معركة أولي البأس

خاص العهد

 قنوات لبنانية تتبنّى السردية الإسرائيلية
16/03/2024

 قنوات لبنانية تتبنّى السردية الإسرائيلية

فاطمة سلامة

قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كان الفلسطينيون يعيشون في أمن وأمان. كلّ مقوّمات العيش الكريم، ممّا يخطر ولا يخطر في البال، متوفّر لديهم. بإمكان الفلسطينيين التنقل بين منطقة وأخرى بحُريّة دون مساءلة من أحد أو تفتيش مرير أو اعتقالات تعسفية أو خسارة حياتهم قتلًا. بإمكانهم شراء ما يريدون، كلّ شيء متوفر، فلا حصار ولا تضييق. أما منازلهم فآمنة، لا تعرف معنى المداهمات، وهتك الحُرمات. الصلاة في المسجد الأقصى، أمر ميسور لكل فلسطيني، فلا شروط ولا من يشترطون. الأطفال يعيشون طفولتهم ويحصلون على حقوق الرعاية الكاملة، أما النساء فيُعاملن باحترام ولا يعرفن للاعتقال والقتل سبيلًا. وعليه، كان الفلسطينيون قبل السابع من "أكتوبر" يعيشون الرفاهية بكُلّها وكلكلها، لكن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" قطعت عليهم الطريق، وحوّلت حياتهم من نعيم إلى جحيم. 

القناعة المذكورة قد يخرج بها أي شخص لا يفقه أدنى الظروف المريرة التي يعيشها الفلسطينيون يوميًا جراء الاحتلال الإسرائيلي، والتي فقدوا فيها معنى أن يعيشوا كبشر، بعد مشاهدته للتقرير الذي عُرض على قناة "LBC". قدّمت القناة سردية تنافي الواقع تمامًا، وأجرت فيها مقاربة شبّهت فيها مجرمي الكيان ومتطرّفيه بمقاومي حركة حماس. وضعت وزير المالية في حكومة العدوّ بتسلئيل سموتريتش ومن يُسمى بوزير الأمن القوميّ إيتمار بن غفير في خانة قائد كتائب عز الدين القسام محمد الضيف، وقائد حركة حماس في قطاع غزّة يحيى السنوار. ولم تجد حرجًا في القول "مجانين غزّة و"إسرائيل" وجهان لعملة واحدة". أكثر من ذلك، اعتبرت أنّ ما أقدمت عليه حماس في السابع من تشرين الأول جعل العالم يتضامن مع "إسرائيل"، متناسية عن عمد كلّ المجازر وأعمال التنكيل اليومية التي سبق ونفذها الكيان بحق الشعب الفلسطيني، وكأنّ عملية 7 أكتوبر البطولية حوّلت "إسرائيل" من حمل وديع إلى وحش مفترس، لتخلص بوجهة نظر "عبقرية" تقول فيها إنّ تأمين الرفاهية والازدهار للشعب الفلسطيني والاستقرار للمنطقة لا يكون إلا بشرط واحد هو "إقصاء المجانين عن الحكم". 

محفوظ: رواية تفتقر إلى المهنية 

المقاربة الغريبة العجيبة التي قدّمتها القناة المذكورة والتي عبّرت فيها عن انحياز لصالح العدوّ ووجهة نظره، بيّنت كأن القناة  تعيش في كوكب آخر، حيث ساوت بين المحتل والمقاوم له، ما يطرح علامات الاستفهام حول الكثير من المعايير التي تحكم الأداء الإعلامي، وأخلاقيات مهنة الإعلام التي يقضي الطالب في كلية الإعلام ساعات وساعات في دراسة مقرّرها. ففي التقرير المذكور يتبيّن أنّ الرواية التي تُقدم للرأي العام تفتقر إلى الكثير من الصدق، الموضوعية، الأمانة، المهنية، المسؤولية الاجتماعية، النزاهة، وإلى ما هناك من قيم يتزوّد بها الطالب لاستخدامها في سوق العمل. وفي هذا السياق، يُشدّد رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ على أنّ المقاربة المذكورة ليست في مكانها للأسف. هي رواية تفتقر إلى المهنية والى أمور كثيرة أبعد منها. التقرير يشكّل مخالفة للقانون اللبناني على اعتبار أنّ "إسرائيل" عدوّة ولا يمكن المساواة بين العدوّ ومن يقاومه. وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، يُسجّل محفوظ جُملة ملاحظات على هامش ما عُرض للجمهور، ويدرجها بالآتي: 

