خاص العهد
انطفاء وهج تحرّكات جامعات فرنسا: ماكرون والأوليغارشية يُحبطان التمرّد ضد كيان العدو
لا يزال وقع وصدى التحركات الطلابية الداعمة لقطاع غزة في الجامعات الأميركية ينتشر في أنحاء العالم، ويترك أثره ووقعه على الرأي العام الأميركي، كما أن جامعات غربية لحقت بهذه التحركات، ومنها جامعات فرنسا.
ورغم ما تدّعيه باريس من دفاع عن الحريّات، فإنّ الحراك الطلابيّ الفرنسيّ المناهض للإبادة الجماعية التي يرتكبها كيان الاحتلال في قطاع غزة لم يجد الأرضية ولا البيئة التي تساهم في خلق حركة واسعة تؤثر على السلطات المحليّة.
وللاطلاع على عوامل انطفاء وهج حراك جامعات فرنسا، تواصل موقع العهد الإخباري مع الباحث اللبناني فيصل جلول الذي شرح التركيبة السياسية في فرنسا وكيفية مساهمتها في عدم نجاح هذه التحركات بشكل واسع.
وأوضح جلول في هذا الصدد أنَّ البيئة السياسية في فرنسا غير مناسبة لتمرّد طلابيّ موجّه ضد حليف تاريخي لفرنسا هي "إسرائيل"، إلّا بشكل محدود عبر حزب "فرنسا الأبية" اليساري، مشيرًا إلى أنَّ "في فرنسا اليوم تياراً أوليغارشيّاً يقوده الرئيس الفرنسي إيماونيل ماكرون أو تيار يمينيّ متطرّف لديه أكثر من وجه".
وفسّر أنّ "هناك أمرًا ما يحصل في فرنسا منذ تولّي ماكرون الحكم، وهو أمر يتكرر في عدّة مناسبات، فقد تكرر مع حركة السترات الصفراء (التي انطلقت عام 2018 للمطالبة برفع مستوى المعيشة) حيث كان القمع هو العلاج لهذه الظاهرة رغم أن المطالب كانت مشروعة، وتمكّن بواسطة القمع من قهر هذه الحركة، كما جرى قهر حركة المتعاقدين (عام 2023) الذين وقفوا ضد قانون التقاعد (حول رفع الحد الأدنى لسن التقاعد)، وجرى قهرهم أيضًا بالبرلمان"، لافتًا إلى أنّ "هذا الأمر تكرّر مع مظاهرات طلابية من قبل، وأيضًا اليوم مع المظاهرات المنددة بالإبادة الجماعية في غزة وذلك يجري بواسطة تواطؤ إعلاميّ كبير".
وعن دور الإعلام، قال جلول إنّ الإعلام في فرنسا يمتلكه مليارديريون، فحتى جريدة اليسار "لو باريزيان" اشتراها ملياردير وأصبحت في عهدته وانتهى اليسار فيها. وهناك موقع أو اثنان ضمن اليسار لكنهما معزولان ولا يشكلان ثقلًا بالتوازن الإعلامي الذي هو بِيَد الأوليغارشية التي يمثّلها الرئيس الفرنسي".
وفي الحديث عن واقع الجامعات، ذكر الباحث فيصل جلول لموقع العهد، أنَّ "جامعة سوربون في باريس (التي شهدت تحركات داعمة لغزة) عندما نشأت كانت تُمارس الرقابة على المطبوعات وكان هذا دورها، ولاحقًا انكسر هذا الدور وأصبحت منبرًا فرنسيًا عالميًا للحريّات والتفكير، إلّا أنّها الآن تعود إلى مكان لا يُمكنك أن تمارس فيه حرية تعبير ولا يُمكن القول إن هناك إبادة جماعية في غزة، لأن ذلك لا يُناسب الأوليغارشية".
وشدد جلول على أنّ "إسرائيل" ليست حليفًا بسيطًا لفرنسا، فـ"اليوم حين تقول عن حماس حركة مقاومة تسجن 3 سنوات. نحن أمام دولة تغيّر التوازن السياسي فيها والقضية الفلسطينية يتحدث عنها بقايا اليسار ومن يحترم حرية التعبير"، لافتًا إلى أنّ "النظام الذي يقوده الرئيس ماكرون لا يوجد فيه معارضة تُهدّده ولا يوجد لديه أكثرية نيابية لكن ما زال يمكنه أن يحكُم".
وقال: "في فرنسا لا نتفاجأ حين تقمع الشرطة احتجاجًا في جامعة سوربون. هذا تراجع كبير في حرية التعبير وهذه إطاحة بكل المكتسبات التي تحققت منذ نهاية الحرب العلمية الثانية لليوم في قضايا حقوقية كثيرة"، مضيفًا: "في هذه الخريطة التي تحدثنا عنها، لا يوجد أي مكان للحديث عن إبادة جماعية تنفذها "إسرائيل"، فما زالت هناك تظاهرات لكن وسائل الإعلام تهمشها".
وفي مقارنة بين تحركات الطلاب في الجامعات الأميركية والفرنسية، رأى جلول أنَّ "في أميركا هامش مناورة أكبر من فرنسا، فهناك شيء من الليبرالية في أميركا والناس تدافع عنها، والحركة الطلابية لها أثر أكبر"، موضحًا أنَّ "هناك تأثّرًا بالحركة التي بدأت في أميركا"، كاشفًا أنَّ "الحركة في الشارع الفرنسي أكبر من الجامعات، التظاهرات مستمرة في الشوارع والمدن، والجامعات تحرّكت مؤخرًا"، لافتًا إلى أنَّ "جامعات فرنسا تراجعت بشكل كبير عالميًا وتراجعها يُسهّل ضبطها (من قبل النظام)".
وأكّد جلول أنّ "المظاهرات تبقى في فرنسا عبر ما يقوم به حزب "فرنسا الأبية". الاعتصامات مستمرة لكن ليست بالحجم والصدى الموجود في أميركا. فالإعلام لا يتكلم عنها وإن تكلم عنها فذلك لتهميشها، حيث يقول إنّها لا تمثل الأكثريّة، ناهيك عن المثقفين الكبار الذين يلعبون نفس الدور".
وعن اختلاف بعض مواقف فرنسا الخارجية حيال الحرب على غزة، أوضح جلول أنَّ "خطاب فرنسا لم يتغير كثيرًا تجاه "إسرائيل". هناك تغيّر تكتيكي فقط، حيث لم تكن فرنسا بصف أميركا في مجلس الأمن، مرجعًا ذلك إلى أنه "يوجد إرث ديغولي كبير وإرث اشتراكي كبير داخل فرنسا، أيضًا لدى باريس مصالح في الخارج، فحين تتبع أميركا لن يراهن أحد عليها، وهم يحاولون قدر الإمكان أن يخلقوا مسافة شكلية بينهم وبين "إسرائيل"، بحيث يبدون وكأنهم ينأون عنها، ولكن واقعاً هم حريصون على تحالفهم معها".