معركة أولي البأس

خاص العهد

الأزمة السورية في ذكراها الثالثة عشرة.. أهداف العدوان فشلت
16/03/2024

الأزمة السورية في ذكراها الثالثة عشرة.. أهداف العدوان فشلت

محمد عيد

بعد ثلاثة عشر عامًا على بدء العدوان الأميركي والصهيوني، وما استلحق به من أدوات عربية ومحلية على سورية وإشعال نار الفتنة في هذا البلد المقاوم تاريخيًا، يبدو السؤال الملح على الكثيرين من السوريين وغيرهم، حلفاء وأعداء: هل نجح هذا المخطّط في تحقيق أهدافه ومراميه؟ وهل يمكن للسوريين البقاء في محور المقاومة من دون تقديم تنازلات بنيوية تتعلق بمصير وطنهم بأكمله؟

سؤال سنحاول الإجابة عليه في هذه المراجعة الشاملة للأحداث التي مرت بها سورية، خلال هذه الأزمة التي تعدّ الأخطر في تاريخها الحديث دون شك.

الفتنة لهذه الأسباب

يرى المحلل السياسي د. أسامة دنورة أن التحضير لهذه المؤامرة، والتي قامت على أساس الشعبوية الغوغائية وتدفق السلاح إلى المجموعات الإرهابية، هو أمر لم يكن وليد لحظته ولكن جرى التحضير له منذ زمن طويل نسبيًا.

وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري؛ أكد دنورة أن هذا التحضير تصاعد بدءًا من العام ٢٠٠٦، حين كان هناك معطيان مهمان جدًّا أولهما اختلال موازين الردع الاستراتيجية في المنطقة لغير مصلحة الكيان الإسرائيلي بعد هزيمته في عدوان تموز ٢٠٠٦ وكذلك ظهور استعصاء المقاومة العراقية على قوات الاحتلال الأميركي.

يذكر الجميع أنه بعد تبلور هذين المتغيرين أُطلقت نظرية "الهلال الشيعي" وبدأ التحريض المذهبي بغية الوصول إلى تعديل الكفة التي رجّحت لمصلحة محور المقاومة على أكثر من صعيد. وأكد ضرورة أن يعلم الجميع بأن ما حصل لم يكن يستهدف حكومة سورية بعينها؛ بل هو استهداف لسورية كونها بلدًا حضاريًا وثقافيًا وذات وضع جيوبوليتيكي ممانع تاريخيًا منذ ما قبل جلاء الاحتلال الفرنسي، حين حارب السوريون المشروع الصهيوني في المنطقة ومن ورائه الهيمنة الغربية. ليصل الغرب الجماعي إلى قناعة تقول بأن تغيير الخرائط في المنطقة يتطلب محاولة النيل من سورية ووحدتها الوطنية والجغرافية لها على حد سواء، وصولًا إلى ما كانوا يسمّونه "التقسيم وإشعال حرب أهلية في البلاد".

ولفت المحلل السياسي إلى أنه بعد ما حصل لاحقًا من فشل لموجة ما أسموه "الربيع العربي" تبين بأن كلّ ذلك كان عبارة عن دفق يعتمد على الإعلام والمال من الدول التي تدور في الفلك الأميركي من أجل إحداث هذا الشرخ في الداخل السوري. وأصبح واضحًا أكثر من أي وقت مضى بأن من قام بهذا الفعل التخريبي هي مجموعات إرهابية ذات نشأة مشبوهة لها ارتباطات مؤكدة بالأجهزة الغربية، وهي لم تكن تعبّر أبدًا عن تطلعات الشعب العربي السوري ولم تكن أيضًا لتعبّر عمّا هو غير قابل للتغيير عند السوريين وهو مناهضة النفوذ الغربي والاحتلال الإسرائيلي.