أولًا: لا يمكن مقاربة القضية الفلسطينية بهذه الطريقة، وقد كفلت القوانين الدولية حق الدفاع المشروع للشعوب المحتلة أرضها، وهو حق طبيعي محميّ في القوانين الدولية. كما لا يمكن المقارنة بين المحتل والمُقاوم من أجل تحرير أرضه من الاحتلال، وهي مقاربة في غير مكانها بالكامل.

ثانيًا: يأخذ التقرير على حركة حماس أنها بدل أن تبني غزّة بنت الأنفاق، وأنّ حركة فتح تخلّت عن الكفاح المسلّح. وهنا نقول لمعدّي التقرير، صحيح أن حركة فتح التزمت بما يمكن تسميته الحلول الدبلوماسية والسياسية، لكنّها ربطت ذلك أيضًا بقيام دولة فلسطين وتحرير كامل الأراضي في غزّة وفي الضفّة الغربية، وطالبت بعاصمة اسمها القدس الشرقية وهذا متفق عليه حتّى في "أوسلو". 

ثالثًا: ليست حماس وحدها في الموقف الذي يدعو إلى تحرير الأرض وحماية الأقصى والقدس، فكلّ  المنظمات الفلسطينية تلتقي معها على هذا الموقف بما فيها التنظيمات الماركسية مثل الجبهة الشعبية والديمقراطية أو الأحزاب القوميّة الفلسطينية، وحتّى حركة فتح تلتقي معها على هذا الموقف، وقد يكون الخلاف بين فتح وحماس حول الأسلوب وليس خلافًا جوهريًا.

رابعًا: رغم المآخذ الإيديولوجية على حماس لكنّها وحّدت ــ بعد عملية طوفان الأقصى ــ كلّ الشعب الفلسطيني الذي التقى معها، وما قامت به حماس أعاد إحياء القضية الفلسطينية، حيث أدت جرائم الإبادة إلى ولادة رأي عام دولي، وتحديدًا غربي متعاطف مع الشعب الفلسطيني ويدعو إلى وقف إطلاق النار، و"قيام الدولتين"، وهذا تطوّر جديد. 

وفي معرض حديثه، يشدّد محفوظ على أنّ قضية حماس هي قضية الشعب الفلسطيني حاليًا، قائلًا: "أنا من الأشخاص الذين لديهم مآخذ إيديولوجية على حماس لكنّها للأمانة قامت بدور لم يقم به غيرها، ولا يمكن النظر إلى حماس على أنها تنظيم إرهابي، بل تنظيم يُحرر الأرض، وحق الدفاع عن النفس وتحرير الأرض يلتزم فيه كلّ السعاة الدوليين، فلا يمكن تسمية من يقاوم المحتل بالإرهابي، وهذه الصفة لا تنطبق على حماس. ورغم أن الدول الغربية تضامنت في البداية مع "إسرائيل" لكن المآسي في غزّة غيّرت الرأي العام العالمي ضد مواقف هذه الدول بالذات، بدليل تبدل النظرة إلى حماس حيث قبلت واشنطن النقاش بمقترحها". 

وفي سياق حديثه حول أهمية المقاومة كضمانة لشعوبها ولأي شعب مُحتلة أرضه، يؤكّد محفوظ أنّ من حُسن حظنا في لبنان أنّ المقاومة موجودة وهي من أوجدت لبنان على الخارطة الدولية، وأعطت هذه الأهمية الكبيرة لبلدنا، فلبنان بحد ذاته ليس له أهمية في حسابات الغرب، وأهميته من وجود هذه المقاومة، وهذا الذي حال ويحول ضدّ عدوان "إسرائيلي" كبير على لبنان. 

