آراء وتحليلات
وقود الجزائر يكسر حصار العتمة
بعد إعلان وزير الطاقة والمياه في لبنان، وليد فياض، أن لبنان سيدخل في العتمة التامة، "لأسباب لوجستية"، وأن انتهاء الوقود سيتسبب بإغلاق المرافق العامة ومنها المرفأ والمطار ومحطات ضخ المياه. فإن لبنان سيقع في براثن حصار لئيم من نوع جديد، حصار يزرع الفتنة، ويقلّب الناس في وقت تشتد فيه حاجة لبنان للتعاضد بين أبنائه. فتنة تسبب بها الأميركي، وإن عن بعد، عبر عرقلة تسهيلات تحويلات الدفع المصرفية للشقيقة العراق. في هذه اللحظة التاريخية الحرجة، جاء الأمر الرئاسي الجزائري، بتزويد لبنان بالوقود لتشغيل معامل الطاقة، و"إعادة التيار الكهربائي إلى لبنان".
أمر رئيس الجمهورية الجزائرية، عبد المجيد تبون، بإرسال "الوقود إلى لبنان التي تواجه أزمة طاقوية حادة". وأبلغ القرار للحكومة اللبنانية، ومن ثم تأكدت الخطوة خلال زيارة السفير الجزائري في لبنان لوزير الخارجية والمغتربين، عبدالله بو حبيب.. هكذا يكون تعاضد الأشقاء، في زمن الشدائد.
ليست المرة الأولى التي تقف فيها الجزائر مع قضايا الأمة العربية وبخاصة قضية فلسطين. وكانت تشارك بالرجال والسلاح وترسل الأطباء لمداواة جرحى الحرب. لقد كان بين صفوف الفدائيين العرب الذين قاتلوا الصهاينة في جنوب لبنان، شهداء ومقاتلون جزائريون كما كان هناك فلسطينيون وسوريون ولبنانيون وأردنيون وتونسيون ومصريون و... وفي العام 1973، وإبان حرب تشرين/ أكتوبر التحريرية،أرسل الرئيس هواري بومدين قوة جزائرية لتقاتل إلى جانب مصر، وباقي إخوانهم العرب. واليوم في عهد الرئيس تبون لم يتوقف دعم الجزائر لقضايا فلسطين والدفاع عن حقوق الفلسطينيين والعرب وقضايا الشعوب التحريرية.
في العام 2012، وقفت الجزائر بقيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إلى جانب سورية، وعارضت وقف عضويتها في الجامعة العربية بقيادة رئيسها بشار الأسد. وقف العرب خانعين(ما عدا الجزائر والعراق ولبنان) أمام القرار الأميركي الذي أراد تقسيم المنطقة بما يتناسب والقرار الصهيوني، وجعلها عبارة عن دول تحكمها الطائفية والإثنيات العرقية. وقيل للرئيس بوتفليقة، عليك التنحي جانباً، وإلا سيمر "الربيع العربي" ثقيلاً على الجزائر، كما مر في ليبيا والسودان وسورية.
ولم تغب سورية في المراحل التي تلت العام 2011 عن بال الجزائر، فكان الرئيس تبون، أول من طالب بإعادة تفعيل عضويتها، ودعيت لحضور القمة العربية في الجزائر في تشرين الثاني/ نوفمبر العام 2022، واعتذرت سورية. وفي شباط العام 2023، وبعد الزلزال الذي أصاب سورية، كانت الجزائر والعراق من أوائل الدول التي بدأت إرسال المساعدات إليها متحدِّيتين الحصار المفروض عليها، وقال يومها: "سورية لم تتغير أبداً بالنسبة لنا". استمرت مواقف الجزائر الداعمة لسورية، وأصر على أن الجزائر أولى بإجراء الوساطة لإعادة سورية للجامعة العربية. وحمل وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، خلال زيارته للجزائر في 16 نيسان/ إبريل 2023، رسالة شفهية للرئيس الأسد.
الرسالة التي جاءت قبل انطلاق عملية طوفان الأقصى حملت عمق العلاقة ما بين البلدين الشقيقين، وجاء فيها: "نتشارك مع الجزائر في رفض صهينة القضية الفلسطينية، وتربطنا بالجزائر علاقات وثيقة وقوية ولدينا مواقف موحدة". موقف الجزائر المعلن تطابق مع الموقف السوري حول القضية الفلسطينية وفي هذا دلالات مبكرة ومهمة.
رفض الرئيس تبون، وبدعم من الشعب الجزائري، فتح أجواء الجزائر للطائرات الأميركية والفرنسية، عندما تَقرَّر تشكيل جيش "الإيكواس" بهدف إعادة الرئيس المخلوع، محمد بازوم في النيجر، في تموز/ يوليو الماضي. قرار التضامن هذا كان من أهم نتائجه طرد الجيشين المستعمرين الفرنسي والأميركي من النيجر وثلاث دول أفريقية أخرى.
بعد عملية طوفان الأقصى لم يتغير الموقف الجزائري الحر، وخاصة بالنسبة لفلسطين. ففي الثامن من تشرين الأول 2023، وبعد العملية مباشرة عبر الرئيس تبون عن تأييد مطلق لطوفان الأقصى، وذلك في بيان جاء فيه: "أن طوفان الأقصى كسر الاسطوانة "الإسرائيلية" المزعومة بأنها قوة لا تقهر".
يمكننا التحدث بصفحات عن التصريحات الجزائرية، ومن أهمها تأكيد الرئيس تبون في 25 كانون الأول/ ديسمبر، أمام البرلمان الجزائري، دعم بلاده لفلسطين: "ظالمة أو مظلومة"، وقوله إن الجزائر لن تتخلى عن فلسطين وما يحدث في غزة: وصمة عار على البشرية وليس على العرب فقط، ووصفه إياه بـ"جرائم الحرب الكاملة الأركان"، مذكراً بتاريخية العلاقة مع نضال الشعب الفلسطيني. لتتلاحق بعدها مواقف المسؤولين الجزائريين، ومنها تصريح السفير الجزائري في دمشق، كمال بوشامة، في نيسان/ ابريل 2024، بأن "طوفان الأقصى" هو بداية النهاية للكيان". متوقعًا استمرار الفلسطينيين في النضال لإكمال عملية التحرير. ولا ننسى الهبة الشعبية وخروج الجزائرييين بمسيرات مليونية بأكثر من خمسين ولاية دعماً لفلسطين. منذ بدأت عملية طوفان الأقصى.
بالأمس، وبعد إعلان أمر الرئيس الجزائري تبون تزويد لبنان بالوقود، دعا للمساعدة على فتح الحدود بين مصر وغزة وقال إن الجيش في الجزائر جاهز، وأنهم يستطيعون خلال 20 يوم إنشاء 3 مستشفيات. إثر ذلك شنت صحف ومواقع عربية هجومًا وعلقت على مواقفه بأن "بحر غزة مفتوح"، متناسين أن غزة كلها محاصرة وليس بحرها فقط. وساقت المواقع اتهامات للجزائر: بأن الوقود الذي وعدت بتزويد لبنان به، هو وقود إيراني، بعضهم طمعاً في عرقلة وصوله، وبعضهم وضعها في إطار انتخابي.
الحقيقة أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أثبت مواقفه المعادية للصهاينة، وأنه رجل قومي عربي وطني. فالجزائر تسير في اضطراد نحو النمو الاقتصادي، وتبون لم يخضع للغرب، وشهدنا ذلك من خلال العلاقة المتنامية مع روسيا، وتسليح الجيش الجزائري من خلال الاتفاقيات التي وقعت معها، متجاهلاً اعتراضات فرنسا وأميركا من خلفها. وعندما وقفت ليبيا خلال هذا العام عصية على اتفاقيات التطبيع، شكلت كل من تونس بقيادة الرئيس قيس السعيد والجزائر بقيادتها قوى متكاملة في المغرب العربي ضد التطبيع. في وقت فتح آخرون جسرًا بريًا بين دبي وميناء حيفا للالتفاف على الحصار البحري الذي فرضه اليمنيون على الكيان المحتل، بدلاً من دعم المقاومة في غزة أو الوقوف بالحد الأدنى على الحياد.
فلسطين المحتلةروسياالجزائرغزةمؤسسة كهرباء لبنان
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024