آراء وتحليلات
الكيان يستغلّ "الطوفان" لتحقيق أهدافه في الضفة الغربية
تخطت الحرب على غزّة المئتي يوم، ولكن لا يمكننا القول إن هناك تغييرًا كبيرًا في ما يتعلق بأهداف العدوّ الصهيوني وعملياته، وهي تعتمد على الدمار والقصف وارتكاب المجازر ومحاولات التقدم؛ ثمّ التقهقر والانسحاب. وما يرتكبه الصهيوني له هدف وحيد هو إثارة الرعب والخوف بين الفلسطينيين. سيناريو التهجير ليس جديدًا بحد ذاته، ولكن خلال الحرب على غزّة، شدّد الكيان من إحكام طوقه على الضفّة بطريقة ممنهجة، يمكن قراءتها من خلال أسلوب عمله والانتشار الواسع لجيش العدو، والأهم، الاستهداف المتنقل اليومي للمخيمات. وكأن هذا التصعيد يهدف إلى تهجير الفلسطينيين عبر خلق ظروف الرعب التي سادت في نكبة العام 1948. فمنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 حتى السابع والعشرين من آذار / مارس 2024، وصل عدد الشهداء في الضفّة الغربية إلى 453 شهيدًا و4750 جريحًا. وأشار نادي الأسير الفلسطيني إلى أن عدد الفلسطينيين المعتقلين ارتفع إلى أكثر من 7820 معتقلًا.
يشكّل المكوّن الشعبي لسكان المخيمات خطرًا داهمًا على الكيان الذي يسعى جاهدًا لتفريغ الضفّة، حتّى قبل عملية "طوفان الأقصى". ففي قراءة بسيطة؛ يمكننا معرفة أن مخيم شعفاط، والذي يقع في القدس المحتلة، سكانه نازحون من اللد والرملة ويافا والقدس والقرى المحيطة بهم؛ وأن سكان مخيم جنين هم نازحون من الكرمل وجبال الكرمل في حيفا؛ وأن سكان مخيم جباليا من سمسم وأسدود ويافا واللد ونعليا والمجدل. وجميعها مدن أو قرى تحيط بيافا، أو ما بات يعرف بـ"تل أبيب" العاصمة الاقتصادية والثقافية للكيان. ومعظم سكان المدينة هم من أثرياء اليهود الألمان الذين جاؤوا إليها في العام 1936، خلال الاحتلال البريطاني. بعد العام 1950 انتقل مركز الكيان إلى القدس الغربية المحتلة، وخلال هذه المرحلة ابتدأت هجرة أغنياء وعمال اليهود الروس إلى "تل أبيب"، وتوسّعت لتضم مدينة يافا؛ حيث فرض على عرب يافا؛ والذين بقوا بعد المجزرة التي حلت بهم قبل يومين من إعلان قيام كيان الاحتلال، السكن في غيتوهات منعزلة. هذا الكلام معناه أن هذه المخيمات بأهلها الذين ما يزالون يحملون مفاتيح بيوتهم يشكّلون خطرًا كبيرًا.
انطلاقًا من مبدأ العلاقة المتلازمة بين الحركة الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية، فكلاهما تؤمنان بإقامة الدولة اليهودية الآمنة، لم يعد خافيًا على أحد أن السبب الرئيس وراء عملية التهجير هو النية الصهيونية والأميركية، على حد سواءـ بإعلان يهودية الدولة. وقد ثبت مع قدوم الرئيس الأميركي جو بايدن "الديمقراطي" إلى السلطة أن الديمقراطيين، وعلى الرغم من إدعائهم دعم إقامة دولة فلسطينية إلى جانب اليهودية، يكذبون. فهذا الكلام لم يصمد أمام دعوة الجزائر، في شهر آذار/ مارس الماضي، من أجل التصويت على عضوية فلسطين الدائمة في مجلس الأمن. الديمقراطيون كما الجمهوريون ليسوا جادين في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، والضفّة الغربية هي أهم المناطق التاريخية بحسب ادّعاءات التلمود، وبالتالي يجب تفريغها. وهي مركز تجمع وانطلاق حركات المقاومة الفلسطينية، والتي لا قدرة للصهاينة السيطرة عليها، إلا عبر الإبادة الجماعية فيها. وهنا علينا أن نتذكر أن الضفّة الغربية بالنسبة إلى اليهودية بالذات هي التي يقوم عليها أساس الكيان.
