آراء وتحليلات
مقترح أميركي جديد: خيارات الفشل والتصعيد
في إطار جولته التاسعة في المنطقة منذ انطلاق طوفان الأقصى، وبعد لقائه برئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو" في المحطة الأولى لجولته التي تشمل أيضاً القاهرة والدوحة، أعلن وزير الخارجية الأمريكي "بلينكن" أن نتنياهو وافق على المقترح الأميركي المحدّث لوقف إطلاق النار والمعروف باسم مقترح التجسير "جسر الهوة"، ودعا بلينكن حماس إلى الموافقة على المقترح من أجل التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، وأردف بالقول إن زيارته للكيان "الإسرائيلي" تهدف للتأكيد على التزام الولايات المتحدة المطلق بحماية "إسرائيل" والدفاع عنها.
ليس خافياً أن المقترح الأميركي الجديد يمثل خروجاً وتراجعاً عن طرح بايدن السابق وفق ما أكدته حركة "حماس" التي رفضت المقترح الجديد قبيل وصول بلينكن للمنطقة، وقالت بأن المقترح لا يتطابق مع المبادرة التي وافقت عليها في السابق.
بلا شك فإن هذا التراجع جرى بناء على طلب رئيس الوزراء الصهيوني "نتنياهو"، وبالتنسيق معه تمّ تقديم المقترح الجديد ليتناسب مع مصالحه ومصالح كيانه بعد أن فقدت إدارة بايدن أدوات الضغط الذي يمكن ان تمارسه عليه مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي واشتداد التنافس مع الجمهوريين واضطرار الإدارة الاميركية للرضوخ لمطالب نتنياهو ..
كلام بلينكن يشكل أيضاً دعماً وتشجيعاً لرئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو، ويبدو من خلال ما أعلنه من دعم مطلق والتزام بحماية "إسرائيل" أن واشنطن قد أعطت الضوء الأخضر لنتنياهو مجدداً لارتكاب المزيد من الحماقات والمغامرات الخطيرة.
تشير كل تلك المعطيات إلى أن إمكانية التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بات صعباً للغاية إن لم يكن مستحيلاً في المدى المنظور، وخاصة مع إصرار نتنياهو على إفشال المفاوضات وتحرره من الضغوط المزعومة التي يمكن أن تمارس عليه.
لقد بات معلوماً أنه بالنسبة لحركة "حماس" وجبهة المقاومة فإن أي اتفاق يجب أن يشمل وقفاً دائماً لإطلاق النار، وانسحاباً كاملاً من قطاع غزة، وإعادة الإعمار، وإعادة النازحين، وانسحاب الجيش "الإسرائيلي" من معبر رفح ومحور فيلادلفيا ومفترق نيتساريم، وذلك قبل الموافقة على أية عملية تبادل للأسرى.
وبالمعنى الجيوسياسي والإستراتيجي فإن وقف إطلاق النار بالنسبة لجبهة المقاومة يعني تثبيتاً لقواعد الردع ومعادلات الاشتباك الإقليمية الجديدة، وتعني أيضاً أن جبهة المقاومة بكل مكوناتها تحولت لقوة إقليمية وعالمية فاعلة ومؤثرة ومقررة في آن واحد معاً، بعد أن بقي الإقليم لعقود طويلة تحت الهيمنة الصهيو-أميركية والتي كان من المقرر لها أن تستمر وتتعمّق عبر اتفاق التطبيع السعودي-"الإسرائيلي" واتفاقات "أبراهام"، وحلف النقب، وانتهاءً بمشروع الممر الهندي الأوروبي قبل أن يجهز طوفان الأقصى على مخطط الهيمنة الجديد.
لأجل ذلك فإن الموافقة على شروط حركة "حماس"، بالنسبة للأميركي و"الإسرائيلي"، يعني انصياعاً كاملاً لها واعترافاً مذلاً بالهزيمة، وإقراراً بالنتائج الجيوسياسية الجديدة التي أفرزتها معركة طوفان الأقصى بما فيها قواعد الاشتباك ومعادلات الردع، وهذا ما يعني انتحاراً سياسياً لنتنياهو وحكومته أولاً، وانكساراً للنفوذ الأميركي في الإقليم ثانياً، واقتراباً للكيان "الإسرائيلي" من نهايته التي باتت تلوح بالأفق ..
