آراء وتحليلات
قبرص العالقة في ازدواجية العلاقات
يبدو أن زيارة الرئيس القبرصي الأولى للبنان في نيسان/أبريل المنصرم لن تكون كافية للحفاظ على العلاقة الثابتة بين البلدين، فهو وإن شدد في لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجييب ميقاتي على "أهمية الزيارة الأخوية ودعم بلاده للبنان في كل المحافل الدولية" إلا أن الحقيقة تبدو مختلفة نوعاً ما.
الرئيس نيكوس خريستودوليدس زار لبنان مؤخرًا في إطار السعي لإيجاد حل شامل ومستدام لأزمة النازحين السوريين، لا سيما قضية الهجرة غير الشرعية من السواحل اللبنانية والسورية للأراضي القبرصية، وذلك بعدما اتهمت قبرص بشكل غير مباشر السلطات اللبنانية بتشجيع هجرة اللاجئين السوريين عبر أراضيها باتجاه أوروبا.
أزمة النازحين السوريين تحتل اليوم موقعًا ثانويًا أمام ما شهدته الأيام الأخيرة من مستجدات فرضت نفسها على العلاقات بين البلدين، وذلك بعد تحذير الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله حكومة قبرص من فتح مطاراتها لـ"إسرائيل" في أيّ حرب مقبلة مع لبنان، معتبرًا أنها إن فعلت ذلك فهذا يعني "أنها أصبحت جزءًا من الحرب".
ردود أفعال السلطات القبرصية توالت بعد خطاب السيد نصر الله، وقد صرّح المتحدث باسم الحكومة القبرصية كونستانتينوس ليتمبيوتيس في اليوم التالي للخطاب أنّ بلاده "ليست منخرطة" و"لن تشارك" في أيّ صراعات حربية، مشيراً إلى أنّ جميع المفاوضات مع لبنان ستتم على المستوى الدبلوماسي.
تصريحات السلطات القبرصية لم تأتِ من عدم، و"الهلع" الذي أصابها بعض الشيء مردّه إلى أن قبرص هي فعلًا قد تكون متآمرة على لبنان بشكل غير مباشر في حال نشوب أي حرب مقبلة. هذه الفرضية تثبتها تصريحات المسؤولين في الكيان المحتل ووسائل الإعلام لديهم، وفي هذا السياق صرح "أور هيلر" المراسل العسكري للقناة 13 الإسرائيلية، أن ثمة تحالفًا إستراتيجيًا قائمًا في السنوات الأخيرة مع قبرص واليونان، وقد أجرى "الجيش الإسرائيلي" مناورة لاحتلال قبرص بآلاف جنود الجيش والطائرات والسفن والقوات الخاصة في محاكاة لحرب لبنان، وفي شهر أيار من العام الفائت أجريت مناورة (سماء زرقاء) في قبرص وكانت تحاكي هجومًا في العمق اللبناني، مضيفًا أن الموساد والشاباك لهما علاقة وثيقة جدًا مع الاستخبارات القبرصية.
وفي هذا الإطار، أكدت أوساط العدو نفسها أن تحذيرات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لقبرص كانت مبنيةً على أدلةٍ دامغة، وأنَّها دفعت بأوروبا والدول المتحالفة مع "تل ابيب" في المنطقة الى إرسال رسائل تهدئةٍ للأمين العام بأنها ستنأى بنفسها عن كيان العدو.
هذا الإصرار من العدو على تأكيد وجود التعاون العسكري والاستخباراتي الكبير بين الطرفين وإمكانية استغلاله في أي حرب قادمة، يعيدنا إلى حلقة الادعاءات التي أطلقتها قبرص بشأن العلاقة التي تربطها مع لبنان، والتي تشير حقيقةً إلى وجود "ازدواجية" في التعاطي معه، إذ بينما يتماهى الرئيس القبرصي بالعلاقة التاريخية المميزة التي تربط بين البلدين، ويشدد على وقوف بلاده إلى جانب لبنان في المحافل الدولية، فإن قبرص بالمقابل تشرّع أبوابها لتكون جزءًا مساندًا لكيان العدو في أي حرب قد يشنها على الأراضي اللبنانية، وهنا تظهر أهمية أخرى لخطاب السيد نصر الله، إذ نستطيع من خلاله استقراء حقيقة النوايا القبرصية تجاه لبنان، وبالتالي صحّة الادعاءات عن حرص قبرص على الحفاظ على استقرار العلاقات بين البلدين.
ما يثير الاستنكار هنا هو إمكانية تورط قبرص الذي بدا واضحًا في هكذا مؤامرة مقبلة، وهي بذلك تكون قد أساءت علنًا لسيادة دولة أخرى تعتبرها "صديقة" حتى قبل وقوع الواقعة، رغم أن الأمر يبدو أكبر من مجرد إساءة في حال حدوثه، لأنه يرقى لحد المشاركة في الاعتداء والعدوان حينها.
هذه القراءة الواضحة لمجريات الأمور مرفوضة لدى العديد من أتباع أميركا وحلفائها في الداخل اللبناني، لأنها تمسّ بشكل غير مباشر العدو الصهيوني الذي يبدو – بنظرهم – "غير معتدٍ" بل "معتدى عليه"، وقد استعاضوا عن ذلك بتوجيه أصابع الاتهام لحزب الله معتبرين أن هذه التهديدات سبّبت "إحراجًا" للبنان أمام أحد أصدقائه الغربيين التاريخيين "الذين طالما دعموه في الحروب السابقة" لكن هؤلاء تغاضوا عمدًا عن حقيقة أن من شنّ تلك الحروب الوحشية المدمرة على لبنان هو أيضًا أحد أبرز حلفاء قبرص المقربين جداً منها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
12/11/2024
حسابات حقول العدوان وبيادر الميدان
11/11/2024