نقاط على الحروف
الخيانة لن تكون وجهة نظر
في ظلّ أزمة المفاهيم وتضارب معانيها بين القاموس الوطني والأخلاقي وذلك المزوّر في المطابع الأميركية، صارت الخيانة، بكلّ قباحتها وعارها، وجهة نظر تجد من يتباهى بممارستها قولًا وخطابًا على الأقل.
في القاموس الأميركي المخصّص لمنطقتنا، وجهة النظر وحريّة الرأي تتمثّل بأن يُتبنّي خطاب العدو الصهيوني بحرفيته وتبرير اعتداءاته ومجازره، بل وحتّى التمنّي في أن تصبح المناطق اللبنانية تحت سيطرته، بالتوازي طبعًا مع التعبير عن العداء الصريح للمقاومة بأصلها وفصلها ورموزها وعملها وأهلها، والتقليل من قيمة ونوعية وفعالية كلّ ما تقوم به.. كلّ هذا هو مجرّد رأي تكفل التعبير عنه الحريات بحسب المفهوم العوكري المسكوب في عقل أدوات السفارة وأبواقها. ما الخيانة إذًا إن لم تكن كلّ ما سبق؟!
في أيّ دولة من دول العالم، حتى تلك التي تصدّر إلى أسواقنا المفاهيم المشوّهة، يُعدّ العمل الخيانيّ هو كلّ كلمة أو فعل يصبّ في مصلحة عدوّ الدولة والشعب. ويُحاسب كلّ من يتعاون مع أعداء بلاده ولو بلفظة أو إيماءة ترحيب بما يفعلون. وبالقياس الأخلاقي والإنساني، هذا أمر طبيعي. حتى العدو الصهيوني نفسه، والذي لأجل التسويق لخطابه وبرامجه يشغّل العديد من الوجوه والأسماء في بلادنا تحت عنوان حرية الرأي والتعبير، بينما ممنوع على المستوطنين التعبير عن رفض ما يقوم به الكيان، على أساس أن هذا التعبير يعادي مصالح "الدولة".
أكثر من ذلك، يتعرّض "اليهود" المناهضون للصهيونية حول العالم لشتى أنواع التنكيل والاستبعاد كي لا يعبّروا عن رأيهم بأفعال وارتكابات الكيان الذي وُجد تحت مسمّى "وطن قوميّ لليهود". الفعل الخيانيّ في كلّ المعايير، سواء تلك المعتمدة دوليًا أو التي نستنبطها من المنظومات الدينية والأخلاقية، هو كلّ فعل يقوم بشكل مباشر أو غير مباشر بتقديم خدمات، مجانية أو مدفوعة، لصالح جهات معادية، مهما كان نوع هذه الخدمات.
في لبنان كما في سائر المنطقة، حصل نوع من بثّ وباء المفاهيم المغلوطة في بعض العقول والألسن، فتاهت عن المعاني البديهية للخيانة، وشيئًا فشيئًا، لم تعد تستحي من المجاهرة بها على أساس أنّها وجهة نظر، وأكثر، تزايد في التعبير عن العداء للمقاومة بكلّ وجوهها وتتنافس في ما بينها في ذلك كي تنال حظوة عند عوكر وأخواتها، أيّ عند المشغّل المباشر.
صحافيون، أساتذة جامعيون، فنانون، مؤثّرون على منصات التواصل، وغيرهم، يشكّلون اليوم فريقًا عاملًا لصالح السفارة الأميريكية أو مؤسسات أميركية صهيونية تحمل مسمّيات ثقافية أو تعليمية أو اجتماعية. وبما أن أعمالهم هذه ولا سيّما التعبير العلنيّ عن الخيانة هو مخالف للقوانين اللبنانية المرعيّة الإجراء وللدستور اللبناني بحرفيّته وبروحه، يحدث أن تقوم الجهات الرسمية المعنية باستدعاء أحدهم للتحقيق أو حتى بتوقيفه، وهو الإجراء الطبيعي الذي تقوم به أيّ دولة بحق مرتكبي القول أو الفعل الخائن- وهم أصحاب شعارات الحرص على دولة القانون والمؤسسات- فيصبّون وجمهوره جام غضبهم على المقاومة وأهلها على أساس أنّ وجود المقاومة هو المانع للتطبيع الذي يجعل من أفعالهم تلك أمورًا طبيعية وقانونية.
والأوقح من ذلك، وفيما هم ينظمون القصائد والشعارات ضد "الاحتلال الإيراني" و"سيطرة إيران على لبنان"، يأتي هاتف من السفارة الأميركية، أو منشور من مدير مركز دراسات أميركي صهيوني ليحمي المرتكبين من قوانين بلدهم.
وبعد، لن تصبح الخيانة وجهة نظر يومًا، ولن يخضع معناها للترجمة الأميركية، بغضّ النظر إن كانت "الدولة" تقوم بما عليها من إجراءات قضائية ضدّ من يشتبه بخيانتهم أو بترويجهم للخيانة. سيظل الناس يشيرون إلى الفاعلين بتحقير وازدراء، الناس الذين لم يتلوّثوا بتعليمات عوكر وبدورات غسل الأدمغة وتشويه العقول وتلقين الألسن التي تقوم بها الخارجية الأميركية أو معاهد الدراسات، وتمنح المشاركين فيها، ولا سيّما المتفوقين منهم، شهادات ووعود بالحماية.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
12/11/2024
جونسون بعد شيا: وكر الشرّ لا يهدأ
09/11/2024
أمستردام وتتويج سقوط "الهسبرة" الصهيونية
08/11/2024
عقدة "بيت العنكبوت" تطارد نتنياهو
07/11/2024