نقاط على الحروف
صحيفة النهار و"وطنية" العميل سعد حداد
نشرت صحيفة النهار اللبنانية بتاريخ 8 تموز/أغسطس مقالًا بعنوان "عملية الليطاني وولادة الشريط الحدودي (1987 - 1979)". العنوان يوحي بسرد تاريخيّ. ولأننا تعلّمنا أنّ سرد التاريخ لا يكون أمينًا حين يقوم به من ليس مؤتمنًا، ونعلم أنّ من يضلّل في وقائع ومجريات الحاضر، لن يتأخّر عن ارتكاب ما هو أفظع من التضليل في كتابة الماضي، كان لا بدّ من مطالعة المقال والاطلاع على ما يوحي بأنّه مجرّد سردٍ لما مضى.
في البداية، إن الحديث عن الشريط الحدودي و"ولادته" الآن هو مسألة لا بدّ مرتبطة بما يدور في أزقّة أدمغة الانهزاميين ودعاة الانهزام والخضوع حول إمكانية أن تقوم "إسرائيل" باحتلال شريط من القرى الأمامية جنوب لبنان. وهو أمر لا يستحقّ النقاش والتحليل، فهذه الفرضية ساقطة بمعيارين: الأوّل هو وجود المقاومة التي نعلم كما يعلم الصهيوني وأبواقه أنّها تمتلك من الروح والعتاد ما يجعل الأمر مستحيلًا، والثاني هو انتفاء قدرة الصهاينة على احتلال أي شبر إضافي، بل وعجزهم عن حماية الأراضي التي يحتلونها الآن. من ناحية أخرى، يوحي استخدام كلمة "ولادة" بسياق تريد النهار له أن يبدو طبيعيًا، وهو ليس كذلك. فالشريط الحدودي لم يولد، بل صنعه الصهاينة باستخدام المكوّنات والأدوات العميلة.
يبدأ السّرد، ومنذ سطوره الأولى يتضح الهدف منه: تبرير قيام "إسرائيل" باحتلال جنوب لبنان، بل وعرض أعذار لها في كلّ ما ارتكبت: "تحوّلت قرى الجنوب اللبناني وبلداته المحاذية لـ"إسرائيل" إلى مراكز عسكرية للمنظمات الفلسطينية التي اتّخذتها قاعدة انطلاق في عملياتها ضدّ "إسرائيل"[...] إزاء تفاقم هذه العمليات والخطورة التي أضحت تشكلها على "إسرائيل"، قرّرت الأخيرة القيام بعملية عسكرية هدفها إبعاد المنظمات الفلسطينية المسلّحة عن حدودها". في هذه الأسطر القليلة جريمتان موصوفتان: الأولى هي تبرير ما ارتكبه العدوّ من احتلال وجرائم، والثانية تصوير العمليات الفدائية المقاومة التي نفذها أهل الأرض، كلّ الأرض المحتلة، وكأنّها اعتداءات قامت بها المنظمات الفلسطينية ضدّ "إسرائيل" مع تغييب أي حضور لمقاومة أبناء الجنوب، الذين قاموا بالدفاع الطبيعي عن أرضهم وأنفسهم وأرزاقهم إزاء الاعتداءات الصهيونية المتكرّرة منذ نشأة كيان الاحتلال.
بعد هذه المقدّمة، تعتمد الصحيفة على الأرقام والتواريخ المتعلّقة بالأحداث، من "مئات القتلى والجرحى" وعدد النازحين، إلى عدد القرى المدمّرة، وبينهما كلّ ما تمكّن الصهيوني من تحقيقه على الأرض بشكل تخويفي، كمن يحكي قصّة هادفة، والهدف التخويف. وكأن في ذهن الكاتب صوتًا يقول للقراء: لقد فعلت "إسرائيل" ذلك لتحمي شمالها، وقد تعيد الكرّة فاهلعوا.
بعد ذلك، يأتي دور القرارات الدولية التي تعتبر الصحيفة أنّها كانت حامي حمى لبنان وجنوبه. يسردها المقال ولا ينسى كاتبه أنّ يدّعي التزام "إسرائيل" بها في كلّ مرة انسحبت فيها من منطقة احتلتها في الجنوب، ويرى أيضًا أن الـ٧٠٠ كيلومتر مربع، مساحة الشريط الحدودي المحتل، هي مساهمة "لبنانية" قام بها سعد حداد في سبيل إخراج لبنان من "التجاذبات الإقليمية". وهنا تصوّر الصحيفة هذا الرائد العميل الذي ما زال ملعونًا وسيظلّ حتّى قيام الساعة، بطلًا تاريخيًا قام بما عجزت عنه "القرارات الدولية". تقول النهار: "على الرغم من النجاح اللبناني الديبلوماسي في استصدار القرار 425 في محاولة لإخراج لبنان من التجاذبات الإقليمية، وإيجاد مظلة دولية له، فإن المصالح والمشادات الإقليمية لم تسمح بتنفيذه بشكل كامل، فقام الرائد سعد حداد، قائد الميليشيات المدعومة من "إسرائيل" بإعلان إنشاء ما عرف بمنطقة الشريط الحدودي تحت مسمى "دولة لبنان الحر"، [...] وأطلق على ميليشياته اسم "جيش لبنان الحر" وتألف من عناصر من أهالي المنطقة من مختلف الطوائف".
في هذا المقطع، يغالي الكاتب في صناعة الوهم وفي حبك الأكاذيب التاريخية الهادفة، وهذا بعض التصويب اللازم:
دعا القرار ٤٢٥ إلى احترام سلامة لبنان الإقليمية وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دوليًّا، ودعا "إسرائيل" إلى التوقف فورًا عن عملياتها العسكرية ضدّ سلامة لبنان الإقليمية، وسحب جميع قواتها من الأراضي اللبنانية. لم تنفذ "إسرائيل" القرار، وهي لا تنفّذ جميع القرارات الدولية التي تُستصدر شكليًّا ضدّها. وبالتالي إن ما منع تنفيذه كان التعنّت الصهيوني وليس التجاذبات الإقليمية.
نفّذ سعد حداد مهمّة أوكلها إليه الصهاينة، ولم يقم بالأمر من تلقاء نفسه. بكلام آخر، استخدم الصهاينة حداد وعصابته من أجل حماية أنفسهم، وجعلوهم أكياس رمل تتلقى ضربات المقاومة وتحفظ لهم سيطرتهم على الأرض.
التركيز على أن "جيش سعد حداد" حوى أهالي المنطقة من مختلف الطوائف هو الخبث بعينه. فقد تغافل كلٌّ من كاتب هذه الأضاليل وناشرها عن حقيقة أنّ في كلّ طائفة عملاء، وأنّ مجرّد وجود التعدّد الطائفي في عصابة لا يمنحها أي شرعية وطنية كتلك التي تحاول النهار أن تضفيها على أكياس رمل الاحتلال الناطقة والقاتلة.
جميع النقاط والأفكار الواردة في مقال النهار، موضوع هذه السطور، ترتبط حكمًا بالحاضر: تبرّر لـ"إسرائيل" عدوانها من جهة، ومن جهة أخرى تمارس التهويل باستخدام التاريخ، بعد أن فضح الحاضر مقدّمات سقوط "إسرائيل".
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
02/12/2024
كيف حقّقت المقاومة نصرها العسكري والسياسي؟
30/11/2024
قراءة في خطاب النصر!
28/11/2024
شواهد من يوم النصر الأعظم
28/11/2024
نصرك هز الدنيا.. ولو بغيابك يا نصر الله
28/11/2024