معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

هل تتغير طهران؟
27/05/2024

هل تتغير طهران؟

من المثير حقًا أننا لا نستطيع أن نصف الدول العربية بـ "جمهوريات موز"، وهو المصطلح الذي وضع واشتهر لوصف الديكتاتوريات العسكرية في أميركا اللاتينية، وكانت تقوم أساسًا على تفويض أميركي للجيوش الخائنة بالحكم مقابل ضمان مصالح الشركات الأميركية العملاقة في الموارد والمواد الأولية والزراعية. بعض الدول العربية اليوم   أقل من أن توصف بجمهوريات موز، فيها شبه قواعد وبقايا ظلال أعراف، هي أشبه بدول الصدفة أو "قشور الموز"، تمضي بالصدفة من مصيبة إلى كارثة ثم إلى انزلاق حتمي، ثم تسقط بسرعة، وهي لا تدري أين هي، وما الذي ألقاها إلى هنا.

استشهاد الرئيس الإيراني آية الله السيد إبراهيم رئيسي، ورفاقه المجاهدين، لم يكن يمثل "فرصة سقوط" للجمهورية الإسلامية، كما تمنى البعض في العالم العربي المنكوب، فعندنا حين يسقط طاغية ينتهي نظامه تمامًا، وأحيانًا قبل دفنه، وللأسف فإن العالم العربي لا يعرف كثيرً عن جيراننا الأعزاء الأقرب، باختصار فإن الانتقال جرى بشكل طبيعي وسلس، والرسالة الوحيدة القائمة هي أن إيران باقية، وقيادتها باقية، وبأسها باقٕ.

أطل علينا الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله حفظه الله، في الحفل التأبيني للشهيد آية الله السيد إبراهيم رئيسي، ورفاقه المجاهدين الأبرار، يوم الجمعة 24 آيار / مايو الجاري، ليذكر بعضًا من خصال الرئيس الشهيد آية الله إبراهيم رئيسي، وليعيد بذكائه ووعيه ومن معدن نبله، رسم العلاقة الحقيقية بين الجمهورية الإسلامية وبين إخوانها في محور المقاومة، ويتحدث عن روح الأخوة الإسلامية والإيثار والبذل والشهامة والفداء والمساندة، وكيف كان الرئيس الشهيد خادمًا لشعبه، هذا الرجل المتواضع الذي يمثل أكبر قوة في الشرق الأوسط، وكما قال السيد: "نحن لم نرَ من الشـهيدين رئيسي وعبد اللهيان إلاّ كل الخير والعون والسند والحب والاحتضان".

من المفروغ منه أن الجمهورية الإسلامية يحكمها دستور مكتوب، ولها قانون يطبق على الجميع، وفكرة استمرار إيران في سياساتها الإستراتيجية تجاه القضية الفلسطينية بنفس الوتيرة والدفع والحدة، أمر مقضيّ، واستمرار منهجيتها الساعية للتعاون مع الدول العربية هي الأخرى منتهية، وموقفها كطرف أصيل في "طوفان الأقصى" ثابت لن يتغير، مهما كان دور القادة الشهداء الكبير، فهذه البذرة/الثورة الإسلامية ولّادة للعظماء.

والجمهورية الإسلامية التي دخلت منذ اللحظات الأولى لطوفان الأقصى، مساندة وداعمة ومؤيدة، دخلتها بقوة المؤمن وعزته، وفي ظل مبدأ راسخ هو مشروعية مساندة فصائل المقاومة، وقد حازت لنفسها شرعيّة القوة الإقليمية، واكتسبت بالحق والحقيقة دورًا أكبر وأعمق في معادلة الصراع الإستراتيجية على الشرق الأوسط، ودورها هنا هو الملخص الخلاق لتلاقي اندفاع التاريخ مع الجغرافيا والموقع، ومطالب الانتماء وأحلام المستقبل وواجبات الانتماء المشترك، وإيران بالنسبة للمنطقة مكوّن رئيس، وليست طرفًا، وهي أحد روافع خصوبة حضارتها وتجددها وتفردها.

المبادئ التي رفعتها الثورة الإسلامية العظيمة منذ 1979، وإلى اليوم، كانت هي أحد الأسباب التي حققت لعملية طوفان الأقصى الهائلة كل هذا الصدى والزخم، وجعلها نقطة نور فارقة في معركة المصير التي تخوضها الأمة تحت لافتة "طوفان الأقصى"، الضمير اليقظ للإمام روح الله الخميني –قده- والمثابرة الواثقة الواعية لآية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، جعلت للسلاح الإيراني بوصلة روحية وعزة إيمان لا تلين، وهي في قرارها بالأصل منتصرة بالانتصار لفلسطين، كأكمل ما يكون العمل الإنساني ونبله ورفعته واندفاعه الشريف.

الثورة الإسلامية اليوم، ومع استشهاد الرئيس إبراهيم رئيسي، وفتح عهد جديد، كأنها تتحدث بالعمل الجاد الدؤوب بأنها لم تكن فورة شعارات أو أمنيات، لكنها كانت حفرًا بالأظافر على جبين الزمن، بدمائها وأبطالها وتضحياتها، وحتى بآلامها، كانت استمدادًا من شخصية الأمة ودينها واستجماعًا لشروط نهوضها واستمرارها. كانت الثورة هي صيحة الجهاد المدوية بعناد المؤمن وصلابة روحه، كانت طريقًا جديدًا بالكامل، وفي الوقت عينه كانت دمًا نقيًا فيه كل عنفوان الماضي والتاريخ يعاد ضخه إلى شرايين الجسد المعتل بالأمراض ونهش الأعداء، كانت وستبقى عنوان المجد على غرة الزمان، لذا فهي الأمل الأبقى لإنسان هذه الأمة، كإنسان أولًا.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف