العلم والاقتصاد عن إغفال الدولة اللبنانية لموارد كثيرة تدُر على الخزينة المليارات. وهي بذلك لا تموّل فقط الزيادة على الرواتب بل تُسهم في التخفيف من تبعات الأزمة الاقتصادية والمالية الأسوأ التي يعيشها لبنان. والمفارقة، أنّ المعنيين الذين يغضون الطرف عن تلك الموارد لا يسبقهم أحد في سرد اقتراحات ومشاريع قوانين لزيادة الضرائب على الناس. في هذه النقطة تراهم سبّاقين يُدلون بكل ما لديهم من اقتراحات لتمويل استمرارية القطاعات العامة من جيب الشعب. وبالموازاة، لا تدفع قطاعات بأمها وأبيها سوى من الجمل أذنه وسط غياب مبدأ العدالة الضريبية.
وللأسف، هُدرت ــ على مدى عقود ــ إيرادات بمليارات الدولارات على الخزينة تبدو الدولة اللبنانية اليوم بأمس الحاجة اليها لكن في كل مرّة كان يُفتح فيها ملف الضرائب في لبنان كان يُقارب على قاعدة "الاستثناءات" و"التنفيعات". أما عندما يصل الأمر الى المواطنين فكانت الضرائب أولوية لدى صياغة الموازنات. وفي هذا السياق، تشهد محاضر جلسات مجلس الوزراء على مدى سنوات خلت كيف رفض حزب الله مبدأ الضرائب على المواطنين، مقدّمًا البدائل والاقتراحات لزيادة إيرادات الدولة دون المس بجيب المواطن رغم "الاستسهال" الكبير الذي أبدته جهات أخرى. وتبدو وزارة الأشغال اليوم في عهد الوزير علي حمية خير نموذج على مقاربة حزب الله لهذا الملف بكل مسؤولية حيث تمكّنت الوزارة من جبي إيرادات مهمة لم تجبها الوزارات المتعاقبة من قبل.
ورُبّ سؤال يُطرح اليوم في ظل الأزمة الخانقة التي يعيشها لبنان والتي شلّت القطاع العام: كيف يُمكن للدولة تحصيل الإيرادات دون فرض الضرائب على المواطنين؟
رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق الدكتور عبد الحليم فضل الله يشدّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أنّ لدى حزب الله رؤية متكاملة لإعادة توزيع إيرادات الدولة وضرائبها، لكننا نتحدث اليوم في ظل ظرف استثنائي حيث لا قطاع مصرفي وفي ظل وضع اقتصادي ومالي غير سليم وصحيح. وعليه، فإنّ الظروف تحتّم علينا الانتقال من العمل على الإصلاح الضريبي الشامل الى العمل على قاعدة الاستثناء، وقد قدّمت وزارة الأشغال نموذجًا في هذا الصدد لجهة كيفية زيادة الإيرادات بدون زيادة الرسوم والضرائب. بالتأكيد الانطلاقة الصحيحة تكون من نظام ضريبي عادل ومتوازن ــ يقول فضل الله ــ ويأخذ بعين الاعتبار التفاوتات الموجودة داخل المجتمع. ولكن ما نشهده اليوم من تفاوتات من نوع آخر. تفاوتات تحفّزها الأزمة حيث نجد أن هناك أقلية من الناس والقطاعات تستفيد استفادة كبيرة جدًا وفي المقابل ثمّة غالبية الناس والقطاعات تتضرّر بشكل كبير من الأزمة. بناء على هذا الواقع، يرى فضل الله أنه عندما نريد زيادة الإيرادات يجب أن نصوّب على هذه الجهات التي تستفيد من الأزمة أكثر من غيرها. تلك التي تملك إيرادات غير مرئية تُراكم من خلالها الثروات. وهنا تنشأ داخل الأزمات أماكن ضريبية استثنائية يجب استهدافها ضريبيًا.
يُعطي فضل الله أمثلة على ما سبق. المضاربات واسعة النطاق التي تحصل على العملة الوطنية . بالتأكيد هذه المضاربات ليست سببًا أساسيًا للانهيار لكن داخل الانهيار ثمة مضاربات كبيرة وبغض النظر عن قمعها والتعاطي معها قانونيًا، يجب أن نتعاطى معها على أنها مصدر للإثراء ــ جزء منه مشروع وآخر غير مشروع ــ ما يفتح أمام الدولة بابًا لاستيفاء الضرائب من المسؤولين عنها.
