نقاط على الحروف
جبهة الشمال واستراتيجية الحاج الرضوان
"حق الشهيد الحاج عماد مغنية على هذه الأمّة أن تعرفه، من أجلها لا من أجله، وحقه على الأمة أن تنصفه، من أجلها لا من أجله، وحقه على الأمة أن تستلهم روحه، ودرسه، وجهاده، من أجلها لا من أجله".
سماحة السيد حسن نصر الله.
يواجه الكيان "جبهة جديدة"، جرّب فهمها ولم ينجح سابقًا وإلى اليوم، منذ اليوم الأول الذي دخلت فيه جبهة جنوب لبنان على خط مساندة غزّة الأبية. المواجهة كانت بعنوان "الحاج رضوان"، كانت هذه الجبهة بالذات هي الجبهة التي أثمر فيها جهاد القائد عماد مغنية، واستوى على سوقه، وأينع. في اليوم ما بعد الـ 170 لعملية "طوفان الأقصى المباركة"، فكرة المجاهد العقائدي صاحب الروحية كانت هي التي تتولى إخضاع العدوّ وتأديبه وكسره، كان العماد هنا يرى جهاد عمره في لحظة القطاف، ومن الأمانة القول إن أفضل قرار اتّخذه الكيان لنفسه، منذ بداية الحرب، كان عدم التورط في الدفع لحرب مع حزب الله.
جهاد الحاج رضوان، والذي وصفه سماحة الأمين يومًا بأنه "صدقة السر" مع الله تعالى، أخرج لنا جيلًا مجاهدًا جديدًا، لا يعرف التراجع ولا ينظر خلفه، هو فقط يرفع شعار "القدس" و"هدفه واضح ومحدّد ودقيق، إزالة "إسرائيل" من الوجود، وهذه النفوس صاحبة "الروحية" التي شدد عليها الشهيد القائد لا تهزم ولا تنكسر، ولو اجتمعت عليها الدنيا.
مع الحاج رضوان، وكذلك كانت مسيرة حزب الله منذ اليوم الأول، بأن المسؤولية الأولى هي "التربية الجهادية"، مهما كان فارق العدد والعتاد، فهذا الفارق المروّع لا يستدعي دموع اليأس، المؤمن بالأساس يعي في أعمق نقطة داخل روحه أن اليأس كفر وخيانة، وأن الضغط الذي يولّده الاحتلال والاستكبار والوحشية الصهيونية يجب أن يتحول إلى طاقة صبر وطاقة عناد تستفز المواجهة ضدّه، وضد من يدعمه، كانت بوصلة الحزب منذ اليوم الأول سليمة نقية إيمانية، وأوجز عبارة قيلت عن "استراتيجية التحرير" عند الحزب، هي جملة شيخ شهداء المقاومة الإسلامية الشيخ راغب حرب: "إنّ ثقتَنا بوعدِ اللهِ أعظمُ من أن تَتزَلْزلَ، وثقَتنا بنصرِهِ أعظمُ من أن تُهدَّ".
كانت فكرة الشهيد القائد عن التربية الجهادية للفرد المسلم، خصوصًا أنه أمام عدو يقاتل عن عقيدة، ولو كانت فاسدة مشوهة، أن القتال بغير عقيدة هو تخلي عن السلاح، ومن بين الكلمات القليلة التي تركها لنا الحاج عماد، وسط إنجازات يليق بها وصف "المعجزة"، هو قوله: الإمكانات أصل، البرامج أصل، التكتيك أصل، لكن الأصل الرئيسي هو الروحية والروح، العنصر المادي هو عنصر مساعد ومكوّن للجانب الروحي، وهو یساعد المحور الذی هو الروح، ومن دون روح العنصر المادي لا یستطیع ان یقوم بأي حرکة، الذي یقاتل فینا هي الروح.. فالروح المرتبطة بذات الباري سبحانه وتعالى هي التي تقاتل، والبدن هو العامل المسخر لهذه الروح الجهادیة وکذلك الإمکانات".
كانت فلسفة التغيير الجذري في طريقة المواجهة مع العدوّ الصهيوني، هو إعادة اكتشاف الروح الإسلامية الجهادية داخل كلّ إنسان، وبناء شخصية جديدة عمادها الأول هو الروحية والإيمان، وجود المستعمر الغربي في المنطقة العربية والإسلامية جعله يمسخ الشخصية الإنسانية للناس في المنطقة، وكان واجب التربية الجهادية الأول هو صناعة إنسانها الجديد، بروح جديدة، ونفخ فكرة العمل الجماعي الجاد الدؤوب المستمر، وزراعة وعي جديد في هذه الشخصية، وكسر فكرة الهزيمة والذلة التي اجترتها الأمة لعقود، بل ولقرون طويلة خلت، جعلت منها أشبه بأمة قتلت نفسها مرتين، كما في التعبير القرآني العبقري " فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (سورة المدثر الأيتان 19 و20) قُتلت مرة، يوم هربت من المواجهة المقدسة التي فرضت عليها، وقتلت مرة أخرى يوم خذلت القلة المجاهدة الصابرة التي واجهت.
على الجانب الآخر، كان تبني النموذج الأرقى للإنسان، ليس إنسانًا خارقًا على طريقة هوليوود، لكنّه إنسان مسلم استطاع قهر وكسر أقوى إمبراطوريات الشر عبر التاريخ، وأعاد استنساخ مواقف خالدة من ملحمة كربلاء العظيمة والملهمة، والتي ستبقى ملهمة أبد الدهر، وخلقوا في الأمة التي كانت بعيدة غافلة هذا التيار المشحون بإمكانات الانتصار وبالأمل، والأهم: الإيمان الحقيقي، الإيمان كما يجب أن يكون إيمان المسلم.
في العام 1999، أدرك "نجم" العسكرية الصهيونية اللامع وأحد أبرز سفاحيها عبر تاريخها القذر، أنه ليس في الإمكان مواجهة هذا النوع من المجاهدين، ليس في الأكاديميات العسكرية ولا في أفكار المخابرات والعمل السري ما ينفع سلاحًا للمواجهة، فامتطى بغلة الهروب في آيار من العام 2000، بعد أن أدرك أن بقاءه استنزاف لن يتحمّله، ولن يطيقه كيان العدوّ الهش بطبيعته وتكوينه المتنافر الذي يعدّ "الكيان" كله استثمارًا وليس وطنًا، هو مشروع استيطاني حقير، لن يكون في يوم دولة، مهما استمر ومهما بلغ الدعم الغربي له.
في تموز 2006، يؤتي غرس العماد أكله على المقاومة، في بنت جبيل ومارون الراس وعيتا الشعب وعيناتا ووداي الحجير، وفي مشاهد بطولية خارقة غيرها، عجز الجيش الأقوى في الشرق الأوسط عن مجاراة المقاومة على الأرض، فشل تمامًا طوال 33 يومًا في أن يحقق أي شيء، أي شيء، بالرغم من ضمان الدعم الدولي المطلق بالسلاح والمؤن والعتاد والأموال، والتغطية السياسية التي اكتملت من دول الخيانة العربية (مصر والسعودية والأردن) علنًا وبغير تحفظات، هذا كله أصبح من الماضي، سطرًا بائسًا في صفحات الخيانة، أما ما بقى لنا هي حكاية المجد التي سطرها العماد وصحبه في الجنوب، في وقت كانت الأمة أشد ما تكون احتياجًا إلى نصر، بعد فاجعة سقوط بغداد المدوية في نيسان 2003.
اليوم بدأ الحديث عن حرب في شمال فلسطين المحتلة يعلو، وتغير السؤال من هل تقع الحرب إلى متى تقع الحرب؟ الكيان لا يقبل قوة كبيرة مقتدرة قريبة منه إلى هذا الحد، والحزب مصمم على أن يكون جبهة نار ودم داعمة لغزّة حتّى إيقاف النار، في هذه اللحظة تحديدًا، وقبل أن تقع الحرب الوشيكة، فإنه على كلّ مخلص للمقاومة أن يطمئن إلى أن الشهداء "أحياء ويرزقون"، هم أحياء عند ربهم سبحانه وتعالى، وبركتهم وغرسهم الطاهر وجهادهم الصادق سيكون جنديًّا في هذه المعركة، سيكون ورقتنا الرابحة وسيفنا ودمنا في وجه هذا العدو، ثأر مغنية لن يكون قتلى من جيش العدو، ولو أفنيَ كله، ثأر مغنية هو إزالة هذا الكيان من التاريخ.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
25/11/2024
بيانات "الإعلام الحربي": العزّة الموثّقة!
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024