معركة أولي البأس

طوفان الأقصى

المعضلة الأميركية وجولة بلينكن السادسة إلى المنطقة
22/03/2024

المعضلة الأميركية وجولة بلينكن السادسة إلى المنطقة

من الصعوبة بمكان تخيّل أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل من أجل السلام، وأنها يمكن اعتبارها وسيطًا واعتمادها حكمًا في صراع يشكّل الكيان الصهيوني أحد أطرافه، ولكن ليس من الصعوبة أن يوقن الجميع بأن الولايات المتحدة في ورطة حقيقية ومأزق استراتيجي وجودي يتعلق بالهيمنة والقدرة على إدارة الصراع وفقًا للقاعدة التي وضعها هنري كيسنجر والتي تقول: "على المرء أن يتذكر أن كلّ التقدم الذي تم إحرازه نحو السلام في الشرق الأوسط كان تحت القيادة الأميركية".


وفي هذا السياق تأتي جولة بلينكن السادسة للمنطقة منذ 7 أكتوبر، والتي تشي بأزمة أميركية حقيقية تتعلق مفرداتها المعقّدة بعقدة استراتيجية مستحكمة وهي أن الصراع في مرحلة صفرية لا يحتمل التنازل فتضيع معه الهيبة الأميركية والصهيونية وهما مكونان وجوديان للكيان وللهيمنة الأميركية، ولا يحتمل المواجهة الشاملة التي لها محاذير كبرى لا تتعلق بطاقة الكيان الصهيوني فقط على تحمل تداعياتها، بل تتعلق بقوة أميركا نفسها على التورط في صراع عسكري كبير بالمنطقة وفقًا للتقارير الأميركية الكاشفة التي تنصح باستبعاد هذا السيناريو لعدم قدرة أميركا على تحمله.

وقبل الخوض في تحليل لجولة بلينكن السادسة ينبغي أولا رصد عدة ملاحظات:

1 - تتحدث الهدنة المقترحة والتي يحاول الوسطاء تمريرها وتحاول الولايات المتحدة الدفع نحوها عن ستة أسابيع، وهي نفس المدة التي يقدرها الخبراء الأميركيون لاكتمال بناء الميناء الأميركي العائم في بحر غزّة. وقد زار نائب قائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر "إسرائيل" في الأيام الأخيرة لإجراء محادثات حول خطط بناء الولايات المتحدة للميناء.

وهذه الملاحظة ينبغي رصدها والاحتراز منها لما تنطوي عليه من احتمالات تتعلق بنوايا خبيثة لهذا الميناء وغدر محتمل في حين تم الاتفاق فعليًّا على الهدنة المقترحة.

2 - "شارع 749" والذي شقه الجيش الصهيوني من شرق غزّة إلى غربها لقطع التواصل بين شمال غزّة وجنوبها، يفهم منه أن "إسرائيل" تقطع الطريق أمام أحلام عودة النازحين من رفح لشمال غزّة وأن الخيارات المتبقية هي وسط القطاع أو النزوح إلى سيناء وتحقيق خيار التهجير، وبالتالي فإن عدم الحديث عن هذا التطور الأمني وتناوله من قبل أميركا، يبطن خططًا مستقبلية لفصل الشمال والتحكم به عن طريق الميناء الأميركي، وهو تموضع استراتيجي أميركي يشابه التموضع في شرق الفرات، ومحاولة لخلق أمر واقع جغرافي جديد مع استخدام ذريعة المساعدات الإنسانية كغطاء وتمويه.
3- مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأميركي (csis)، وهو واحد من أهم مراكز الفكر الأميركية والذي تتعلق توصياته بصناعة القرار الأميركي، ركز في أحدث تقاريره على حزب الله والحرب المحتملة بينه وبين العدوّ الإسرائيلي وقال نصًّا هذه العبارة اللافتة: "في الواقع، فإن جزءًا من سبب تمكّن حماس من مفاجأة "إسرائيل" في 7 أكتوبر/تشرين الأول كان على الأرجح أن المخابرات الإسرائيلية كانت أكثر تركيزًا على حزب الله، الذي اعتبرته التهديد الأكبر".
وتناول المركز تقريرًا شاملًا عن السيناريوهات المحتملة والتي حصرها في أربعة، وهي استعادة ردع ما قبل 7 أكتوبر والحرب الشاملة والحرب المحدودة والدبلوماسية القسرية.
ونصح التقرير باتباع الدبلوماسية القسرية بسبب عناد حزب الله وصموده وعدم رضوخه لفزاعات الحرب وامتلاكه للقدرات التي تمكّنه من الوصول للحرب الشاملة، ونصح أميركا بإدارة الأزمة وأن الاختبار الحقيقي أمامها هو تجنب الوصول للحرب الشاملة.
وهو ما يعني أن أميركا تناور في سياساتها ولا تحاول التحدّي الصريح الذي يوصل إلى المواجهة الشاملة في حين ترصد أعداء الكيان وقدراتهم وتحاول إفشالهم والتحايل عليهم كي تنتصر "إسرائيل" بأقل الخسائر وتقطع الطريق على وحدة الساحات وما أحدثته من انقلاب استراتيجي بالإقليم.


