طوفان الأقصى
حسابات "طوفان الأقصى" في ذكرى أيار 2000
نحن على أعتاب إطلالة أيار/ مايو شهر النصر العربي الأول، الكامل البكر المدوي. هذا الانتصار المبهر الذي أعاد لنا كأمّة الثقة بنفسها، وكان على الدوام رغم كلّ جراح النكبات التالية العديدة يقول بوضوح وصدق إن المستقبل سيولد من هذا الطريق، طريق المقاومة.
الخط الجهادي للأمة كلها منذ أيار 2000 كان يمضي تحت راية "ولّى زمن الهزائم". كانت السواعد المؤمنة تعزيزات مدد تضاف إلى حيوية التجربة الجهادية وإمكانياتها وإرادتها، وأن حزب الله ومحور المقاومة بعد أيار حصّل وجمّع مكتسبات مادية بموازاة العمل المستمر على الأرض، وللأمام، خصوصًا في مجالات التعلم والابتكار وتصنيع السلاح وحيازته، مع كلّ تطوّر وتعقيدات التكنولوجيا، وبثقة لا تزال قادرة على إثارة الدهشة، كانت تحول العوائق أمامها إلى موارد وإمكانيات وفرص لمواجهة العدو، وهو ما منحنا اللحظة الحالية، لحظة "طوفان الأقصى" التي كانت منذ بزوغها نصرًا، وفي لحظة اندلاعها نقلة استراتيجية وضخمة إلى الأمام.
هكذا هي لحظات التاريخ الكبرى، تستلهم من الأحداث والقوى الفاعلة، ثمّ يتفاعل هذا المزيج بالإرادة والوعي حتّى يصل إلى لحظة الذروة. ليس غريبًا أن الحرب في غزّة باتت إلى جانب أنها صراع مسلح موقعة اختبار ضمير عالمي، أيقظ البعض في القارات البعيدة، وفي عقر دار الشيطان الأميركي ذاته، ومنح زخمًا لفكرة الحق العربي والحق الفلسطيني تسندها البندقية وتقاتل في ظلها، ومثّل أكبر ضربة وجهت لكيان العدو، حتّى اليوم، إذ خسر فيها قوته وصورته، وربما خسر إرادة القتال بحد ذاتها.
السعيد: مأزق تاريخي
يقول الدكتور مصطفى السعيد، السياسي والكاتب المصري، في تصريحات لموقع "العهد"، أن تراجع الكيان عن كلّ الخطوط الحمراء في ما يخص صفقة تفاوض مع المقاومة الفلسطينية، بما فيه رفض وقف إطلاق النار، يعود إلى مأزق معقّد يواجه العدوّ على عدة مستويات، ومن عدة جبهات، أولها أن اجتياح جيش العدوّ لرفح سيتحول إلى قنبلة تنفجر في كلّ اتّجاه، مع الوضع في الاعتبار أن هذا الاجتياج لن يتم في أيام أو أسابيع، بل ربما يمتد لأشهر عدة.
وأضاف السعيد أن القتال الصعب المتوقع في رفح، مع الجزم بوقوع مجازر هائلة، لن يستطيع جيش العدوّ التقدم من دونها في هذه البقعة التي تفيض بسكانها ولاجئيها، ستصحبه موجة جديدة من المظاهرات والاحتجاجات الغاضبة تمتد إلى معظم جامعات أميركا وأوروبا والعالم، وستتحول إلى حالة ثورية، لا يمكن التنبؤ بكيفية انتهائها، وستؤدي إلى اضطرابات خطيرة مع ارتكاب المذابح في رفح، كما أن جيش العدوّ منهك، ولا يرى أملًا في القضاء على الفصائل الفلسطينية أو إخراج الأسرى، والأخطر أن قرارات منتظرة بتوجيه اتهامات جنائية دولية لنتنياهو ووزراء العدوّ ستكون لطمة خطيرة، للكيان وأميركا على السواء.
وعن الجبهة الشمالية، قال إن حكومة العدوّ عاجزة عن إيقاف الضربات الموجعة القادمة من حزب الله، مع فشل المبعوثين من أميركا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي في إيقافها سواء بغواية الترغيب أو وعيد التهديد، وجبهات الإسناد جعلت من فكرة كسب الحرب للصهاينة هدفًا أبعد من الخيال، بل ومكلفًا ومدمرًا لاقتصاد الكيان وعمق الأزمات المركبة للنازحين داخلها من مستوطني الشمال، وزيادة معدلات الفرار خارجها، وختامًا: المجد والفخر لكل من شارك في هذه الملحمة الإنسانية النبيلة.
عبد الهادي: بيت العنكبوت
وحول خسائر الكيان الاقتصادية، المعلنة حتّى الآن فقط من عملية "طوفان الأقصى" قال الباحث الاقتصادي مجدي عبد الهادي، في تصريحات لموقع "العهد"، إن الخسائر الاقتصادية التي تحمّلها كيان العدو بسبب الحرب مع غزّة بلغت طبقًا لتصريحات رسمية منسوبة لـ شاي أهارونوفيتش مدير مصلحة الضرائب الصهيونية 6 أضعاف نظيرتها التي نتجت عن حرب تموز مع حزب الله في 2006، مع الوضع في الاعتبار الدعم الاقتصادي والعسكري الأميركي والأوروبي المستمر على هيئة منح مالية وصفقات أسلحة مجانية، وهذه الخسائر مقدرة بصراع صغير محدود، لا يشمل توسعًا للنار في الجبهة الشمالية مع حزب الله، أو صراع عسكري أوسع مع فصائل مقاومة في العراق وسورية، أو تدخل أثقل في المعارك من جهة أنصار الله في اليمن، بمعنى آخر دون أن ندخل عتبة حرب واسعة بالمقاييس المعروفة.
وبالنسبة للأرقام الرسمية، فإنها تشير إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي الصهيوني خلال الربع من عام 2023، ارتفاعًا من التقديرات السابقة بنحو 11%، والتوقّعات اللاحقة الأسوأ بمقدار 19.4%، إلى تقدير أسوأ من الاثنين بمقدار 20.7%، وهذا الانخفاض بمعدل نمو الناتج الإجمالي، الذي وصفته "كابيتال إيكونوميكس" البحثية بأحد أدنى معدلات النموّ بكامل تاريخ الكيان، يمثّل صدمة لجميع الجهات المعنية باتساع الفجوة بين تصوّراتهم عن الكيان وحقيقة واقعه.
الخسائر والاضطرابات السريعة نسبيًا مقارنة مع وتيرة الصراع العسكري وحدوده، والفارق الهائل في حجم القوّة العسكرية بين الكيان وبين فصائل المقاومة، تمنح العقل دلالة واضحة على مدى الهشاشة الكامنة في الوضع الصهيوني بشكل عام، وعدم قدرته على الصمود العميق طويل الأجل في مواجهة صدامات عسكرية بمقاييس الدول.
ويضيف عبد الهادي: الأكثر دلالة وأهمية هو تجاوز الآثار لكل التوقّعات، على الأقل على صعيد المؤشرات الاقتصادية الأساسية المُعلنة، رغم ما يعرفه الصهاينة أنفسهم من تجميل الحكومة – الذي له سوابقه - بالبيانات وتزييف الأرقام، ورغم تحيّز المؤسسات الدولية، بما يعني أن الأوضاع الحقيقية قد تكون أسوأ حتّى مما وصلنا حتّى تاريخه.
ويوضح عبد الهادي أن التأثيرات ضربت أهم القطاعات في الاقتصاد الصهيوني، وهو قطاع التكنولوجيا الفائقة شديد الأهمية للاقتصاد الصهيوني، والذي حقّق به العدوّ طفرة ضخمة عبر الثلاثة عقود الماضية، ليصبح القطاع الأكثر إنتاجية والأعلى تصديرًا في الاقتصاد، قد شهد موجة هروب هائلة، فمن بين نحو 300 مستثمر نشط عام 2021، كان هناك 251 عام 2022، ولم يبق منهم سوى 61 فقط عام 2023، بانخفاض 80% تقريبًا خلال عامين لا أكثر، وفي النهاية فإن الصورة الكاملة لما حدث في كيان العدو، سواء على صعيد الاقتصاد أو الصراع المسلح الذي لم يتمكّن العدوّ من حسمه أو إنهائه، هي أن العدوّ ليس بصورة القلعة العالية المنيعة، كما يحاول تصدير صورته، وسبب استمراره وتغوّله ليس قوته الذاتية التي يحاول تضخيمها، بل الهوان العربي والإسلامي بالأصل، والذي لا يقل حيوية وتأثيرًا عن الدعم الغربي.