نقاط على الحروف
أبواق هزيمة العدو في غزّة
فتح الاشتباك الكلامي الأخير بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وحركتي حماس والجهاد الباب على مصراعيه أمام الإعلام العربي الرسمي لنزع برقع الحياء، والنزول بمستوى استهدافه للمقاومة إلى أحط درجة قد أمكنه بلوغها، ونشر سمومه علنًا وفي فجور مندفع شديد، حتّى اليوم كانت الحرب الصهيونية العدوانية على شعبنا العربي المجاهد الصامد العظيم في غزّة يجري عربيَا – على الأقل - تمييعها، وطعن الظهر العربي بخناجر مسمومة لا تجرؤ على المواجهة السافرة.
النظام العربي الرسمي في السعودية والإمارات بالدرجة الأولى، ثمّ التوابع في عمان والقاهرة، كانوا يتبنون منذ اليوم الأول للحرب في السابع من تشرين الأول المبارك، بث رسالة تستثير مقاربة ذهنية لدى المتلقي العربي، فهم من جهة ينشرون خبائث مهرجانات السعودية وحفلاتها الصاخبة ومباريات كرة القدم التي صارت عالمية فيها، ثمّ يبثون في ثوانٍ قليلة وعلى استحياء صورًا للموت والدمار، تستجدي مع دموع العجز الخوف من مصير من يقرر "المقاومة" في هذا العالم.
في الوقت ذاته، باتت لغة المشايخ وأصحاب المناصب الدينية الرسمية في الدول العربية أقرب لمهنة المهرجين، فأنت لا تعلم فعلًا هل يقرأون نفس هذا القرآن الذي بين أيدينا، أم هل مصاحفهم بيضاء رفعت الكتابة منها؟ فهي لا تتحدث عن الجهاد بوصفه أعظم الأعمال الإيمانية وأوفاها جزاءً عند ربّ العالمين، ومصاحفهم تلك لا تعرف قتالًا وقتلًا في سبيل الله، وليس فيها حق ولا صبر ولا أخوة.
لماذا توجه الانتقادات اليوم إلى حركة "فتح" اليوم على خلفية موقفها من اتهام المقاومة بالتسبب بالعدوان على غزة؟ لأن العدوّ ببساطة وبوضوح شديدين لم يجرؤ على إعلان نصر، هو لم يصل لأي شاهد نصر، ولن يصل إليه، بعد ما يقرب من 7 شهور قتال، وفي اللحظة التي سيتوقف فيها القتال سيكتشف أنه خسر الكثير جدًا استراتيجيًا، وتعرى بالكامل أمام محور المقاومة، وقادته العسكريين السابقين يخرجون بشكل شبه يومي للاعتراف بهذا الحقيقة. ملخص هذه الاعترافات وآخرها كان على لسان الجنرال احتياط إسحاق بريك، في صحيفة "معاريف"، وقال إنَّه "لا يمكنك الكذب على الكثير من الناس لفترة طويلة، وأنَّ ما يجري في قطاع غزّة وضد حـزب الله في لبنان سينفجر في وجوهنا عاجلًا أم آجلًا، وحينها ستنكشف الحقيقة بكلّ خفاياها"، والحقيقة التي يتحدث عنها الجنرال هي "الهزيمة الاستراتيجية".
في الوقت الذي تجرأ فيه طرف عربي خائن على وصف المقاومة بالهزيمة، يمكننا نحن أن نرد بطرح معاكس بالضبط، كيف خسر الكيان استراتيجيًا، وكيف خسر "العقل العربي المطبع" معركته، وسقط مع سقوط رهانه على الكيان وأميركا، كأن هذا البناء الرسمي في المنطقة كلها ليس إلا خيوط دخان وهم، نسجت بكفاءة وهمة على مدى نصف قرن، ومع أول زفرة جهاد حارة تبدّدت في لحظة، وإلى الأبد.
هذا هو الوقت المناسب أيضًا لتوجيه سؤال "ماذا حققت المقاومة على كلّ جبهات القتال" أمام عدوان مدمر تعرضت فيه غزّة لحملة قصف تدميرية تفوق كلّ ما حدث في التاريخ العسكري كله، وبمشاركة مباشرة بالقتال والإمداد من دول عظمى (أميركا - بريطانيا - فرنسا - إيطاليا - ألمانيا) وغيرها، وكأنها إعادة استنساخ لواحدة من الحملات الصليبية القديمة/ الجديدة على المنطقة وأرضها المقدسة.
في هذه المواجهة التي دخلها الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، بالمعايير والتقييمات العسكرية الغربية، فإنه عجز عن التقدم مئات الأمتار في مساحة صغيرة للغاية لا تتجاوز 365 كيلومترا مربعًا، وهي مساحة مكشوفة، أمامها البحر وفي ظهرها العراء ومغروسًا في جنبها خنجر الحصار المصري الكافر، هذه الجبهة –وحدها - أعجزت الصهيوني عن تحقيق أي هدف من لائحة أهدافه التي أعلنها في اليوم الأول للحرب، (استرداد الأسرى - القضاء على حماس - إنهاء تهديد غزّة)، وبات اليوم يفاوض وهو لا يعلم إلى أي مدى قد يذهب أو يدفع للخروج من المأزق.
للمقاربة فقط، لأنه لا يجوز المقارنة مع عظمة صمود محور المقاومة وجبهات جهادنا الشريفة/ المظلومة التي تنزف دمًا وكرامًا اليوم في فلسطين ولبنان، فإن الجيش الصهيوني انطلق في عدوان 5 حزيران/ يونيو 1967، الذي استدعته "فتح" من الذاكرة الأليمة، ليكتسح 3 جيوش عربية هائلة العدد وكاملة الاستعداد ولا تعاني من أي نقص سواء بالسلاح أو الإمدادات، ووجه لها ضربة عسكرية هائلة وساحقة، على طريقة "الصدمة والرعب" الأميركية الشهيرة، لتسيطر في 6 أيام قتال –لا أكثر ولا أقل - على مساحة 68 ألف كيلومترًا مربعًا، الرقم صحيح، أكثر من 3 أضعاف مساحة فلسطين التاريخية كلها!
اليوم يتشتت الجيش الصهيوني ضخم العدة والعتاد أمام 4 جبهات مفتوحة وقريبة بخلاف غزّة، جنوب لبنان حيث رجال الله قد فتحوا منذ يوم الثامن من تشرين الأول جبهة مساندة هائلة، اجتذبت العدد الوافر من الفرق العسكرية عالية التجهيز والمدرعات وسلاح الجو والدفاعات الجوية، وهذه الجبهة قد ربطت بجبهة غزّة وتطوراتها منذ اليوم الأول، وإلى نهاية الحرب، ثمّ جبهات العراق وسورية واليمن، بكلّ ما فيها من إمكانات بشرية وعسكرية ومادية قابلة للنمو والتطور المتسارع المستمر.
..
إذا كان هناك وصف يجوز لتعميمه في غزّة بالذات، فإن آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي قد وجده خلال حديثه يوم الأربعاء، في العاصمة طهران وفي حسينية الامام الخميني(رض) بمناسبة حلول العام الإيراني الجديد وعيد النوروز، وقال سماحة القائد: إن "قوة المقاومة أفشلت حسابات الأميركيين الخاطئة لهذه المنطقة، كما أنّ الكيان الصهيوني يعاني من الأزمة، حتّى في الخروج من الأزمة، واليوم لا يملك هذا الكيان القدرة على اتّخاذ القرارات".
أشار الإمام كذلك لخيار المقاومة بكونه الإجابة عن الاستكبار والطغاة، قائلًا إن "تشكيل جبهة المقاومة جاء لمواجهة الظلم والقمع المستمر من قبل المجرمين الصهاينة، والمقاومة اليوم كشفت عن قدراتها وأفشلت جميع حسابات العدو".
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
25/11/2024
بيانات "الإعلام الحربي": العزّة الموثّقة!
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024