4 - مذكرة الأمن القوميّ بشأن الضمانات والمساءلة في ما يتعلق بمواد الدفاع المنقولة وخدمات الدفاع، تشكّل أزمة داخلية أميركية حقيقية لأنها تمس بالديمقراطية الأميركية المزعومة، وهي مذكرة تتعلق بالحصول على كتابات موثوقة وذات مصداقية وضمانات من ممثل الدولة المتلقية للسلاح الأميركي حسبما يراه وزير الخارجية مناسبًا بأن الدولة المتلقية ستستخدم أيًا من مواد الدفاع هذه وفقًا للقانون الإنساني الدولي، وأي قانون دولي آخر، حسب الاقتضاء، وأن تقوم الدولة المتلقية بالتسهيل وعدم المنع أو التقييد أو العرقلة بشكل تعسفي، بشكل مباشر أو غير مباشر، لنقل أو تسليم المساعدات الإنسانية الأميركية، والمساعدة والجهود الدولية التي تدعمها حكومة الولايات المتحدة لتقديم المساعدة الإنسانية.
وقد حددت جلسة بالكونغرس يوم 24 مارس الجاري للحصول على كتابات رسمية من "إسرائيل".


وهذا ما يفسر الضغط الأميركي بشأن المساعدات الإنسانية والحديث عن اهمية الأونروا، والتصريحات المكثفة بشأن المساعدات، وذلك لعدم إدانة "إسرائيل" ولتمرير عدوانها دون تطبيق وقف المساعدات.
ولكن ينبغي الالتفات إلى أن هناك بالمذكرة بندًا للاستثناء يقول نصًّا: "في الظروف النادرة والاستثنائية المبررة بضرورات مرتبطة بالأمن القوميّ للولايات المتحدة، ومع إخطار متزامن للرئيس، بما في ذلك توضيح المبررات ذات الصلة، يجوز لوزير الخارجية أو وزير الدفاع التنازل عن هذا التفويض. ويجب أن يكون هذا التنازل محدودًا من حيث الوقت والنطاق والطبيعة حسب الضرورة لتعزيز مصالح الأمن القوميّ للولايات المتحدة".
وهو ما يعني إمكانية استخدام الاستثناء وتمرير العدوان الصهيوني دون ضغط وفقًا لضرورات الأمن القوميّ الأميركي!


في هذا السياق تأتي الجولة السادسة لوزير الخارجية الأميركي والذي افتتحها بلقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومثلت السعودية المحطة الأولى في جولة بلينكن، والذي استبقها بالحديث عن التطبيع واقتراب تحقيقه، مع بعض الحديث عن ضرورة لوقف إطلاق النار وتبادل "الرهائن".


وقال بلينكن عشية سفره إلى السعودية إن محادثات "مرحلة ما بعد الحرب في غزّة" ستكون العنوان الذي يجمعه بكبار المسؤولين المصريين والسعوديين.
وقال بلينكن، خلال مؤتمر صحفي في مدينة مانيلا التي زارها قبيل جولته على الشرق الأوسط، إنه سيواصل المحادثات التي من شأنها ترتيب الحكم والأمن وإعادة تطوير غزّة بعد الصراع، بالإضافة إلى مناقشة الهيكل الصحيح لسلام إقليمي دائم.


وحول ملف التطبيع السعودي، الذي من المتوقع أن يناقشه بلينكن في جدة، أعرب دبلوماسيون أميركيون عن أملهم أن يكون إغراء التطبيع السعودي قويًّا بما فيه الكفاية بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحيث يمكن استخدامه "كورقة مساومة" لكسب استعداده للحديث عن إقامة الدولة الفلسطينية، على حد تعبيرها.


وبالإضافة إلى أن هذه الجولة تأتي خدمة للانتخابات الأميركية، إلا أنها تزامنت مع عدة تقارير سربت أن الإدارة الأميركية ناقشت خلال الأيام الأخيرة عدة بدائل للاجتياح البري الإسرائيلي لرفح، وحسب موقع "أكسيوس"، فإن مسؤولين أميركيين قالوا للموقع، إن أحد المقترحات "يدور حول تأجيل العملية العسكرية في المدينة، والتركيز على استقرار الوضع الإنساني في شمال غزّة"، حيث المجاعة الوشيكة، وأكد المسؤولون أن هناك فكرة أخرى، تركز في "المرحلة الأولى على تأمين الجانب المصري من الحدود مع غزّة، كجزء من خطة مشتركة بين الولايات المتحدة ومصر و"إسرائيل""، وذلك من خلال تدمير الأنفاق الموجودة تحت الحدود وإنشاء بنية تحتية لمنع تهريب الأسلحة إلى غزّة، حسبما أشار الموقع الأميركي.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إن هناك إجماعًا واضحًا من دول المنطقة على أهمية وقف النار في غزّة، مشيرًا إلى أن أي عملية برية في رفح ستكون خطأ.


ويتزامن ذلك مع مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن يتحدث عن أهمية وقف إطلاق النار وتبادل "الرهائن" وهو قرار يتحدث عن هدنة بشكل غير ملزم.


من هنا يمكننا استخلاص أن زيارة بلينكن تأتي لكسب الوقت وربما تنطوي على مجرد تأجيل لمعركة رفح لحين استكمال ضروراتها من تأمين للميناء وللحدود المصرية واستكمال إجراءات الحصار للمقاومة والانفراد بالمدنيين العزل في غزّة، مع رفع الحرج عن الأنظمة الرسمية التي باتت تستشعر الحرج وفقًا لما نقلته بعض وسائل الإعلام عن مسؤول سعودي أن الجماهير باتت تنظر لمحور المقاومة على أنه الوحيد المدافع عن فلسطين وأن جميع الأنظمة خائنة.


يبقى دومًا الرهان على صمود المقاومة ووحدة الساحات فهي الكفيلة بتفجير خلافات معسكر العدوّ وفضحه وتبقى إرادة المقاومة هي السلاح الابرز في معركة عنوانها الرئيسي هو الإرادة.

 

إقرأ المزيد في: طوفان الأقصى