آراء وتحليلات
جحيم الكيان بين "شمالَين"
ممّا لا شك فيه أن قادة العدوّ اليوم يعيشون وضعًا لا يُحسدون عليه، ففي الوقت الذي تتزايد فيه بشكل كبير وغير مسبوق أو غير منتظر إصابات جنودهم وضباطهم في غزّة أو على جبهتهم الشمالية مع لبنان، يضيق الخناق دوليًا على رقاب مسؤوليهم رويدًا رويدًا، وعلى خلفية جرائمهم ومجازرهم التي تحمل بكلّ ما للكلمة من معنى توصيف الإبادة الجماعية. وبسبب موقفهم الفاقد لكل معايير الأخلاق والقانون في هذه الحرب المجنونة التي يشنونها على الشعب الفلسطيني في غزّة، أصبحوا ينتظرون بين لحظة وأخرى اتهامًا رسميًّا دوليًا بتصنيفهم مجرمي حرب، وباستدعائهم والتحقيق معهم وتوقيفهم.
طبعًا، لم يكن واردًا بتاتًا أن يصل قادة العدوّ إلى مجرد التفكير بهذا القرار المنتظر، مع أنه من شبه المستحيل أن يُوقفوا لاحقًا أو يحاكموا، حيث ما يزالون يحظون بكلّ أشكال الرعاية والحماية الأميركية. ولكن يبقى الأخطر والأكثر حساسية، وربما سيكون الأكثر تأثيرًا على إمكان استمرار الكيان في احتلاله لفلسطين، هو هذا الفشل الذي يظهره جيش العدوّ اليوم في معاركه بين شمال غزّة وشمال فلسطين، والتخبط الذي يعيشه هذا الجيش في خططه غير الواضحة وفي استراتيجياته الغامضة، حيث مناوراته المتناقضة والعقيمة بين الأهداف التي وضعها وبين عملياته القتالية التي يقوم بها لتحقيق هذه الأهداف. وهذا ما يمكن تبينه من خلال الإضاءة على مستوى المواجهة الحالية في غزّة - في مناطق المواجهة كلها في القطاع - وفي شمال فلسطين المحتلة.
في غزّة
في الوقت الذي يُطلق فيه العدوّ معركة رفح، والتي يُجمع أغلب المتابعين داخل الكيان أو خارجه، أنها ستكون صعبة والنجاح فيها سيكون مستحيلًا، يفتح معركة أصعب في شمال القطاع وتحديدًا في جباليا المخيم والبلد وفي حيّ الزيتون. والنتيجة حتّى الآن، يسقط له قتلى ومصابين بالعشرات نتيجة مروحة واسعة من كمائن المقاومة المركّبة والمدروسة بعناية والقاتلة، وبدل أن يكون عليه مواجهة المستنقع الذي أدخل وحداته فيه في رفح ولو بصعوبة، يُدخله في الوقت نفسه شمال القطاع في مستنقع ثانٍ أصعب وأخطر، وفي مناطق طالما كانت عصيّة على وحداته، وشكّلت مقبرة لجنوده خلال أغلب اعتداءاته تاريخيًّا على غزّة.
في شمال فلسطين
أيضًا وأيضًا، تخبّط وضياع في مواجهة حزب الله، وفي الوقت الذي لم يكن أحد يتوقع أنه سوف يخسر الخطوط الرئيسة لمناورته الهجومية التقليدية، والتي كانت ذراعها الأساسية القوّة الجوية، هو اليوم يخسر أيضًا مناورته الدفاعية بفضل المستوى المتقدم جدًّا الذي أدخله حزب الله في هذه المواجهة، ضدّ وحدات العدو في شمال فلسطين المحتلة.
ومن خلال مناورة مدروسة بناها حزب الله على ثلاثة مداميك رئيسة، توزعت بين الاستعلام الدقيق وبين التكتيك المركّب وبين القدرات النوعية الجديدة، وأهمها المسيّرات الانقضاضية والصواريخ الموجّهة بكاميرا، يعيش جيش العدوّ هواجس استهدافات المقاومة الإسلامية في لبنان لمواقعه ولجنوده، والتي أصبحت بمثابة القدر المحتوم الذي لا مفر منه.
وهكذا، بين فقدان "إسرائيل" تباعًا وبطريقة تدريجية ما كانت تحظى به دوليًا من عطف ورعاية، وبين فقدانها أيضًا، ورويدًا رويدًا، الذراع القوي الذي شكّل درع الحماية لاحتلالها، وهو قوة الجيش الذي كان يوصف بالذي لا يقهر، هي اليوم تعيش أرق الاندثار الذي أصبح حتميًا. ويبقى الدليل الأسطع على ذلك هو الإحصائيات الصادمة لأرقام عن نسبة الصهاينة الذين فقدوا أي أمل بإمكان استمرار "دولة الاحتلال" أو على الأقل، لأرقام ونسب من أصبح يرى عودته للعيش في غلاف غزّة أو في شمال فلسطين المحتلة مستحيلة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024