ولدى سؤاله عن المحاسبة الرسمية، لا يُخفي محفوظ أنّ أي خطوة يأخذها المجلس لا تعرف النور لسبب بسيط هي أنها تبقى توصية تُرفع لمجلس الوزراء، وتبقى في الأدراج خصوصًا في بلد منقسم تحديدًا حول الموضوع الفلسطيني. الشيء المُفيد بالنسبة إليه هو أن يتم لفت النظر إلى هذا الخطأ الكبير الذي تقع فيه بعض المؤسسات الإعلامية والتحذير من تداعياته.

نجم: مقاربة غريبة

لدى سؤاله عن المحتوى الذي قُدّم، يستغرب مدير كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية - الفرع الأول الدكتور رامي نجم ما تضمنه التقرير من مقاربات تعتبر غريبة. يسأل: كيف يمكن أن نساوي بين القاتل والضحية، والظالم والمظلوم؟ بين المُحتل ومن يُقاوم لاسترجاع بيته وكرامته وحُريته وشرفه؟!. 

وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، يُبيّن نجم كيف كان أداء وسائل الإعلام اللبنانية منذ بدء أحداث غزة حتى الأمس القريب محطّ تنويه وإشادة، "حيث سبق وأشدنا بالدور الإعلامي الجامع" كما قال. ولا يجد نجم مبرّرًا لأن تدخل وسيلة إعلامية بهذه المقاربة، في بلد يقف ــ بمختلف انتماءاته السياسية وتنوعه ــ إلى جانب حق الشعب الفلسطيني بإقامته دولته، ويؤمن بأنه شعب مقهور، لا بل يُطالب الأمم المتحدة بتطبيق القوانين وعودة اللاجئين الى منازلهم ليعيشوا بأمن وسلام.  

ما المطلوب على الصعيد الرسمي؟ يُجيب نجم عن السؤال بالإشارة الى أننا دائمًا ما نُوَاجَه إذا دعونا لرقابة أكثر صرامة بأننا نقمع الحريات وحرية الرأي والتعبير، لكن تصل الأمور أحيانًا الى مكان يُصبح فيه التدخل ضرورة. وفي هذا السياق، كانت الدعوة مرارًا وتكرارًا ــ يقول نجم ــ كي لا يكون دور المجلس الوطني للإعلام استشاريًّا فقط، لكن في المقابل تواجهنا معضلة لا يمكن القفز عنها، "ففي عالم الإعلام ــ للأسف ــ عندما نُخطئ نلجأ الى المجتمعات الضيّقة فنهرب من الانتماء الوطني للانتماء الطائفي والحزبي من أجل الحماية، وعندما يصل هذا الأمر الى هنا، تحتمي كل مؤسسة إعلامية بمرجعيتها الدينية والسياسية التي تُدافع عنها، فتُحوّل القضية الى مكان آخر تحت عنوان "الاستهداف"". وهنا، يأمل نجم أن نصل في يوم من الأيام إلى بلد يتساوى فيه الجميع أمام القانون بالحقوق والواجبات، بلد تتكرّس فيه "لازمة" أساسية أنّ "من يخطئ سيُحاسب بغض النظر عن انتمائه".

وفي ختام مقاربته، يتمنى نجم أن يكون التقرير "هفوة" أو "زلة لسان" إعلامية، أو حتى "ارتجالًا" من صحافي، وأن لا يُعبّر عن سياسة المؤسسة خاصة أننا بدأنا نرى أنّ هناك تباينًا فلسطينيًا فلسطينيًا، ولا نريد أن ينعكس هذا الأمر على الأجندات الداخلية في لبنان أو على خطاب المؤسسات الإعلامية لأنه يؤثر سلبًا على الأداء الوطني.

الإعلاموسائل الإعلام

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة