آراء وتحليلات
الاعتداءات "الإسرائيلية".. قالب "عبري" لصناعة الأخبار
صدى دويّ القصف في الجنوب على شاشات الهواتف من أخبار عاجلة، شائعات وفرضيّات، اقتراحات حول الإستراتيجيات والتكتيكات، وكلام كثير.. منه ما يُنسب إلى مصادر مجهولة، ومنه إلى أسماء "مرموقة" في دنيا الإعلام والأخبار... منه ما يُصدّق، ومنه ما يُكذّب، ومنه ما تفضحه الصياغة خائنًا متلبّسًا بجرم استخدام القالب العبري لصنع الخبر.
إليكم نبذة عن الأخبار العاجلة التي وردت وفاح بين سطورها وفي مفرداتها رائحة "عِبرية":
- قناة Mtv: "مقتل قائد ميداني في قوّة الرضوان التابعة لحزب الله في غارة إسرائيلية في الجنوب".
- موقع kataeb.org: "مقتل قائد ميداني في وحدة الرضوان لقوات النخبة في حزب الله في ضربة إسرائيلية على جنوب لبنان"
- موقع جريدة النهار: "أنباء عن اغتيال إسرائيل للقائد الميداني في قوة الرضوان في حزب الله حبيب معتوق"
لا عجب أن تبثّ مواقع ومؤسسات "لبنانية" خبر استشهاد مقاوم بهذه الصياغة المتوافقة تمامًا مع القالب الخبريّ "الإسرائيلي"، فالاصطفافات واضحة وقد سبق الصياغة ألف مؤشّر يحدّد موقع هذه المؤسسات بالنسبة إلى كلّ مجرى الأحداث. لكن يبقى لافتًا أن هذه المؤسسات والمواقع تُحاضر عادة في "عفّة" انتمائها إلى لبنان، وفي حرصها المستميت على ما تسمّيه "السيادة" والمواطنة. سيادتها هذه اقتضت في الحرب أن تُخبر عن استشهاد مواطن لبناني في اعتداء صهيوني بلغة أقرب إلى تلك المعتمدة في التعليق على مباريات "فوتبول" حين يحقّق الفريق الذي يشجّعه المعلّق هدفًا في مرمى الخصم!.
أما صدى الدويّ في مدى وسائل التواصل، فاعتدنا من بداية الحرب أن يأتي مثقلًا بالشائعات وبالتكهنات، والظاهرة تتفاقم رغم تبيان مخاطرها: استعجال إلى السبق الإخباري يسود الطبائع، ورغبة تتنامى لدى بعض ناشطي العالم الافتراضي في ادعاء معرفة أو في إظهارها: أسماء تدخل حيّز التداول وتصبّ في خزان المعلومات الاستخبارية للعدوّ، روابط وصلات المكان أو الشخصية المستهدفة تُكشف أو حتى تُختلق لتُسجَّل من حيث لا يدري السُذّج في بيانات الصهاينة وتُغذّي قائمة أهدافهم اللاحقة.
ومع تكرار الأمر وتكرار تبيين مخاطره، يسقط عذر الجهل والبساطة، ويُفضح المرتكبون على أقل تقدير بجرم الأنا التي تتوخّى الشهرة والجمهور ولو كان الثمن أن يكون لها حصّة من دم فلان. أضف إلى هذه الآفة، تلك العبارات التي تلي الدويّ وتستبق البيان الرسميّ الذي سيصدر حكمًا عن الجهة المعنية وهي المقاومة: مسكٌ يفوح، ليلة مقمرة، إنّ النبأ عظيم... وغيرها من العبارات التي يوحي ناشرها أنّه على علم ومعرفة بتفاصيل لم تُنشر بعد، لتنهال عليه الأسئلة والاستفسارات التي تضعه وتضع السائلين تحت مجهر المتتبعين من الجيش الإلكتروني الصهيوني.
ومع الإعلام الذي ينقل الخبر بلهجة "عبرية"، والأفراد المصابين بـ"لوثة" الأنا العارفة، تأتي في صدى الدويّ المنشورات التي تُحاول تلقين المقاومة كيفية الردّ ونوعيّته وتكاد تُملي على أهل العسكر إحداثيات الردّ الذي يرضيها وإلّا... نقرأ عقب كلّ عدوان صهيوني ما يُشبه النّصح للمقاومة بما يتوجّب عليها في إطار الردّ، وإن كان بعض هذه المنشورات يأتي من قلب ملهوف ومحترق وغاضب، فبعضها الآخر يهدف إلى توهين المقاومة والتشكيك بها والمزايدة عليها، ويصدر غالبًا من حسابات افتراضية تستر تصهينها بالكلام المعسول المدسوس فيه سمّ العمالة المدفوعة أو المجانية.
دويّ في الجنوب، تتبعه طلقات إخبارية، منها ما هو موجّه كصياغات "العواجل" التي أوردنا مثالًا عنها في السياق، ومنها ما هو عشوائي مستهتر... في كلّ الحالات، يحكي الميدان أخباره، ويكشف الحقائق والوجوه، وله مصادره وقنواته التي يعتمدها حتى العدوّ لمصداقيّتها ودقّتها، وكل ما عدا ذلك مجرّد صدى سرعان ما يتلاشى.
الاعتداءات الصهيونية على لبنانوسائل الإعلام
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024