نقاط على الحروف
عاشوراء وذاكرة تمّوز 2006 والحرب
إن حدّثت ذاكرة تمّوز 2006 عمّا تحوي من فيوض العزّة والنصر الإلهي، وإن استدعت الحرب اليوم ألف صورة عن الصبر والعزم، فكلاهما وردٌ نما في تربة عاشوراء، وكلاهما صدى لانتصار الدم على السيف في العاشر من المحرّم في كربلاء، وصوت يلبّي الإمام الحسين(ع) وينصره..
في تمّوز 2006، في مثل هذه الأيام قبل ثمانية عشر عامًا، كان أشرف الناس يواجهون آلة الوحشية الصهيونية كلّها، صابرين محتسبين مقاومين موقنين بالنصر الذي شكّل محطة تاريخية يختلف ما قبلها عمّا بعدها. لم تنتزع المجازر من قلوبهم غيرتها على المقاومة ورجالها، ولم تثنهم الغارات عن الالتفاف حول المقاومة وصونِها بحبّات أعينهم، ولم يدفعهم التهجير والتدمير إلى الخضوع ولو لبرهة لمنطق الجبن والانهزامية.. خاضوا المعركة بكلّ ما في أرواحهم من كربلائية وولاية، وحقّقوا النّصر الذي شهد له كلّ أهل الأرض. والآن، ها هم يواجهون مرّة جديدة آلة القتل نفسها، يخوضون الحرب بكلّ عتادهم من يقين وعزّة وثقة بالمقاومة ورجالها. يرفعون صور الشهداء بصبر وفخر، يرجون أن يأخذ الله حتّى يرضى، ويهون ما نزل بهم أنّه بعين الله. تُقصف بيوتهم، تُعطّل أرزاقهم، تُهدَّد قراهم، ومع ذلك يغمرهم الحياء إن قيل لهم "أنتم تقدّمون"، فتنحني وجوههم خجلًا وتواضعًا ويتمتمون برجائهم أن يتقبّل الله منهم قرابينهم هذه، ويتابعون بلهفة وفخر كلّ خبر يحدّث عمّا يحلّ بالعِدا، بل عمّا تسدّده المقاومة من ضربات في رأس الصهيونية.
أحيا أهل المقاومة عاشوراء بكلّ جوارح عزّتهم ونصرهم وصبرهم وعزمهم، فشكّلت الاحياءات العاشورائية في لبنان مشهدًا يحكي حكاية المقاومة من ألف الايثار إلى ياء اليقين، وما بينهما، كلّ حروف أبجدية الحقّ.. تُوّجت هذه الإحياءات بمسيرات العاشر: زخم ولهفة وانسياب في الزمان نحو كربلاء، حيث الثورة على الظلم، حيث الحقّ كلّه يواجه الباطل كلّه، حيث "هيهات منّا الذلّة" وحيث يبلغ الفداء أقصاه.. في الجنوب وفي البقاع، وفي مدينة الحب الضاحية، سيل من معزّين يصغون إلى المصاب الذي يُتلى على المنابر الخادمة للحسين (ع)، يتألّمون ويرجون الله أن يتقبّل آلامهم كمواساة لإمامهم الشهيد الغريب، يمشون وأعينهم أبدًا صوب معسكره، قلوبهم تسبقهم إلى نصرته، أرواحهم تنتحب حبًّا ونصرة، دموعهم تسقي الزمان وتودّ لو تطفىء ما اشتعل في خيام آل بيت رسول الله (ص).. بالمختصر، المشهد العاشورائي المكتمل في العاشر أذهل العالم كما في كلّ عام، وبثّت حرارته التي في قلوب المؤمنين الدفء في كلّ صدور أهل الحقّ على امتداد الأرض، وأحرقت حرارته نفسها آمال المستكبرين وأحلامهم بعالم خالٍ من الروح الحسينية الثورية، ومن المقدرة الإنسانية السماوية لعاشوراء على مواجهة أعتى قوى الاستكبار وأكثرها توحّشًا.
ما شُوهد في قلوب أهل المقاومة طيلة عاشوراء ولا سيّما اليوم في العاشر، هو سلاحٌ لا تنضب مخازنه في مواجهة رأس الشرّ الأميركي وربيبته المتهاوية "إسرائيل"، بل وأكثر، سلاحٌ سريّ يعجز الأعداء وأدواتهم، وسيظلّون عاجزين، عن فهم تركيبته وفكّ شيفرته. لقد رأى كلّ من تمعّن في يوم العاشر هذا العام، كيف تتوهّج الروح الكربلائية، كيف يسمو الحزن ويستحيل ثورة منتصرة، كيف تنتصر فطرة المقاومة على أمراض النّفوس الانهزامية والحاقدة، وكيف يصغي أشرف الناس إلى السيّد الأمين على المقاومة والدم، كيف يتفاعلون مع صدقه وإخلاصه، كيف يستخلصون من نبرة الحقّ في خطابه العبر ويستمدّون منه بعد الصّبر والصمود واليقين بأن النّصر آت، وبأنّهم على موعد بنصر كنصر تموز، بنصر جديد من صدى كربلاء..
حرب تموز 2006عدوان تموز 2006عاشوراء
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
02/12/2024
كيف حقّقت المقاومة نصرها العسكري والسياسي؟
30/11/2024
قراءة في خطاب النصر!
28/11/2024
شواهد من يوم النصر الأعظم
28/11/2024
نصرك هز الدنيا.. ولو بغيابك يا نصر الله
28/11/2024