وشدّد دنورة على أنه بمرور كلّ هذا الوقت انهارت سردية "الثورة والثوار والاحتجاجات الشعبية" وتصوير ذلك  صدامًا ما بين "شعب ثائر ونظام". كما بات من الواضح إجمالًا أن القوى التي عملت على هذا المشروع هي قوى إرهابية ذات علاقات وثيقة مع تنظيمات الإرهاب الدولي، وأكثر من حمل هذا المشروع هو تنظيم "القاعدة" في بلاد الشام و"جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" الإرهابي. وما سُمّي "ثورة شعب مسالم" تبين لاحقًا أنه مشروع يهدف إلى إحداث فوضى تمهد الطريق أمام دخول المجموعات الإرهابية واستخدامها كجيش بديل يحارب بالوكالة عن الجيوش الغربية وجيش الاحتلال الإسرائيلي التي لم تعد ترغب في التورط مباشرة في سورية بعد تورطهم في أفغانستان والعراق، ولا يريدون دفع المزيد من الدماء.

إرهاب يمهّد للاحتلال

أضاف المحلل السياسي أنه، وفي هذا السياق، كان من الواضح أن دفع تنظيم "داعش" الإرهابي للقيام بدوره في المنطقة وتحديدًا في شرق سورية وغرب العراق كان الهدف منه هو التدخل الأميركي الذي أتى بذريعة مكافحة الإرهاب لكي يصنع نوعًا من الحاجز الجيوسياسي ما بين سورية والعراق. إذ يعلم الجميع بأن التكامل السوري- العراقي ممنوع عند الغرب بشكل نهائي وصارم؛ كونه يدرك بأن التقاء قدرات البلدين تحت عناوين وطنية يسبب مقتلاً للمشروع الصهيوني ومشروع الهيمنة الغربية. وكان هذا أهم الأهداف الجيوبولوتيكية بعد الاستعانة بالإرهاب من أجل تحقيق هدف الاستنزاف والحرب بالوكالة وخلق الذريعة من أجل وجود القوات الأميركية وبقائها للإشراف على تغطية حركة مجموعات انعزالية تسعى لتقسيم البلاد وخلق حاجز جيوبوليتيكي مع العراق. يضاف إلى ذلك أن ما بقي من "ثوار" باتوا يتموضعون في منطقة الشمال والشمال الغربي تحت عنوانين أولهما العمالة المباشرة المتصلة بالذراع العسكرية التركية بشكل مباشر على هيئة ميليشيات تابعة تسليحيًا وتنظيميًا مع الاستخبارات التركية والشكل. الآخر هو تنظيم إرهابي عابر للحدود وقد يكون عابرًا للقارات، والذي يشهد اليوم أفول قوته بعد انتفاض الأهالي عليه في إدلب، وحيث يسيطر تمهيدًا لعودة الوحدة الوطنية والجغرافية السورية بالتوازي أيضًا مع انتفاضة تسير في السياق ذاته، وهي انتفاضة العشائر والحراك العسكري العشائري ضدّ تنظيم "قسد" العميل للولايات المتحدة الأميركية في شمال شرق سورية.

مزيج ما بين تكتيكين

بحسب دنورة؛ فإنّ المشهد الذي تلا هذا الوجود الإرهابي هو مزيج بين تكتيكين. الأول هو الحفاظ على حالٍ شبه انفصالية، مثل اقتطاع الأرض ووضعها تحت نفوذ ظاهري لمجموعات انعزالية في ما يحكم الأميركيون ضمنًا، والبعد الآخر هو البعد الاقتصادي الذي تلا مشهد الحرب بالوكالة وهو مشهد التجويع ومحاولة تطويع الشعب العربي السوري والدولة السورية تحت ضغط العقوبات الاقتصادية وحرمان سورية من ثروتها النفطية والزراعية والمائية، وبالتالي الحرمان من الطاقة بأبعادها النفطية والكهرمائية مثل المحطات الكهربائية الموجودة على مسار نهر الفرات. والهدف هو جعل سورية بعد كلّ ما عانته من تدمير للبنى التحتية على يد المجموعات الإرهابية وجعلها تفقد القدرة الذاتية على إعادة الإعمار عن طريق حرمانها من مقدراتها الذاتية وكذلك محاولة التجويع من أجل تغيير الولاء السياسي للشعب السوري والمقاومة عن طريق الحصار. ويؤكد دنورة إلى أن الشعب السوري سوف يصمد في معركة الحرمان والجوع بالقدرة نفسها التي انتصر فيها في معركته ضد الإرهاب.

العدوان في أفول

ولفت دنورة إلى انتهاء العديد من مفاعيل هذا الاستهداف للشعب السوري؛ فالعزلة العربية التي فرضت على سورية قد انتهت بشكل شبه كامل على المستوى السياسي والدبلوماسي وعلى مستوى جامعة الدول العربية، وكذلك العزلة الاقتصادية في طريقها إلى الانحسار على الرغم من عقوبات قيصر وكلّ  المحاولات الترهيبية لمنع استعادة العلاقات الاقتصادية الطبيعية للدول العربية مع سورية. وفي ما يتعلق بمحاولات إحداث شرخ دائم في الوحدة الوطنية في الداخل السوري باءت بالفشل، كذلك حيث عاد السوريون من أجل أن يحققوا درجة عالية من التلاحم الوطني قياسًا إلى الهدف الذي وضعه الأميركيون لأنفسهم بأحداث نوع من التفرقة المستحكمة بين السوريين أو حرب أهلية مستمرة ومستدامة ومشروع " قسد" الانفصالي هو كذلك في أضعف حالاته وهو يفقد السيطرة على الأرض، وهو في هزيل في ما يتعلق ببناه السياسية والإدارية والاقتصادية وكذلك هو في حال انعزال عن المواطنين في المناطق التي يحكمها بقوة السلاح، الأمر الذي يؤكد أنه في حالٍ تشبه الموت السريري، وهي المرحلة التي تسبق الإعلان عن هذا المشروع بشكل نهائي.

وختم دنورة حديثه لموقعنا بالتأكيد أن من نتائج هذه الحرب التي لا تسر الطرف الأميركي ولا الغربي هو أن مظلة الأمن الاستراتيجي التي أصبحت تمتلكها سورية عن طريق تعزيز تحالفاتها الأصلية وإيجاد أبعاد جديدة لتحالفاتها المستحدثة أصبحت قادرة على إيجاد نوع من توازن الردع، سواء مع القوى الوكيلة للمشروع الإرهابي أو مع الاحتلالين الأميركي والتركي للشمالين الشرقي والغربي عن طريق الوجود الاستراتيجي للحليف الروسي. بمعنى أن هناك متغيرات لا تسمح للولايات المتحدة الأميركية بإعادة طرح عناوين تغيير الحكومة السورية أو التوجّهات الوطتية والقوميّة للسوريين بعدما ظهر واضحًا أن القرار السياسي للشعب السوري ما يزال في خندق المقاومة وما يزال يرفض بشكل كامل الذهاب إلى المقلب الآخر الذي يطلق عليه معسكر التطبيع أو السلام الذي هو استسلام بكلّ ما للكلمة من معنى.

وحدة الجيش السوري

من جانبه أكد الخبير العسكري العميد علي خضور أن من أهم عوامل بقاء الدولة السورية كان صمود الجيش السوري وعدم تفككه، والذي بقي عابرًا للمذهبية والعرقية متّخذا من البوصلة الوطنية مؤشرًا حقيقيًا لتوجهاته. ففي حديث خاص لموقع "العهد" الإخباري؛ شدد العميد خضور على أن عدم تفكك الجيش وشموله للثراء الحضاري السوري والتنوع الغني يعكس تمثيله لكل السوريين حيث تكسرت على صخرة ذلك كلّ محاولات تشويهه وتصويره الدعائي على خلاف ذلك.

وختم الخبير العسكري حديثه لموقعنا بالتأكيد أن ما قام به الجيش السوري عجزت كلّ الجيوش عن القيام به، بعدما ظلّ يقاتل لسنوات في مئات النقاط المشتعلة على امتداد الجغرافيا السورية التي نجح بتحرير القسم الأعظم منها على الرغم من وجود الاحتلالين الأميركي والتركي ودخول الكيان الصهيوني على خط دعم أدواته الإرهابية في سورية التي استعانت بحلفاء صادقين من أمثال الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمقاومة الإسلامية في لبنانن والذين أثبتوا إخلاصهم الشديد لسورية وشعبها مؤكدين بأن ما حصل هو تحالف صادق قبل أن يكون تحالف مصلحة.

إقرأ المزيد في: خاص العهد