معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

الكيان أصبح خارج المستقبل
17/04/2024

الكيان أصبح خارج المستقبل

لا أحد من متصهيني الضاد يستعجل الكيان المؤقت بالردّ على الصفعة الإيرانية، ليلة الرابع عشر من نيسان/إبريل. ولا أحد منهم يعتقد أنّ ردّ الكيان إن وقع سيكون مسرحية؛ بل يعتقدون جزمًا أنّ ردّ الكيان جادٌ صارمٌ موجعٌ وحقيقي، مع أنّه لا يستقيم إلّا أن يكون مسرحية، طالما هم على قناعة بمسرحية الردّ الإيراني، فإمّا أن يكون كلا الردّين مسرحية، أو يكون كلاهما حقيقيًا، ولهم حرية الاختيار.

لكن يبدو أنّ السحر بالفعل انقلب على الساحر، فهؤلاء المتصهينون ومن يحتنكون خلفهم من قطعانٍ بلا أدمغة، والذين تسخّرهم آلة الدعاية الصهيونية لخدمتها وتفتيت الإجماع العربي على عدائية الكيان وعدوانيته وتضليل العالم العربي والسطو على وعيه الجمعي، قاموا بتضليل المؤسسة الأمنية"الإسرائيلية" من حيث لا تحتسب ومن حيث لا يشعرون، فهي قدمت تقديرًا خاطئًا للموقف عن ردّ فعل إيران، ويبدو أنّها اعتمدت على آراء هؤلاء، وكانت على قناعةٍ بتلفيقاتهم وهلوساتهم ورذالاتهم، ورأت إيران من خلال عيونهم، فكان تقييمها لردّ الفعل الإيراني كارثيًا.

لقد اعتقدت المؤسسة الأمنية الصهيونية أنّ إيران لن تقوم بأيّ ردّ فعلٍ على استهداف قنصليتها في دمشق. وهذا ليس من الأخطاء الاعتيادية أو القابلة للغفران أو حتّى للاستدراك؛ لأنّه الخطأ الذي منح إيران مكسبًا استراتيجيًا هائلًا مقابل مأزق استراتيجي قاتل للكيان، حيث أصبحت إيران قوة إقليمية عظمى، أو بالأحرى رسخت كونها كذلك، وباتت هي القوّة الأكثر ردعًا في الإقليم، في ما جاء الكيان ليرمم صورة ردعه بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فزادها تهشيمًا بعد الخطأ في تقييم ردّ الفعل الإيراني.

إنّ الإعلام الإسرائيلي حافلٌ بالندب والعويل بعد الصفعة الإيرانية، كما أنّه حافل بالوعيد والتهديد، والحقيقة أنّ الكيان في زاويةٍ شديدة الحرج بالغة الضيق. إذ إنّ عدم الردّ يعني انهيارًا مزمنًا للردع، أمّا الردّ في عمق الأراضي الإيرانية، يعني مغامرة بحربٍ شاملة، نعرف كيف بدأت ولا أحد يعرف كيف تنتهي. وأمّا الردّ المحدود فيعني ترسيخ ارتداع الكيان من ناحية، وعدم ضمان حدود الردّ الإيراني وطبيعته من ناحية أخرى. كذلك الردّ خارج حدود إيران، يعني تكريسًا للواقع المستجد في المنطقة، أنّ إيران هي القوّة الأولى في الإقليم، حتّى لو لم تردّ على هذا الاستهداف خارج حدودها.

نتنياهو منذ نعومة أظافره السياسية وهو يتوعد إيران بالملاحقة والقصف والتدمير، ويقيم كلّ برامجه السياسية على العداء لإيران، وأنّه البطل اليهودي الذي يحمي اليهود من البعبع الإيراني، ثمّ فجأة يرتكب حماقة تجعله وجهًا لوجه أمام البعبع وعند بابه.. فإذا به يرتعش ويتلعثم ويحتاج لكل أصدقائه وحلفائه ومشغّليه ليستطيع الاحتماء من الصفعات المتلاحقة، والتي قُدرت بثلاثمئة صاروخٍ ومسيّرة، واكتشف اليهود أنّ حاميهم ليس سوى مدّعٍ كذوبٍ رعديد، ما بزال متردّدًا مرتبكًا في كيفية التخلص من الإهانات العلنية، والأهم دونما ارتكاب حماقاتٍ جديدة.

هذا العدوّ الواهن، الذي فقد عقله قبل أن يفقد ردعه، كان بحاجةٍ للاستنجاد بالأردن لحمايته، والأردن كان من ضمن ثلاث دول هزمها الكيان في ست ساعات في العام 1967، ومع أنّ أكثر من خمس دولٍ شاركت في التصدي للهجوم الإيراني، إلّا أنّ الصواريخ الإيرانية وصلت أهدافها بدقة.

كما أنّ هذا العدوّ الذي زجّ في خان يونس من قواته أكثر ممّا زج في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، فلم يستطع إنجاز أيّ مهامٍ معلنة على مدى أربعة أشهر من الاجتياح البري. وهو الذي تردّد في فتح معركة رفح وما بزال يتردّد، ولا يستطيع تحرير شماله من قبضة حزب الله الذي يسيطر ناريًا على مستوطناته الشمالية. هذا العدوّ المتهالك إلّا من آلة القتل والطبيعة العدوانية والجرمية، يريد التطاول على طهران التي لا تقارن بخان يونس ورفح والضاحية، لا على مستوى المساحة ولا القدرات التسليحية والعديد البشري.

وهناك من يحاول تصوير الأمر على شكل نكتة، بالرغم من صرامة ملامحهم في أثناء الطرح، حيث يرون أنّ الكيان بين خيارين، إمّا الذهاب إلى رفح أو الذهاب إلى طهران، وهذا كأن تتساءل هل النخلة أطول أم البحر أوسع؟

إنّ الكيان المؤقت دخل فعليًا مرحلة فقدان دوره الوظيفي، فقد أصبح بحاجة للحماية، والأمر بالنسبة إليه ولداعميه شديد التعقيد، فلا خيارات آمنة، ولا يوجد أمامه سوى ابتلاع الإهانة أو الذهاب لمغامرةٍ بالوجود "الإسرائيلي" برمته، من خلال إشعال حربٍ إقليمية. ولا يستطيع العدوّ حتّى اللحظة تقدير ردّ فعل إيران مهما كان ردّه منخفض السقف ومهما كان بعيدًا عن خطوط إيران الحمراء أو خارج الجغرافيا الإيرانية، ولكن الخلاصة هي أنّ الكيان المؤقت أصبح خارج المستقبل ومجرد عَرَضٍ من الماضي.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف