آراء وتحليلات
قنابل محرَّمة دوليًا .. هذا ما قصفت به "إسرائيل" الضاحية !
كانت الساعة تشير إلى قرابة السادسة والربع، من مساء يوم الجمعة في السابع والعشرين من أيلول، حين سمعت رباب أصوات انفجارات مدوّية ارتجّت على وقعها المباني في منطقة المريجة في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت. للوهلة الأولى ظنّت أن الانفجار وقع في أحد مباني الحي الذي تقيم فيه، وسرعان ما راحت تفتش عن أي دخان متصاعد ينبّأ بمكان الانفجار.
ما هي إلا لحظات وأتى الخبر، الانفجار وقع في منطقة حارة حريك البعيدة عدة كيلومترات عن منطقة المريجة، دمار كبير جدًا، أبنية سوّيت بالأرض، حفر عميقة، دخان كثيف خانق، وغبار متناثر وروائح منبعثة غريبة، ومبانٍ قريبة متصدّعة بقوة، كل ذلك بدا إشارات أولية إلى أن ما وقع لم يكن انفجارًا عاديًا أبدًا، ليتبيّن لاحقًا أننا أمام إجرامٍ ممهورٍ بمادة "اليورانيوم" النووية، أي سلاحٌ محرّمٌ دوليًا.
تاريخ من الخرق القانوني والابادة
استخدام الأسلحة المحرّمة دوليًا ليس حكرًا على الكيان الصهيوني، حليفته وداعمته الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية لها سجل وتاريخ أسود حافل باستخدام هذه الأسلحة. إذ منذ العام 1945، وقصف مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين بالقنابل النووية، وبعدها بعشرين سنة يوم استخدمت أسلحة كيميائية تحوي مادة "العامل البرتقالي" في فيتنام، ثم استخدمت في العام 2001 قذائف الأبخرة الحارقة التي تخلّف انفجارًا شبيهًا بـ"القنابل النووية" الصغيرة في أفغانستان.. وكذلك استخدمت قنابل "النابالم" "والفوسفور الابيض" 300 طن من "اليورانيوم" خلال غزوها العراق.. وتسليمها مؤخرًا ذخائر عنقودية إلى أوكرانيا، ما يذكّرنا بالقنابل العنقودية التي استخدمها العدو الصهيوني في حرب تموز 2006، وعاد واستخدمها مجددًا قبل أيام بين بلدتي الطيري وحانين، فيما أكدت تقارير سابقة كثيرة أيضًا عن استخدام العدو قنابل خارقة للتحصينات محرمة دوليًا في غزة (GBU)، في جباليا والمعمداني..
لكن ماذا عن لبنان ؟ هل استخدمت "إسرائيل" اليورانيوم؟
إرهاب جيش العدو المتمادي امتدّ من غزة ليشمل لبنان، واتخذ أشكالًا متعددة خالفت القوانين والاتفاقات الدولية كلها، وأخطرها كان استخدامه أسلحة محرمة دوليًا، وهي ليست المرة الأولى، فإذا عدنا بالذاكرة قليلًا إلى حرب تموز 2006، نجد أن العديد من الدراسات التي أجريت حينها ومنها دراسات غربية يعتدّ بها، وثقت استخدام "إسرائيل" على الأقل 4 أنواع من الأسلحة المحرمة دوليًا، من ضمنها "القنابل الفسفورية" و"العنقودية" وفقًا لما أكده لموقع "العهد الاخباري" نقيب الكيمائيين في لبنان الدكتور جهاد عبّود، والذي رجح أيضًا أن تكون "إسرائيل" قد استخدمت حينها الأسلحة الكيميائية، مشيرًا إلى شبهات خيّمت على نتائج التحليلات المخبرية التي أجريت حينذاك؛ لأن التحليلات أجريت بعد انتهاء الحرب، كما أن نتائجها من الممكن أن تكون قد عًدلت بشكل يبدو أقل خطورة، إضافةً إلى أن أهم المختبرات العلمية ومراكز البحوث في لبنان ممول، بشكل كبير، من أميركا والغرب، ما يعني أنّ التحكم بعمل هذه المؤسسات ممكن ووارد جدًا.
عن الحرب القائمة حاليًا، أوضح الدكتور عبود أن العدو الصهيوني عمد بدايةً إلى استخدام "الفوسفور الأبيض" في لبنان. وهو مادة حارقة تتسبب بالاختناق وتبقى موجودة لمدة محددة، ثم استخدم لاحقًا أسلحة أخرى تحتوي على تدعيمات من "اليورانيوم" المنضّب، وهو عبارة عن مادة قوية وخطيرة جدًأ، توضع في رأس صاروخ قادر على خرق التحصينات. وهذا السلاح محرّم دوليًا؛ لأنه يولّد حرارة عالية جدًا، ومع الانفجار ينتج عنه مادة تشبه الغبار، يؤدي استنشاقها لقتل الإنسان مباشرة أو بعد أسبوع أو عام وقد يتسبب بتشوهات خلقية للأجنة، كما يؤدي على المدى البعيد الى أمراض سرطانية.
