معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الشعوب تعاقب الكيان المحتل: "اسحبوا الاستثمارات"
27/06/2024

الشعوب تعاقب الكيان المحتل: "اسحبوا الاستثمارات"

لا شكّ أن تداعيات الحرب الصهيونية الوحشية على قطاع غزّة رمَت بثقلها على الرأي العام العالمي بأسره، وقد كان لشعوب الغرب وأميركا نصيب من هذه التداعيات التي أعادت تشكيل نظرة العالم تجاه القضية الفلسطينية، لكن هذه المرّة بسرديّة أهل الأرض وليس الاحتلال.

ملف الاستثمارات الأجنبية في "إسرائيل" كان وما زال من أبرز الملفات التي تأثرت بشكل كارثي نتيجةً لهذه الحرب، حيث بدأ الكثير من أصحاب الاستثمارات والشركات على اختلاف مجالات عملها، يضاف إليهم مؤخرًا الجامعات، بوقف استثماراتهم الداخلية والخارجية مع الكيان المحتل، سواء عبر الاستثمار المباشر أو غير المباشر الذي يتم عبر شركات وسيطة، وذلك تحت ضغط الشارع والمظاهرات الشعبية. 

آخر المستجدات المتعلّقة بهذا الشأن وردت من دولة النروج، حيث أعلن أكبر صندوق تقاعد في البلاد أنه قرر سحب استثماراته من مجموعة "كاتربيلر" الأميركية بسبب احتمال أن يكون "الجيش الإسرائيلي" يستخدم معدّاتها في الحرب في قطاع غزّة، وأضاف أنه قرر استبعاد الشركة من استثماراته بما أنها عاجزة على تقديم تأكيدات حول عدم انتهاكها حقوق الإنسان والقانون الدولي.

وفي هذا السياق، قالت رئيسة الاستثمارات في صندوق “KLP” كيران عزيز في بيان "لفترة طويلة، ورّدت "كاتربيلر" جرافات ومعدات أخرى استُخدمت لهدم منازل فلسطينية وبنية تحتية لتمهيد الطريق أمام المستوطنات "الإسرائيلية""، وأضافت "يُزعم أيضًا أن معدات الشركة تُستخدم من قبل قوات الدفاع "الإسرائيلية" في ما يتعلّق بحملتها العسكرية في غزّة".

الجدير بالذكر، أن الصندوق يمتلك أسهمًا في شركة "كاتربيلر" بقيمة 728 مليون كرونة (68,6 مليون دولار) وقد باعها مؤخرًا. ويدير الصندوق أصولًا تصل قيمتها إلى 90 مليار دولار تقريبًا، وفي نيسان/أبريل 2021، كان قد سحب أيضًا استثماراته من شركات مرتبطة "بمستوطنات "إسرائيلية"" في الضفّة الغربية المحتلة بينها عملاق المعدات الإلكترونية موتورولا.

من النروج إلى الدنمارك، حيث كشفت مصادر اقتصادية في الكيان المحتل منذ أسبوع تقريبًا أن شركة التأمينات وصندوق التقاعد الكبيرة في دولة الدنمارك FPA Pension، والتي يصل حجم أملاكها إلى 50 مليار دولار، قررت سحب استثماراتها في شركة مواد البناء الضخمة Heidelberg Cement الألمانية، بسبب ضلوعها غير المباشر في استغلال الموارد الطبيعية في الضفّة الغربية المحتلة، وقالت الشركة في بيانها إنها ليست معنية بالمساهمة بأي شكل من الأشكال في نشاطات غير قانونية في المناطق الفلسطينية المحتلة.

سُبحة وقف الاستثمارات كانت قد وصلت أيضًا إلى إيرلندا، حيث أعلنت الحكومة الإيرلندية في نيسان/أبريل الفائت عن سحب استثمارات لها بقيمة 2.95 مليون يورو (3.2 ملايين دولار) من عدة "شركات "إسرائيلية""، بما في ذلك بعض من أكبر بنوكها وهي: " بنك هبوعليم - بنك لؤومي - بنك الخصم "الإسرائيلي" - بنك مزواجي - البنك الدولي الأول - متاجر رامي ليفي".

وفي الإطار نفسه، يُذكر أن وحدة إدارة الأصول ببنك نوفاسكوشيا الكندي خفضت حصتها إلى النصف تقريبًا في شركة تصنيع الأسلحة "إلبيت سيستمز" ومقرها "إسرائيل" في مارس/آذار مقارنةً مع الفترة نفسها من العام الماضي.

من أوروبا إلى أميركا، حيث صوت مجلس مدينة ريتشموند في ولاية كاليفورنيا في أيار/مايو الفائت على سحب الاستثمارات من الشركات التي تعمل في "إسرائيل"، لتصبح ثاني مدينة أميركية تسحب استثماراتها بعد هايوارد.

وقالت عضو مجلس مدينة ريتشموند، سهيلة بانا "هناك شيء واحد يمكننا القيام به بنشاط، وهو سحب الاستثمارات" وأضافت "إن ريتشموند لديها مجموعة تبلغ حوالي 600 مليون دولار للاستثمار، ومن المرجح أن يتم استثمار نسبة صغيرة فقط، نحو 7%، في محافظ استثمارية تضم شركات ستتخارج المدينة منها، من الأمثلة الواضحة على ذلك مقاولو الدفاع ومصنعو الأسلحة مثل شركة لوكهيد مارتن، لكن شركات مثل Microsoft وAirbnb مدرجة أيضًا في القائمة".

من المجالات الصناعية والمالية إلى المجال الأكاديمي، وتحديدًا استثمارات الجامعات التي شكلت بدورها صفعةً قوية للاقتصاد "الإسرائيلي"، إذ شهدت جامعات عالمية عدة احتجاجات طلابية واسعة رفضًا للعدوان على غزّة، مطالبةً إداراتها بوقف كلّ أشكال التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي.

ولغاية شهر أيار/مايو المنصرم، فإن أبرز القرارات التي جاءت بهذا السياق، كانت من قبل جامعة براون الأميركية التي توصلت إلى اتفاق على إجراء تصويت في أكتوبر/تشرين الأول المقبل على سحب استثماراتها من الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، كما أن جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد توصلت إلى اتفاقية مع المتظاهرين تتضمن "تعهد إدارة الجامعة بالشفافية والإفصاح عن الاستثمارات وبرامج التعاون الأكاديمي مع الخارج".

وفي العاصمة الإيرلندية دبلن قررت كلية ترينيتي الجامعية إنهاء استثماراتها في شركات "إسرائيلية" عاملة في المستعمرات، ومدرجة على القائمة السوداء للأمم المتحدة تلبية لدعوات أطلقها الداعمون لفلسطين، وفي الإطار نفسه قررت جامعة بروكسل في بلجيكا الانسحاب من مشروع علمي بشأن الذكاء الاصطناعي تشارك فيه مؤسستان "إسرائيليتان"، إلى جانب مراجعة جميع المشاريع الأخرى التي فيها مشاركة "إسرائيلية".

إن لعملية سحب الاستثمارات ووقف التعاون مع الكيان الصهيوني دلالات مهمّة جدًا في اتّجاهات متشعّبة، وتداعيات كبيرة على الوسط الاقتصادي الصهيوني. ففي الدلالات، يعد الأمر بمثابة صحوة للرأي العام العالمي، وإدراك لحجم المعاناة والظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ عقود، ومن جهة أخرى إدراك أيضًا لحقيقة وطبيعة الكيان المحتل، بوصفه كياناً إجرامياً لا يجيد إلا لغة الحروب والدمار، لذا فإن النتيجة الحتمية لهذه المقاطعة الاقتصادية ستكون قاسية جدًا على الاقتصاد الصهيوني المعتمد بشكل كبير على قطاعات الاستثمارات والتجارة، ويبقى التمني الأخير لدى الشعوب العربية بأن تستيقظ الأنظمة العربية المطبعة أو تلك التي في طور التطبيع، وأن تنسلخ عن هذا العدوّ وتحذو حذو هذه الشعوب الحرة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل