خاص العهد
هذا مصير الجماعات المسلحة في الشمال السوري
لا ريب أن إعادة تفعيل العلاقات الثنائية - السورية - التركية آيلة إلى الدخول حيّز التنفيذ، بحسب ما يؤشر كلّ من موقفي الرئيسين السوري بشار الأسد والتركي رجب الطيب إردوغان. فالأخير أكد أنْ ليس هناك سبب لعدم إعادة العلاقات مع سورية إلى ما كانت عليه قبل بدء الحرب الكونية عليها، ما يشكّل إقرارًا واضحًا منه بالتراجع عن مواقفه السابقة التي تعد تدخلًا في الشؤون الداخلية السورية، كدعوته إلى تغيير الدستور السوري، وما إلى ذلك من محاولات الاعتداء على سيادة الدولة السورية والتدخل في قراراتها الداخلية. والأول، أعرب عن انفتاحه على الجهود المبذولة لإصلاح العلاقات بين دمشق وأنقرة بعد التطور الكبير في موقف الرئيس التركي الأخير الذي جاء تحت ثوابت دمشق، خصوصًا لجهة رفضها التدخل في شؤونها الداخلية من أي جهةٍ خارجيةٍ، وعدم البحث في إقامة أي علاقةٍ أمنية مع أي دولةٍ قبل إقامة العلاقات السياسية أو إعادة تفعيلها.
أما في شأن العلاقة مع تركيا، فلا تزال دمشق على موقفها الرافض للبحث في العلاقة مع الأولى، قبل انسحاب الاحتلال التركي من الأراضي السورية، أو التفاهم مع القيادة السورية على جدولٍ زمنيٍ لإنهاء هذا الاحتلال، والكف عن دعم المجموعات الإرهابية في شمال غرب البلاد. وهنا يبدو أن المبادرة الروسية الرامية إلى تحقيق المصالحة بين الجانبين السوري والتركي، حققت تقدمًا كبيرًا، وتجلى ذلك من خلال تراجع رئيس النظام التركي عن مواقفه السابقة حيال الدولة السورية، كتعديل الدستور، على سبيل المثال. وما يؤكد نجاح هذه المبادرة، أن إردوغان أطلق موقفه المذكور آنفًا، والذي لاقى انفتاحًا من الأسد، عقب زيارة الموفد الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرنتييف إلى دمشق في الأيام القليلة الفائتة، ما يوحي أنه حمل رسائل إيجابية من أنقرة.
وهنا لا بد من التأكيد أن السبيل الوحيد لتعديل الدستور السوري، هو من خلال اعتماد الآلية القانونية المتعلّقة بـ "التعديل"، بالتالي من الممكن أن يتم ذلك إذا تقدم ثلث أعضاء مجلس الشعب باقتراح تعديل في دستور البلاد. أي أن هذا "التعديل" في حال إقراره، يبقى شأنًا داخليًا سوريًا، ولن يكون بناءً لإرداة أي دولةٍ، فسورية لم تطلب يومًا من أي من الدول الصديقة وسواها إجراء تعديل دستوري أو حكوميٍ، وتتبع قاعدة "المعاملة بالمثل"، وتتمسك بها، بحسب تأكيد الرئيس الأسد في القمة العربية في العام 2023.
وبعد هذا التحوّل الكبير في الموقف التركي، يلفت مرجع قيادي في دمشق إلى أن "لجنة الاتّصال العربية الخاصة بسورية ستعاود لقاءاتها"، وهي تضم وزراء خارجية كلّ من: السعودية والأردن والعراق ومصر ولبنان وسورية"، موضحًا أن "السبب الذي أدى إلى عدم انعقاد لقاءات "اللجنة"، هو محاولة بعض أعضائها التدخل في الشأن السيادي السوري، ولكن في ضوء هذا التحوّل، ستواصل نشاطها، بالتالي ستعقد لقاءاتها في وقتٍ قريبٍ، من دون أن تتطرّّق إلى الشؤون الداخلية السورية، كتعديل الدستور، أو إشراك "المعارضة في الحكم"، برأي المرجع.
بعد هذه التطورات المذكورة آنفًا، شعرت المجموعات التكفيرية المسلحة بالتخلي التركي عنها، فقامت بأعمال الشغب في الشمال السوري في الساعات الفائتة، وأحرقت الأعلام التركية، وهاجمت قوات الاحتلال التركي وأتباعه في منطقة شمال غرب البلاد السورية، و"زاد في الطين بلة"، التصعيد العنصري ضدّ اللاجئين السوريين في ولاية قيصري وسط تركيا، والتي نالت من ممتلكات السوريين، من دون أن تتضح الأسباب الحقيقة لهذا التصعيد حتّى الساعة، وسط تضاربٍ في المعلومات عن سببه "الجوهري".
كذلك استشعرت ميليشيا "قوات سورية الديمقراطية - قسد" الانفصالية بالخطر الوجودي جراء "التقارب السوري - التركي"، فقامت بدورها بإغلاق كلّ المعابر التي تربط مناطق سيطرتها بمناطق سيطرة الحكومة في دمشق.
وسط هذه الحال من الفوضى التي تعم الشمال السوري لا "تستبعد مصادر متابعة أن "يشهد الشمال صراعاتٍ واشتباكاتٍ وأعمال تصفياتٍ متبادلةٍ بين الميليشيات الناشطة فيه، كـ "هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة" سابقًا، و"الجيش الوطني" التابع لتركيا وسواهما، وقد تتطلب تهدئة الأوضاع في المنطقة المذكور تدخلًا سوريًا - تركيًا مشتركًا، فالتنسيق الأمني قائم بين الجانبين السوري والتركي"، بحسب تأكيد المصادر عينها. وتختم بالقول: "لا مانع من أن يتطور إلى حد القيام بعمليةٍ مشتركةٍ لضبط المناطق الحدودية بين البلدين".
أما لناحية مصير المجموعات المسلحة وملحقاتها، فيؤكد المرجع المذكور أعلاه أن "الحل الوحيد المتاح لهؤلاء الخارجين على سلطة الدولة، هو العودة إلى "حضن الوطن"، هذا في شأن وضع الفصائل غير المصنّفة بـ "الإرهابية" وفق قوائم الأمم المتحدة"، أما في شأن الإرهابيين "كداعش" و"النصرة"، فلا يمكن تسوية أوضاعهم، ومصيرهم مجهول حتّى الساعة"، على حدّ قول المرجع.
وفي شأن وضع "قسد" المستقبلي، " يرى أنه "قد يصار إلى البحث في مصيرها، بعد "التموضع الأميركي" الجديد في المنطقة، عقب إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية"، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الإدارة في واشنطن، لم تجدد العمل بـ "قانون قيصر" لحصار الشعب السوري.
إذًا ها هي سورية تحقق الإنجازات السياسية والميدانية واحداً تلو الآخر، وتمضي بخطى ثابتةٍ نحو تحقيق نصرٍ إستراتيجيٍ.