معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

أبو مهدي زاهدي: نبض الأحرار وعتبة الطوفان الجديدة على طريق النصر
13/04/2024

أبو مهدي زاهدي: نبض الأحرار وعتبة الطوفان الجديدة على طريق النصر

وقّعت "إسرائيل" حماقتها عبر "سلاح الجو" بتدوينها الغادر على سجل انتهاكاتها السطرَ الأهم من سردية هزيمتها المتجدّدة في مواجهة حركات المقاومة في إثر عملية طوفان الأقصى وما استتبعها من حرب الغرب وأغلب الشرق على غزّة.

سطرٌ، كَسَرَ القواعد ورسمَ فاصلةَ التصعيد في وتيرة الصراع وسياقه، باغتيالها قائد قوّة القدس في لبنان وسورية الشهيد محمد رضا زاهدي (أبو مهدي) في الأوّل من نيسان/أبريل 2024م. 

زاهدي حارس الثورة والمقاومة

 يمكن إضفاء لقب "حارس الثورة والمقاومة" على هذا الرجل الذي نما في ميادين الجهاد قائدًا أفرزه الميدان، متحمّلًا مسؤولياته الكبيرة مبكّرًا، عمادًا من أعمدة الثورة والدولة الإسلامية في إيران، ثمّ قائدًا ومستشارًا كبيرًا،أمضى14 عامًا مع حزب الله على مراحل (1998-2002، 2008-2014، 2020-2024)؛ مشاركًا في بلوغ المقاومة الإسلاميّة "مرحلةَ الذروة" في تقوية اقتدارها وردعها. وقد حظي بإجماع قيادتها على عودته إلى لبنان والمنطقة لا سيّما في المحطّة الأخيرة في إثر استشهاد الحاج قاسم سليماني، حتّى غدا مساهمًا في "بناء جبهة المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني على مدار سنوات طويلة"، ومشهودًا له في الحلقة العميقة داخل حركة حماس "دوره البارز في معركة طوفان الأقصى".

لقد استأثرت غزّة بقلبه وعقله، منذ اليوم الأوّل لـطوفان الأقصى، فأصرّ على التواجد جنوبًا بين المقاومين عند الحافّة الأماميّة، لكن قرار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حال دون ذلك، حرصًا منه على أمنه ودوره في الأماكن الأنسب لخدمة التحدّيات والتطوّرات وديناميّات الموقف الجديدة.

إنّما تبقى للغة الروح عند زاهدي حكاية أخرى، استقرّت في بريق عينيه أشواقه للشهادة، فإذا بها تسلس له قيادها، تأتيه طائعةً كَلَيْلَة قدْرٍ قُبيْل كُبراها وكأنّه توسّطها عناقه واعتناقه عند (غريب طوس)، كانفراج ساحر لغزّة، وعبور لعزّة الإسلام إيران، إلى كلّ مجسّات الألم والأمل في فلسطين، بأن لواء القدس قدّم أضحيته على صوم يحاكي به جوع أطفالها قبيل الفطر الشهيد. وقد حصدت همجية الإبادة بيد "اسرائيل" اليوميّة الغربية حتى مطلع الشهر السابع ما يقارب 100000 شهيد وجريح أغلبيتهم الساحقة من الأطفال والخدّج والنساء والشيوخ. 

ها هو حارس الثورة والمقاومة غدا نبضًا آخر للأحرار، وما سبّحةُ حياتِه إلّا صدقةُ سرٍّ مستدام، لا تبصر النور إلا شاهدًا وشهيدًا، وقامة كبرياء، ترابيّة، أنيقة المبسم، ملائكيّة الطهر، وارفة الظلال، لا تليق إلا بأهلها، فالزاهد بالدنيا تأتيه عرشًا حافلًا بكلّ أسراره مع نفسه وربّه ومسيرته وإخوانه، وبأسًا شامخًا ينال من صلف أعدائه، وتهدر به شعوب الكرامة فعلًا مقاومًا وصمودًا إعجازيًّا يُذهل ذوي الرتب العالية ومخضرمي التجارب العسكريّة.

من فقدان الصواب في غزّة إلى الاغتيال والعقاب المركّب

ظنّ "الأحمق الصهيوني الخبيث" أنه قتله، إنما شُبّه له وهو يدوس على محذورين محظورين، منتهكًا حصانة الرتبة لأعلى مستشار إيراني يُستهدف في سورية، وحصانة المكان وفقًا للأعراف الدبلوماسية باستهدافه أرضًا إيرانية في سورية.

 نشأ "الخبيث الصهيوني" في وجوده الأوّل على العدوان والتعطّش للدماء. لم يتورّع من ردع الحصانات وقد فقد صوابه في أزقّة غزّة وأنفاقها وأمام صلابة رجالها وصمود أهلها، أراد الهروب إلى الأمام، لكنّه تعثّر في حكمة الحزم توقيتًا ومكانًا، وككأس من المكر أحاق "الخبيث الصهيوني" نفسه به من حيث لم يحتسب، ليتجرّعه صفعةً مدويّة تخترق طبقات دفاعاته الصاروخيّة وإن أسعفتها القواعد العسكريّة الأميركيّة.

 صفعةٌ، تخدم راهن المواجهات الممتدّة من فلسطين إلى جبهات الإسناد، عقابًا مركّبًا، تكتيكيًّا واستراتيجيًّا، بالأصالة وبالوكالة، مباشرًا وغير مباشر، نافعًا لمستقبل الصراع، تقوده ولا تحتكره إيران، حازمًا على هدوء حاذق يحتسي لعبة الوقت، حتّى يشلّ مواطن عديدة من الكيان وأجهزته وهو يستنفرها على مدار الأيّام الثِقال، ويجتاح أدمغة جنرالات الاستكبار العالمي بمفاعيل القلق والأرق والترقّب الدقيق. 

تُستخلصُ النتيجةُ الأكيدة من سياق التجربة، أن حارس الثورة والمقاومة أورث أهل الجهاد المقدّس عتبةً جديدةً في رحلة الطوفان، التي افتتحت شهرها السابع، ليكون ما قبلها لا كما بعدها، سواء لناحية قدرة العدوّ الصهيوني على استيعاب الضربة، سواء تجرّعها في ظلّ  تناقص ردعه أو انزلق إلى ردّة الفعل في ظلّ جنونه وغرقه بمستنقع الانفعال وتفويته البدائل الاستراتيجيّة الأنجع، مما يُسرّع بسقوطه وارتطامه بعد تفكّك مستوياته الأمنيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، أو لناحية كونها مفتاحَ ردٍ آخر يتولّاه معنيون آخرون بالرد على اغتياله، إذ صحيحٌ أن إيران ستتولّى الردّ بنفسها، لكن هذا لا يعفي المعنيّين الآخرين في محور المقاومة من أن يقولوا في الميدان كلمتهم بوصفه واحدًا منهم، وأن يستنفروا لاحتمالات تدحرج الأوضاع سائر إمكانياتهم وتفعيل مختلف قدراتهم.

العقاب والأفق الاستراتيجي 

لا يمكن التنكّر إلى استراتيجيّة تطويق دائرة الحرب والسعي الحثيث وبكل الأساليب والوسائل إلى إيقافها، وأنّها القاعدة الحاكمة والمقصد الأساس من إشغال جبهات محور المقاومة في مساندة فصائل المقاومة الفلسطينيّة.

إلا أن تحصين قواعد الردع والجهوزيّة لمواكبة تطوّرات الصراع بما يخدم تحرير فلسطين هو الأفق الاستراتيجي الذي تلتزمه طهران وقوى المقاومة في غرب آسيا.

وبين هذين الحدّين (تطويق الحرب، وتفعيل قواعد الردع والجهوزية) تقع المراوحة التفاعليّة بين أطراف القتال والمؤازرة، وتأتي الصفعة الإيرانيّة للعدو الصهيوني، بوصفها ردًّا علنيًّا يستمد قيمته من كونه يرسم معادلة وقد يؤسس لأخرى، ويفسح المجال المبرَّرَ ووفق القانون الدولي لفرصة الانخراط المباشر لطهران في الدفاع عن فلسطين، وفي شرف مساهمتها العلنيّة المباشرة في إيقاف حرب غزّة أو تعديل مساراتها لصالح قوى المقاومة. إلّا أن الردّ الفعلي لا يختزله العقاب الآني وإن كان مركّبًا، إنما يكون بالأفق الاستراتيجي للصراع وما يخدمه، وهذا ما تتقنه الجمهورية الإسلاميّة في إيران.

 وبناءً عليه، تبقى للميدان كلمته، ومعه لا استقرار على تحليل ناجز، إلا تقديم خلاصة مكثّفة وافيّة: إذا كان طوفان الأقصى قد أعاد القضية إلى وعي الأمة، كابِحًا عجلة الاستسلام والتطبيع لعدد من حكّامها، فإن اغتيال زاهدي والرد الإيراني المباشر وما يستتبعه توسّعًا أو انحسارًا يضع أحرار العالم أمام مسؤولياتهم في لجم الهيمنة ومشاريعها، ويبثّ الأمل بالنصر تلو النصر، على طريق القدس وتحريرها.

*كاتب وباحث في الاجتماع السياسي

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل