طوفان الأقصى
اليمن لأميركا: جُرّي أذيال الهزيمة
لم تتمكّن أميركا ومن معها من حلفاء، على امتداد تسعة أشهر من بدء معركة طوفان الأقصى، أن تمنع أو تصد هجمات اليمن على السفن والأساطيل المتجهة لكيان الاحتلال الصهيوني، رغم كلّ المحاولات السياسية والعسكرية والهجومية التي لم تؤت أكلها، بل على العكس، زادت من إصرار جبهة اليمن على مضاعفة هجماتها وجعلها أوسع انتشارًا.
معالم الفشل الأميركي في اليمن باتت واضحةً اليوم أكثر من أي وقت مضى، ويعود ذلك بالطبع لأسباب متشعبة الاتّجاهات، إلا أنها ترتبط جميعها بواقع جديد فرض نفسه على الساحة الدولية، وهو انهيار نظام الهيمنة الأميركية البحرية لا سيما في البحر الأحمر، وقد أثبتت جبهة اليمن صحّة هذا الواقع بكلّ الشواهد والأدلة.
فور اندلاع الحرب الوحشية الصهيونية على قطاع غزّة، وأمام الدعم الغربي والصمت والتقاعس العربي، دخل اليمنيّون الحرب كجبهة مساندة لوقف هذه الإبادة الجماعية عبر استهداف السفن المتجهة لموانئ الكيان المحتل، وقد أثارت هذه الخطوة المفاجئة قلق الولايات المتحدة الأميركية على نحو كبير، حيث باشرت على الفور مساعي التفاوض لوقف هذه الجبهة.
في هذا الإطار، يُذكر أن البيت الأبيض حاول التفاوض بشكل غير مباشر مع أنصار الله عبر الوساطة العمانية، وعرضت الولايات المتحدة قائمة من الحوافز مقابل وقف الهجمات في البحر الأحمر، إلا أن اليمن رفض بشكل قاطع جميع المقترحات وأعلن أنه لن يتوقف عن استهداف السفن التي تخدم المصالح "الإسرائيلية" إلا عندما تتوقف الحرب على قطاع غزّة.
الفشل الأميركي الدبلوماسي انسحب أيضًا على عجز الولايات المتحدة الأميركية عن تشكيل تحالف دولي ضدّ اليمن من خلال عسكرة المنطقة، وتقديم المسألة باعتبارها تتعلق بحماية حركة الملاحة والشحن في البحر الأحمر بعيدًا عن الحرب القائمة في غزّة، إلا أن مساعيها اصطدمت بعدم ترحيب حلفاء واشنطن في أوروبا والعالم العربي بدعوتها للمشاركة، والتحالف الذي كان من المفترض أن يضمّ 42 دولة، تقلص إلى 8 دول. والجدير بالذكر أن في نيسان / أبريل المنصرم، تحدث موقع "ذا وير زون" المحسوب على البنتاغون والمخابرات الأميركية عن هزيمة البحرية الأوروبية وانسحاب نصف السفن من البحر الأحمر، ومنها السفن الفرنسية والدنماركية وأخيرًا الألمانية.
وعلى صعيد القوات البحرية اليمنية، فإن ما تنجزه الصواريخ والمُسيّرات والقوارب شكّل انقلابًا كبيرًا وتغيّرًا على مستوى النظريات العسكرية البحرية المعتمدة لدى أميركا وحلفائها، فبينما يُكلّف بناء حاملات الطّائرات والبوارج مليارات الدولارات، فإنّ صاروخًا يمنيًّا لا يُكلّف تصنيعه إلّا بضعة آلاف قادر على إعطابها في ثوانٍ معدودة، وهُنا تكمن المُعضلة الأميركيّة غير المتوقّعة، وذلك بسبب التكاليف العالية للأنظمة الدفاعية البحرية التابعة للتحالف الأميركي والتي تستخدم بكثافة لمواجهة مجموعة من الطائرات المسيرة والصواريخ المجنّحة والباليستيّة رخيصة الثمن.
القلق الأميركي من تبعات جبهة اليمن شمل أيضًا توجه الصين وروسيا للاستفادة من التجربة اليمنيّة مع تقدمهما التقني والتكنولوجي، مقابل بقاء اعتماد الغرب على أنظمة أسلحة بحرية تقليدية عالية الكلفة، وهذا الأمر دفع الدنمارك مثلًا لإقالة وزير دفاعها بعد أن أظهرت السفينة الحربية الدنماركية المشاركة في التحالف عيوبًا في أنظمة دفاعها الجوي وذخيرتها، ما يستدعي إنتاج أنظمة دفاع بديلة تواكب الأنظمة الهجومية الرخيصة التي يستخدمها اليمنيون.
جزء من تداعيات وتأثير جبهة اليمن، برز مؤخرًا في تقرير نشرته وكالة استخبارات "الدفاع الأميركية" منذ أسبوع تقريبًا، ذكرت فيه أن أنصار الله قد شنوا من بداية الحرب 175 هجومًا على البحرية الأميركية وسفن التحالف والسفن التجارية، و29 شركة كبرى للطاقة والشحن غيرت طرقها لتجنّب الهجمات، وأن طرق الشحن البديلة حول إفريقيا تضيف 11000 ميل بحري، و1 - 2 أسبوع من الوقت ومليون دولار من التكاليف.
أثبتت جبهة المقاومة اليمنيّة ضدّ الكيان المحتل وداعميه من حلفائه الأميركيين والغرب، أنها قادرة على تغيير كلّ معادلات القوّة والسياسة في العالم، انطلاقًا من تكريسها مفهومًا جديدًا للردع يستند إلى التضحية والتعاطي مع القوى المستكبرة والمحتلة بلغة القوّة، عبر الاعتماد على الإمكانات الذاتية وعزيمة المقاومين وصبرهم، حتّى دون وجود حاجة لأن يمتلكوا الأساطيل العظمى، لتجبر بذلك أميركا ومن معها على الاعتراف بالانكسار والفشل أمام شجعان العرب والمسلمين، ولتفسرّ بالتالي سعي هؤلاء المستمر والقوي للحفاظ على ما تبقى من وجود هذا الكيان المهزوم المؤقت.