يخلص نقيب الكيميائيين جهاد عبود إلى التأكيد بأنّ النقابة حصلت على عيّنات من أمكنة استهدافات الضاحية، وحوّلتها إلى مراكز مختصة وأجرت عليها التحليلات العلمية اللازمة. وقد تبين فعلًا أنّ الصواريخ التي قصفت بها الضاحية الجنوبية لبيروت تحتوي على مادة "اليورانيوم". وهي وفقًا للتقارير عبارة عن قنابل ذكية أميركية الصنع تُسمى MK 84 تزن 920 كيلوغرامًا برأس حربي يزن 429 كيلوغرامًا من المواد المتفجرة وقدرتها التدميرية هائلة، ما يجعل أميركا شريك مباشر في العدوان والاغتيال والإبادة التي تحصل. وهذا ليس غريبًا على واشنطن؛ فقد استخدمت في حرب العراق سابقًا قنابل مماثلة، تحوي نفايات المفاعلات النووية لمضاعفة قوتها التفجيرية وقدرتها على الاختراق.
جرائم بحق الصحة والبيئة
للأسلحة الكيميائية، ومنها "الفسفور الأبيض"، آثار خطيرة على البشر والحجر والشجر، فهي تحوي، وفقًا للخبير البيئي الأستاذ محمد الحسيني، مادةً سامّة لكل عناصر الطبيعة، وتؤثر في الصحة الجسدية والجهاز التنفسي من خلال تلوث الهواء، وكذلك للتربة والأشجار وحتى المياه الجوفية. لذلك هي محرّمة دوليًا، وهي مادة حارقة تتسبب بحرق مساحات شاسعة، وتحويل البيئة الخضراء إلى أرض قاحلة.
من أبرز ضحايا تلك الأسلحة المحرّمة دوليًا، الصحة الجسدية. وهنا يشير الطبيب محمد الشمالي إلى أن الفوسفور الأبيض مادة كيميائية تتسبب في حروق عميقة تخترق العظام، وهي قابلة للاشتعال من جديد في أثناء العلاج الأولي أو بعده إذا تعرضت للأكسجين، وعند اشتعاله يلتصق بالأسطح مثل الجلد والملابس.
أما اليورانيوم المنضب؛ فهو يسبب - بحسب الدكتور الشمالي- مشكلات صحية في الجهاز التنفسي والكبد والكلية ويؤدي لفقدان الذاكرة والصداع والتعب المستمر والحمى وانخفاض ضغط الدم. إذ يستخرج من اليورانيوم الطبيعي، ويملك قدرة كبيرة على اذابة المواد المحصّنة والمدرعة. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن التعرض لهذه المادة يزيد من خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل السرطان وأمراض الجهاز التنفسي بنسبة تصل إلى 40%، خاصة عند الأفراد الذين يتعرضون لها بشكل متكرر.
الأضرار تطال، أيضًا، الصحة النفسية، إذ تسبّب الهلع والخوف الناتجة عن سماع أصوات الانفجارات والصواريخ. ومن المعروف تأثير الأسلحة على الجهاز التنفسي، وما يصيب المصاب أو المستنشق بضيق نفس سيشعره بحالٍ من الهلع، فضلًا عن تسبب المواد السامة، مثل الفسفور الأبيض"، ندوبًا في الجسد كونه مادة حارقة بعمق، وقد تصل هذه الندوب للوجه أو لليدين أو تسبب تشوهًا ما.
الملاحقة القانونية للاجرام الصهيوني
سجّل العدو حافل باستخدام جميع أنواع الأسلحة المحرمة دوليًا، ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي العميد منير شحادة، وهو منسق الحكومة السابق في قوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل" ورئيس المحكمة العسكرية سابقًا، أن الكيان الصهيوني لم يتوقف يومًا عن استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا؛ لأنه غير مرتدع، ولا يُحاسب وهذا يعدّ أحد أبرز الأسباب التي تدفعه لارتكاب مجازر ضد الانسانية.
كما يشير العميد شحادة إلى أن الأسلحة الفوسفورية صُنعت لتكون قنابل مضيئة ودخانية، لكن استخدامها فوق المناطق السكنية جعلها محرّمة في المحافل الدولية، وقد استخدمت "إسرائيل" هذه الأسلحة بكثافة في المناطق المكتظة بالسكان في غزة وجنوب لبنان منذ بداية الحرب.
مقاضاة "إسرائيل" واجبة في المحافل الدولية، ولو كانت النتيجة معروفة سلفًا؛ لكنّها تُظهر الوجه الوحشي والإرهابي لكيان العدو، فضلًا عن ضرورة رفع وزارة الخارجية شكاوى لكلّ المنظمات الدولية المعنية لحفظ حق لبنان في الدفاع عن نفسه قانونيًا، وممارسة الضغط على الدول التي تمدّ العدو بتلك الأسلحة المحرمة دوليًا وبأنواع الأسلحة الأخرى كافة، كي تمتنع عن تزويدها بها كما فعلت كندا واليابان وبعض الدول الأوروبية، وكما دعا رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيث، قبل أيام، حينما حثّ المجتمع الدولي على التوقف عن بيع أسلحة لـ"إسرائيل"، بعدما هاجمت قوة "اليونيفيل" في جنوب لبنان.
الضاحية الجنوبيةالمقاومةالجيش الاسرائيليالعدوان الإسرائيلي على لبنان 2024
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024