طوفان الأقصى
"الهدهد": كلٌّ يراه بعين طبعه
عاد الهدهد سالمًا، وحدّثَ عمّا رأى في حلقة أولى سيتبعها حلقات. استقبل أهل المقاومة النبأ بفيض من الفرح، بدموع الفخر، بالتكبير، بالحمد وبأجمل عبارات الامتنان والاعتزاز بالانتماء إلى خطّ المقاومة..
عاد الهدهد وحدّث.. فتلقّى الصهاينة الصّفعة بذهول وغضب صبّه الاعلام العبري على المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية في الكيان الذي يتساءل كلّ من فيه عمّن يتحمّل مسؤولية بلوغه هذا المقدار من الهشاشة، بحيث استطاعت طائرة مسيّرة تصوير جميع النقاط الحساسة في حيفا، واخترقت بذلك كلّ أنظمة الدفاع الجوّي والرادارات ومعايير "التفوّق التكنولوجي" التي يتباهى بها الكيان ومريدوه. التضارب في الرّوايات الإعلامية العبرية جاء متناغمًا مع حال الإرباك الذي وضع هدهد المقاومة فيه كلّ الصهاينة، والذي جاء بعد أشهر ٩ من تلقّي الصدمات ومنها خلوّ الشمال وتحويله إلى أرض حرب تهجّر منها المستوطنون، ومنها أيضًا إسقاط ٤ طائرات هرمز ٩٠٠ من أصل العشرين التي يمتلكها "الجيش الاسرائيلي"، بالإضافة إلى يوميّات الميدان التي حوّلت عناوين ومانشيتات الإعلام العبري في مرّات عديدة إلى عبارات مثل "جُن حنون حزب الله" و"الليلة هي الأعنف في الشمال".
بالمختصر، أجمع الصهاينة على الإقرار بقوّة الرسالة التي حملها الهدهد، وسواء صُنّفت في إطار الحرب النفسية أو في إطار الإنجاز العسكري، فقد فهموا ما وجب أن يفهموه منها، وبدأوا بمحاولة التعامل مع ما فهموه ولم يقوموا بالتقليل من انجاز الهدهد لأنّ ذلك يعني التغابي واستغباء الجمهور، جمهورهم.
أمّا في لبنان، فثمّة أبواق تصدّت لهذا الفعل، بأريحية ودونما أدنى شعور بالذنب لاقتراف الاساءة إلى عقل المستمعين، وأيضًا دونما أدنى شعور بالكرامة التي تمنع المرء من القبول بالتفوّه بالترّهات مقابل أجرٍ ماديّ أو معنويّ.
في لبنان، منذ أن بثّ الإعلام الحربي الحلقة الأولى ممّا عاد به الهدهد، هُرع البعض للتقليل من الإنجاز المشهود والذي يقرّ به العدوّ وقرّت به عين الصديق:
قال أحدهم مثلًا أنّ ما عُرض من مشاهد جويّة لحيفا متاح ومتوفّر عبر خدمات "غوغل ماپ". قال ذلك دون التفات إلى أبسط المعارف التكنولوجية بكيفية عمل كلّ خدمات المسح الجغرافي المتوفرة. ولولا كونه مغمورًا لكان من الممكن أن يقاضيه القيّمون على غوغِل لارتكابه فعل المجاهرة بالجهل باستخدام اسم خدماتهم. وانبرى آخر ممّن عُرفوا بالحقد وباعتبار القوّة الجويّة للمقاومة سرب "مسيّرات لتصوير الأعراس" إلى التهكّم على مدّة العرض، دافنًا رأسه في الرمل متجاهلًا سرب الانجازات الجوية التي قصمت ظهر العدوّ. وعلى هذا المستوى، كرّت سُبحة التعليقات التي تستميت في محاولة تسخيف ما أنجزته المقاومة بالتزامن مع تصدّي الإعلام المشبوه للتهويل على سبيل منع الناس من الفرح بالانجاز وتحويله إلى مصدر تهديد بالنسبة إليهم، فسيّلت المحطات الإعلامية المعروفة بمعاداة المقاومة كميّة من الأخبار العاجلة التي توحي بأن الصهاينة على أهبة الاستعداد للدخول في حرب شاملة ضدّ لبنان، ومنها خبر اعداد "الجيش الاسرائيلي" خطة جاهزة للهجوم على لبنان، والذي إذا صحَّ لا يعني شيئًا، فالخطط موجودة مسبقًا والسؤال يكمن في استطاعة تنفيذها والتي تتضاءل مع كلّ ضربة توجهها المقاومة إلى صدر العدو. ناهيك عن التهويل المعتاد الذي أدمنه أصحاب العقل المهزوم واللسان المأجور والذين يسوّقون في كلّ مناسبة لقدرات "الاسرائيلي" كوحش كاسر لا يُهزم، والذين لو رأوه بأم أعينهم منكسرًا لكذّبوا أعينهم ودعوا الناس إلى تكذيب أعينها، بالتزامن مع تقليلهم من قدرات المقاومة حتى حين يشهد كلّ أهل الأرض، بمن فيهم العِدا، على ما أنجزت.
عاد الهدهد سالمًا.. حدّثنا عمّا رأى.. وكلٌّ رآه بعين طبعه.. مَن فرِح به واعتزّ طبعه طهر القلب والشرف.. ما خافه سوى العدا، ومن معهم. أمّا الذين قلّلوا أو صغّروا، فهم أهل التيه في الهوية، لا هم يجاهرون بانتمائهم الحقيقي إلى معسكر الخائفين، ولا هم بقادرين حتى على تصنّع طهر الانتماء إلى معسكر العزّة..