قامت مملكتا يهودا والسامرة في الضفّة الغربية، وليس في القدس أو أي مكان آخر في فلسطين. وتاليًا؛ الضفّة تمثل- بحسب ادّعاءاتهم- أساس أرض الميعاد. ويبدو أن ما يقوم به الكيان في الضفّة يقع ضمن إطار عملية استباقية، يحاول فيها حصار أي انتفاضة حقيقة قد تبدأ في الضفّة من جديد. وما يقلق ويزيد تأزم الأوضاع في الضفّة الغربية هو حجم تسليح المستوطنين المستعمرين المتدينين، والذين لا يتوانون عن قتل الفلسطينيين في البيوت وفي الشوارع وتحت حماية جيشهم، بهدف نشر الرعب والقلق، ليفقد الفلسطينيون الأمان. ولكن اليوم ليس العام 1948، يعي الشعب الفلسطيني ما يحدث، وهو مستعد لتلقي قصف الطائرات بجسده العاري على أن يغادر فلسطين أو المخيمات تحديدًا.
منذ بضع سنوات؛ بدأ الاحتلال في إخلاء المنطقة ما بين الخليل وطولكرم من خلال التأسيس لمستوطنات "مؤقتة"، تتألف من بيوت مسبقة الصنع، وذلك بحسب ما قالته سيدة فلسطينية، في حديث خاص لموقع "العهد"، والتي حضرت إلى بيروت من رام الله لحضور مؤتمر في العام 2022. ما قالته كان خطيرًا وينذر بمخطّط صهيوني يهدف إلى احتلال المناطق الزراعية ما بين المدينتين، ومنع وصول الفلسطينيين إلى ما تبقى من كرومهم. وهذا التشريع الصهيوني لاحتلال مناطق الضفّة، وخاصة تلك التي تقع تحت إدارة السلطة الفلسطينية، وصل أوجه في العام 2022 بعد وصل بنيامين نتنياهو إلى السلطة من جديد. والتهديد بضم الضفّة الغربية ليس بالأمر الجديد، ففي 23 أيار/ مايو 2020 خرج المتظاهرون في أريحا في أكبر مظاهرة سلمية حشدت لها السلطة الفلسطينية يومها الدبلوماسية الدولية ضدّ قرار ضم غور الأردن ضمن خطة دونالد ترامب.
السياسة الأميركية لدعم الاستيطان ليست جديدة، ولكن الكيان اليوم يستغل انشغال العالم بما يحدث في غزّة لينفذ مخطّطه في الضفّة الغربية. وهو ما يجب التنبه إليه بشكل كبير في هذه اللحظة التاريخية. ويجب اتّخاذ المزيد من الخطوات لحماية الضفّة الغربية وتحصينها، إضافة إلى حثّ الشباب الأردني من أجل الضغط على حكومته بالدفع نحو تهديد الكيان بإغلاق المعبر الوحيد المتبقي لمرور البضائع إليه، ووقف استخدام الأردن جدارًا لحماية خلفية له. وإدخال المزيد من الدول العربية ضمن الخيار المقاوم، وخاصة تلك التي باتت مستهدفة بعملية التهجير، وهي مصر والأردن.
كما يمكن بدء حملات إعلامية واسعة عن دور المستعمرين الصهاينة المسلحين، والذين يهدّدون الفلسطينيين أصحاب الأرض في بيوتهم، ويقومون بحرق أشجار الزيتون والمزروعات وسرقة الماشية يوميًا، على وسائل التواصل الاجتماعي بجميع لغات العالم، واستقطاب المزيد من اليهود المناوئين للكيان من أجل توضيح ما يحدث في الضفّة من عمليات تطهير عرقي، كما يجرى تمامًا في غزّة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024