مثال آخر يعطيه فضل الله. لدينا قطاعات غير منظمة موجودة اليوم ومدولرة على مستوى عال. ولأنها غير منظمة لا تصل اليها الضريبة كقطاع مولدات الأحياء غير المنظم. بالتأكيد، يقوم مشغلوه بدور في إيصال الكهرباء الى الناس، لكنهم بطريقة غير منظمة. وفي هذا السياق، ثمّة بعض الشركات التي تجني الثروات والمداخيل العالية بصورة غير نظامية ولا تُستهدف بالضريبة، بينما يجب أن تُستهدف.
وفي هذا السياق يبرز ملف الأملاك البحرية. البعض يقول أن الاملاك البحرية تُعطي مليارات ومئات ملايين الدولارات. لكن واقعيًا وبناء للواقع الاقتصادي لا يمكن إحراز هذه الأرقام ــوفق فضل الله ــ لأنه لا يوجد كمية دولارات في البلد أو نشاط تجاري بهذا الحجم. إنما بالموازاة لا يمكن أن نتعاطى مع الأملاك البحرية على تخمينات يبلغ فيها الدولار 1507 ليرات. برأيه، يجب مضاعفة "التخمينات" وإجراؤها على سعر صرف على الأقل يتناسب مع ارتفاع أسعار المستهلك أو دولار "صيرفة" أو أي صيغة وهذا بحد ذاته يضاعف الإيرادات أضعافًا مضاعفة، وبدل أن تكون الإيرادات 60 و70 ومئة مليار ليرة سنويًا تُصبح نحو 4000 مليار ليرة وهذه الأموال بإمكان المؤسسات تحملها.
كما يوضح فضل الله أن ثمة إيرادات داخل البلد ينبغي إعادة توزيع إنفاقها بما يتناسب مع الحاجات. على سبيل المثال، إيرادات pcr المطار والتي قدّرت بـ50 مليون دولار. هذه الإيرادات يجب أن تكون للجامعة اللبنانية بغض النظر عن الشق القانوني والذي تبدو الأرجحية فيه للجامعة، مع الإشارة الى أننا لو أردنا ترتيب الأولويات فالجامعة اللبنانية والتعليم بالنسبة لنا أولوية على القطاعات الأخرى بما فيها قطاع النقل الجوي الذي بإمكانه أن يتدبر أموره من خلال الرسوم والبدلات التي يتقاضاها.
إضافة الى ما سبق، يشير فضل الله الى أن ثمة قطاعًا غير نظامي يكبر كثيرًا في البلد اذ تبدو أكثر من 50 بالمئة من المؤسسات والناشطين و"العمالة" غير مسجلة. وعليه فإنّ زيادة نسبة القطاع النظامي يعني زيادة قدرة الدولة على التحصيل.
وفي سياق متصل، يؤكّد فضل الله أنّ ثمة تدابير ضريبية أيضًا يجب أن تلحظ في عملية التعافي وإصلاح أوضاع القطاع المصرفي. وفق حساباته، يمكن تعريض بعض الثروات المتراكمة داخل المصارف ــ والتي باتت افتراضية ــ لضريبة ثروة بطريقة محسوبة، بمعنى فرض ضريبة على الثروة ما يُعطي إيرادات ليست ملموسة ــ في ظل أزمة القطاع المصرفي ــ بل افتراضية لكنها تساعد على دفع المستحقات التي لها طابع افتراضي وتمُر عبر القطاع المصرفي.
وفي سياق مقاربته، يرى فضل الله أنّ ثمة أمورًا أخرى بإمكان الدولة اللجوء اليها لزيادة إيراداتها، لكنه يُعيد ويشدّد على أنّ قضية الإيرادات يجب أن تتم مع الأخذ بعين الاعتبار الأزمة الحالية وليس تجاهلها، كي نعود لاحقًا للتصور الإصلاحي الشامل الضريبي وإصلاح الموازنة العامة وزيادة إيراداتها كجزء من خطة التعافي العام والإنقاذ. وفي هذا السياق، يتطرق فضل الله الى قضية دولرة الضرائب في حال كانت إيرادات المؤسسات بالعملة الأجنبية. من وجهة نظره، عندما يكون الإيراد بالعملة الأجنبية ومدولرا يجب أن تكون الضرائب " مدولرة" إما بالدولار أو بحسب سعر صرف محدد سواء صيرفة أو السوق أو أي منصة تحددها الدولة.
وفي الختام، يؤكّد فضل الله أنه وفي ظل زيادة نسبة الواردات الى البلد أي الاستيراد، يجب أن تقوم الدولة بتنشيط جهاز تحصيل الضرائب والرسوم الجمركية لأن زيادة نسبتها أمر مهم يساعد على لجم الاستيراد خصوصًا في شق المواد الكمالية وغير الأساسية لأن الجزء الأكبر من المواد الأساسية مستثنى من الضرائب.