طوفان الأقصى
جنوب إفريقيا تنتصر لغزّة.. والسعودية تلهث لتحسين شروط التطبيع
تُعدّ دولة جنوب إفريقيا من الدول القلائل التي قطعت علاقتها مع كيان العدوّ الإسرائيلي، واتّخذت خطوات عملية للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، وتأكيد حقه في الحياة. وكان لها سبق التحرك في محكمة الجنايات الدولية لمحاولة إدانة "إسرائيل" وردعها عن ارتكاب مزيد من جرائم حرب الإبادة الجماعية في غزّة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية.
نتيجة الضغوط الأميركية، خيبت المحكمة الدولية آمال الدولة الإفريقية وخذلت الشعب الفلسطيني، ومع ذلك استمرت المرافعات مرّة ومرتين وثلاث وحتّى المرافعة الرابعة على أمل وقف مخطّط اجتياح رفح.
الإجراءات الطارئة لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزّة، والتي تقدمت بها جنوب إفريقيا، لم تلقَ آذانًا صاغية من قضاة المحكمة الدولية الذين تعرضوا لتهديدات أميركية بفرض عقوبات عليهم إذا ما أصدروا قرارًا بملاحقة نتنياهو وبعض القادة الصهاينة لانتهاكاتهم وجرائمهم في غزّة، الأمر الذي يعبّر جليًا بأن مثل هذه المحاكم وُجدت لخدمة أجندة دول الاستكبار والاستعمار وليس لنصرة الحق واستعادة الحقوق للدول الفقيرة والضعيفة.
بعد جنوب إفريقيا، سارعت دول من أميركا اللاتينية لقطع علاقتها الدبلوماسية مع كيان العدوّ ونددت بالوحشية الإسرائيلية والدعم الأميركي لها، كما تشهد أميركا نفسها هبّة طلابية جامعية تضامنًا مع غزّة بالرغم من القمع والملاحقة. في المقابل، السعودية الدولة التي تقدم نفسها زعيمةً للأمة الإسلامية وحامية حمى الحضن العربي، لم تظهر موقفًا واضحًا وحاسمًا من أحداث غزّة، ولم تترك شعبها يعبّر عبر مختلف الوسائل عن وقوفه مع القضية الفلسطينية، والأمر انسحب على كثير من الدول العربية والإسلامية، مع الأسف.
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة ولقاءات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لم تنقطع، وفي كلّ الزيارات للرياض تصدّر ملف التطبيع النقاشات والمباحثات، وكأن شيئًا لا يحدث في غزّة، وحتّى مع استمرار الجرائم الوحشية لما يزيد عن سبعة أشهر لم تتباطأ عجلة التطبيع. كذلك الإمارات والمغرب ودول التطبيع الأخرى، لم تكلف نفسها عناء استدعاء السفير الإسرائيلي للتعبير عن الاحتجاج والتهديد بقطع العلاقات ولو إعلاميًا، ومن يعد بذاكرته إلى الوارء ويتأمل في العدوان على اليمن، في أهدافه وشعاراته، ومقاطعة قطر في مرحلة قريبة من هذه الدول نفسها، يتأكد له أن ما يجري في غزّة يجري بموافقة سعودية ومساندة إماراتية - مصرية - أردنية في مصلحة وهدف مشترك تقوده أميركا، والبداية كانت من تصنيف حماس "جماعة إرهابية" وزجّ قيادتها في سجون المملكة.
جنوب إفريقيا عبّرت عن أملها في أن توقف المحكمة الدولية عملية الإبادة حفاظًا على فلسطين وشعبها، والسعودية ومن يدور في فلكها أسهمت بالوصول إلى مرحلة جديدة ومروعة بالاعتداء على رفح لجعل غزّة منطقة غير صالحة للعيش. وفي حين تطالب جنوب إفريقيا بانسحاب "إسرائيل" الفوري من جنوب قطاع غزّة والسماح بمرور المساعدات الإنسانية من دون عوائق، تحضّر السعودية لمرحلة ما بعد العدوان وتسهيل انتقال سلطة محمود عباس لحكم غزّة ما يضمن للكيان أمنه وإنهاء حق العودة واستعادة الدولة الفلسطينية لكامل أراضيها.
ثمن التطبيع أو شروطه لن يكون كما يروّج الإعلام الأميركي، موافقة كيان العدوّ على ما يسمّى "حلّ الدولتين"؛ وإن كان من ثمن لموافقة السعودية فقد يكون إعلان وقف إطلاق النار في غزّة بعد أن يصل العدوّ إلى طريق مسدود مع حملة إعلامية صاخبة أنه لولا ابن سلمان لاستمرت الحرب حتّى تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزّة، وستوفر عمليات إعادة الإعمار وإرسال المساعدات الغطاء المطلوب للتهوين من فضيحة التطبيع وعار الخيانة من وجهة نظر العملاء والخونة.