نقاط على الحروف
"ذا تلغراف": نموذج عن إعلام الغرب
تُصنّف صحيفة "ذا تلغراف" البريطانية المعروفة إلكترونيًا بـ"تلغراف" والتي تأسّست عام 1855 من بين أعرق الصحف حول العالم، بحيث يتخذ بعض الباحثين من محتواها مرجعًا موثوقًا ومصدرًا معتبرًا في العديد من القضايا والمواضيع التي تعالجها. ولأنّها على هذا القدر من الوجاهة في عالم الصحافة، فلم يكن من السهل إقناع المهووسين بالتجارب الأوروبية في مختلف الميادين أنّ الصحافة في تلك البلاد لا تختلف عنها في بلادنا، فهي تحوي القليل الصالح والذي لا تبلغنا أصداؤه، والكثير من الطالح الذي يجري التسويق له كنموذج يُحتذى به في عالم الصحافة، لذلك لم يكن من السّهل أبدًا على العقل الأسير للتجربة الغربية والمفتون بها أن يصدّق أن ارتكاب "ذا تلغراف"، بكلّ ما فيه من تضليل ممنهج وأكاذيب ركيكة وتهويل واضح، هو في الحقيقة عمل متعمّد وليس "غلطة الشّاطر".
تحكي "ذا تلغراف" بلسان السياسة البريطانية، وتنشر بطبيعة الأحوال ما يتفق مع هذه السياسة ويخدمها. ويظلّ الأمر طبيعيًا إلى أن يطالع القارىء، بحيادية تامّة وإن لم تكن واجبة، المحتوى المفكّك والرّواية الهزيلة التي نشرتها الصحيفة حول تخزين حزب الله لصواريخ وأسلحة في حرم مطار بيروت الدولي.
بالشكل وبالمضمون، تفتقر القصّة التي حاكتها "ذا تلغراف" إلى الحدّ الأدنى من المنطق والعقلانية، وبدا أن كاتبها مبتدئ ليس فقط في عالم التحقيقات الصحفية وحسب، بل في عالم صناعة الأكاذيب. بغضّ النظر عن الهدف الذي أرادته بريطانيا عبر "تلغرافها" من نشر ترّهات يعلم كلّ عاقل أنّها غير حقيقية، وسواء كان مجرّد ردٍّ "إسرائيلي" على رسالة الإحداثيات في فيديو الإعلام الحربي، أو مقدّمة لاعتداء صهيوني على المطار وتهيئة الرأي العام حول العالم لتقبّله بذريعة وجود أسلحة لحزب الله فيه، فالكذبة التي اختلفتها الصحيفة ارتدّت على فاعلها، وأراقت ماء وجه الصحيفة العريقة وأكثر من ذلك، أسقطت مصداقيتها من عين قرائها داخل أوروبا وهو فشل لا تعوّضه حملة التبنّي في لبنان لما ورد في الصحيفة والبناء عليه.. باختصار، ما فعلته الصحيفة ليس سقطة صحفية أو خطأ من المصدر أو معلومات مغلوطة وردت إليها حول موضوع يتمتع بمقدار عال من الحساسية والخطورة، بل هو استكمال طبيعي ومقصود لنهج الإعلام العالمي ودوره الأساسي في الحرب على المقاومة، وفي ما نسمّيه "الحرب الإعلامية".
تُخاض هذه الحرب ضدّ محور المقاومة منذ سنوات؛ خصّص الغرب لها ماكينة بشرية ضخمة واستثمر الملايين من الدولارات في مؤسسات إعلامية ومراكز دراسات وإحصاءات وأبحاث سواء في بلاده أو في بلادنا. من السهل جدًا على من رصد ولاحظ على الصعيد المحلّي والعربي حملات التضليل الممنهجة التي استهدفت ولم تزل تستهدف المقاومة وبيئتها أن يضع مقالة "ذا تلغراف" في السياق العدواني نفسه، وإن بدا أنّ الغرب قد ضاق ذرعًا بفشل أدواته المحليّة في التضليل والتهويل فآثر أن يستخدم هذه المرّة صحيفة رسمية تصدر في بلاده، ما قد يضفي جرعة من المصداقية على الأكاذيب. وقد كان رهانه الأوّل على معرفته بأن أسماء وأدوات عاملة لديه ستتلقّف المقالة وتساهم في تكرار محتواها بحيث يُتداول كأنّه حقيقة مثبتة. وهذا ما حصل فعلًا. فلم تكد تخرج المقالة الركيكة إلى النّور حتّى تصدّرت منشورات مختلف الوسائل الإعلامية المناهضة للمقاومة وأصبحت قميصًا ينشره هذا وذاك من المشهورين بالحقد على الطهارة.
بهذه الطريقة التي رأيناها بالشكل المكثّف المركّز، يدير الإعلام العالمي حربه على المقاومة. وإن ظنّ بعضٌ منّا أنّ الرّكاكة اختصاص تبرع فيه الأدوات الصغيرة، فقد أصبح لديه دليل على أنّها نمط عمل وأسلوب إعلامي عالميّ متّبع، عماده التضليل والكذب، لا يأخذ بعين الاعتبار أن للجمهور عقلًا ووعيًا كافيًا ليميّز الخبيث من الطيّب، ولا يحترم أيّ معيار أخلاقي أو مهنيّ أو إنساني في مقاربة الحقائق.
التضليل الإعلاميالإعلام الغربي
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
09/11/2024
أمستردام وتتويج سقوط "الهسبرة" الصهيونية
08/11/2024
عقدة "بيت العنكبوت" تطارد نتنياهو
07/11/2024