نقاط على الحروف
مؤتمر وادي الحجير.. عن أرضنا والهويّة
في مثل هذا اليوم قبل مئة وأربعة أعوام، شهد وادي الحجير، وادي المقاومة، مؤتمرًا جمع أعيان ومقاومي جبل عامل بدعوة من السيّد عبد الحسين شرف الدين، وبحضور ثوّار جبل عامل الذين أرّقوا الاحتلال الفرنسي، ومنهم أدهم خنجر وصادق الفاعور. وكان قد اُختير الوادي تحديدًا لصعوبة وصول الفرنسيين إليه وتحاشيهم دخوله كونه يشكّل المسكن والمكمن للثوّار الذين كانوا ينفذون العمليات العسكرية ضدّهم، والذين صنعوا التحرير آنذاك.
افتتح السيّد شرف الدين المؤتمر بخطاب هو برنامج عمل للمقاومة وضوابطه، وحدّد أهداف المؤتمر بمجابهة الاحتلال ورفض تقسيم الوطن العربي الذي نصّت عليه اتفاقية سايكس - بيكو. وفي ما كان الاستعمار، كما هو الآن، يحكم بلادنا على قاعدة "فرّق تسد"، كان مؤتمر وادي المقاومة يدعو إلى مجابهة هذه السياسة بنبذ الطائفية والتفرقة، وكما قال السيد شرف الدين مخاطبًا الحضور العامليّ والبقاعيّ: "بذلك تحبطون المؤامرة، وتخمدون الفتنة"، ومن أبرز ردود فعل الاحتلال على المؤتمر- يومها- كان تسليح بعض سكّان بلدة عين إبل ودفعهم إلى الاشتباك مع الثوّار تحت شعارات طائفية.
تلك الظروف التي عُقد خلالها مؤتمر وادي الحجير هي التي جعلت منه محطة تاريخية تفصل بين قبل وبعد، والحديث عنها الآن هو تذكير بنقطتين مهمّتين:
أولًا- لم تتبدّل سياسة الاستعمار في منطقتنا: فرّق تسد، حرّض فئة ضدّ أخرى، ثمّ استخدمها لتقاتل بها أهل الأرض، بعد أن تقوم بتغريبهم وبعزلهم وبتصويرهم وكأنّهم عصابات مارقة وليسوا أبناء ترابهم هذا.. ولعلّ فريق الأدوات الأميركية في البلد اليوم هو الامتداد الطبيعي لفريق خدّام الاحتلال الفرنسي آنذاك، ودعاة التقسيم هم أنفسهم الذين استشرسوا في رفض أي وحدة عربية، وكانوا "ملكيين أكثر من الملك" في المسعى لتطبيق سايكس - بيكو. تمامًا كما هم الآن في سعيهم المتجدّد لتقسيم جديد بعد أن أدرك أسيادهم أن حدود سايكس - بيكو تهاوت وأنّ المقاومة تجاوزتها ولم تعترف بها، تمامًا كما لم يعترف بها ثوار جبل عامل واشتبكوا مع صانعيها حتّى آخر طلقة.
ثانيًا- يتمحور الخطاب الإعلاميّ والسياسي المعادي اليوم حول تصوير ثقافة المقاومة بكلّ تفاصيلها ورموزها على أنّها حالٌ "غريبة" على جبل عامل، وجماعة ذات هويّة مستوردة وغير مرتبطة بالأرض وبتاريخها. ومن أبرز الأضاليل التي يطرحونها في هذا السياق هو "الاحتلال الإيراني"؛ حيث يسوّقون لكذبة أنّ المقاومة هي تعبير عمّا يريده "احتلال" وهي الخضوع والانبطاح وهي الأصالة وعادة أهل الأرض. ولعلّ من تردًدات مؤتمر وادي الحجير أنّه، وبعد ١٠٤ أعوام على انعقاده، يقوم بتكذيب الرواية التضليلية هذه، ويثبت أنّ هويّة الأرض وفطرة أهلها هي المقاومة.
مرّت الأعوام، والتاريخ الذي كتبه الاستعمار على هواه، وغُيّبت عن عناوينه أسماء وأحداث غيّرت مجراه وأفشلت خططه، يحدّث بنفسه، دونما حاجة إلى اعتراف رسميّ أو دوليّ، عن رجاله، عن مقاوميه، عن هويّته المخضّبة بدم الذين افتدوه، عن حكايات وادي الحجير وكلّ القرى العامليّة، عن أرض منذ أن سُكنت عصيّة على الاحتلال والتفرقة، عن أهل كلّما قسى الزمان عليهم تشبّثوا بترابهم أكثر.. عن مقاومة هي فطرة عامل، وعادة عامل، وشرف عامل، مهما تراكمت أضاليل المحتلّ وأدواته..
شمس مؤتمر وادي الحجير تضيء، اليوم، على جبل عامل كله، وتخبرنا دونما حاجة للقول، إنّ أهل المقاومة ليسوا بحاجة لإثبات هويّتهم لأحد، ولا لنيل موافقات من أحد على أحقّيتهم بالدفاع عن أرضهم، عن أصالة انتمائهم.. هم كأرضهم بالضبط: يعيشون فيها شرفاء أعزّاء مقاومين، لأنها أرض شريفة عزيزة مقاومة..
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
12/11/2024
جونسون بعد شيا: وكر الشرّ لا يهدأ
09/11/2024
أمستردام وتتويج سقوط "الهسبرة" الصهيونية
08/11/2024
عقدة "بيت العنكبوت" تطارد نتنياهو
07/11/2024