انطلاقاً من كل ذلك فإن وقف إطلاق النار يكاد يكون أمراً معقدًا، فالتراجع للخلف مرفوض من قبل جميع الأطراف، وعليه فإن التوجهات القادمة من المرجح أنها ستكون نحو تصعيد جديد سواء في داخل فلسطين المحتلة أو على جبهات الإسناد، خاصة أن المنطقة والعالم ما زالا في حالة ترقب للرد القادم لجبهة المقاومة على الجرائم والاعتداءات الصهيونية الأخيرة.
في هذا الإطار، ليس من السهل توقع شكل وطبيعة هذا الرد، ولا حتى جغرافيته وحدوده، فالولايات المتحدة ودول غربية عديدة حشدت الكثير من عدتها وعتادها برًا و بحرًا وجواً من أجل حماية الكيان الصهيوني والوقوف إلى جانبه طوال الأسابيع الأخيرة، والهدف البعيد هو محاولة قلب الوقائع الجديدة بعد الطوفان، وفي المقابل، فإن جبهة المقاومة هي الأخرى أعدت العدة لاحتمالات التصعيد المتدرج والشامل، وكان آخر ما كشف عنه في هذا المجال الفيديو الذي بثه الإعلام الحربي في حزب الله بعنوان "جبالنا خزائننا" والذي تضمن الكشف عن إحدى المنشآت الصاروخية المحصّنة تحت الأرض "عماد 4"، حيث أظهر حجم ونوعية الاستعداد الصاروخي لدى الحزب تحسباً لأي تصعيد محتمل.
لا شك أن الكشف عن منشأة "عماد 4" جاء استباقاً للفشل المحتمل للمفاوضات، وفي ظل التعنت "الإسرائيلي" الأميركي ولقطع الطريق على أية محاولة للمحور الصهيو-أمريكي للهروب إلى الأمام عبر مهاجمة لبنان.
أما بالنسبة لجبهة المقاومة، فإنه وبالإضافة للرد الحتمي على الاعتداءات والجرائم الصهيونية، فإن الرد على فشل المفاوضات سيأخذ على الأغلب شكلاً تصعيدياً للعمليات التي تنفذها جبهات الإسناد بما يسهم في الاستمرار باستنزاف الكيان الصهيوني وجيشه بوتيرة أسرع ويعمق من المأزق الداخلي للكيان، ويكثف الضغط على الوجود الأميركي في المنطقة، ويراكم نتائج الطوفان.
من الاحتمالات الأخرى للتصعيد أن يلجأ الكيان الصهيوني وبدعم من واشنطن وفي ظل استنفاده لأوراق الضغط على ساحة غزة إلى نقل المعركة إلى الضفة الغربية، وهو احتمال وارد، وهدف قديم جديد بالنسبة لنتنياهو واليمين "الإسرائيلي" المتطرف، ويشاركهم فيه اليمين الأميركي الذي يمثله المحافظون الجدد و الجمهوريون، و هو ما عناه ترامب في تصريحاته مؤخرًا عندما أشار إلى صغر مساحة الكيان "الإسرائيلي" وضرورة توسعته.
وسواء كان خيار كيان الاحتلال بالتصعيد في الضفة الغربية أو في لبنان، فإنه لن يجرؤ على القيام بأي منها من غير ضمانة أميركية وغربية وربما من بعض الدول العربية بالوقوف إلى جانبه ودعمه، وكلا الاحتمالين يعني إشعالاً للمنطقة وتصعيداً خطيراً سيقود إلى حرب مفتوحة ومتنقلة لا يمكن التنبؤ بتشظياتها الإقليمية وحتى الدولية.
لا شك بأن جبهة المقاومة تأخذ بالاعتبار كل تلك الاحتمالات والخيارات وتتعامل معها كلّ بحسب نتائجها المحتملة وكيفية معالجتها والرد عليها في إطار إستراتيجية المحور الشاملة في صراعه الوجودي مع الكيان الصهيوني ومعركته لإخراج حليفه الأميركي من المنطقة.
حزب اللهالولايات المتحدة الأميركيةالكيان الصهيونيغزةبنيامين نتنياهوجبهة المقاومة
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024