خاص العهد
تنسيق سوري - عراقي لمواجهة التحديات المائية
دمشق - علي حسن
مع ازدياد تعقيدات ملف تقاسم مياه الفرات في ظلّ استمرار التوّتر السياسي والانحباس الحراري في المنطقة، تتسارع وتيرة التنسيق والتعاون المشترك بين سورية والعراق في محاولة للحصول على أفضل النتائج الممكنة وزيادة حصة كلا البلدين من مياه نهر الفرات الذي يمر عبرهما. وفي هذا الإطار جاءت زيارة وزير الموارد المائية العراقي عون ذياب إلى دمشق ولقاء نظيره السوري حسين مخلوف لبحث انشاء محطات قياس مشتركة والاتفاق على توزيع الحصص المائية بشكل عادل.
التوتر السياسي مع بلد المنبع العامل الأساس في انخفاض حصة البلدين من المياه
حول أبرز التحديات التي يعانيها كلا البلدين في مجال حصولهما على حصتهما الحقيقية من مياه الفرات، قال الكاتب والمحلل السياسي عمار عيد لموقع "العهد" الإخباري إن: "سورية والعراق لا يحصلان إلا على جزء يسير من حصتهما الحقيقية في مياه الفرات، وهذا يعود إلى أسباب متنوعة، غير أن السبب الأبرز لذلك هو امتناع بلد المنبع تركيا عن تزويد البلدين بحقوقهما المائية من مياه النهر".
في هذا السياق؛ أشار عيد الى أنه: "بموجب الاتفاق الثلاثي بين سورية والعراق وتركيا، والذي أُبرم في ثمانينيات القرن الماضي، كان من المفترض أن تزود تركيا البلدين بـ٥٠٠ متر مكعب من المياه في الثانية، تحصل سورية خلاله على ٢١٠ أمتار مكعبة منها ويحصل العراق على الباقي. إلا أن الجانب التركي لا يفرج في هذه الأيام إلا عن أقل من ٢٠٠ متر مكعب". وعزا عيد هذا الأمر إلى: "سياسة الابتزاز التي تمارسها تركيا بحق البلدين، فهي تسعى للحصول على البترول العراقي بأرخص الأثمان وتطبيق نظرية "سليمان ديمريل" والمتعلّقة بالطاقة مقابل المياه، وفي الوقت نفسه تحاول أنقره فرض أجندتها على الحكومة السورية في المسائل الكثيرة العالقة في ما بينهما، وبالرغم من توصل بغداد إلى اتفاق مع الجانب التركي لعقد قمة مائية بين الأطراف الثلاثة في العام ٢٠١٩ إلا أن استمرار الخلافات السياسية حالت دون ذلك".
وأضاف عيد إن: "سيطرة المقاتلين الكرد على جزء كبير من المناطق التي يمر بها نهر الفرات أعطى أنقرة مبررات جديده للاستمرار في حرمان السوريين من حقوقهم في مياه النهر"، مؤكدًا أن: "تركيا بنت أكثر من ١١ سدًا تحجز خلفها مياه النهر ولا تفرج إلا عن كمية قليلة منها في حال سقوط الأمطار الغزيرة أو الزلازل التي يعتقد الكثير من الخبراء أن كثرة السدود أحد أهم أسبابها". واستبعد عيد أن يتمكّن العراق وسورية من استعادة حقوقهما المائية في المستقبل القريب نظرًا إلى ضعف أدوات الضغط التي يملكونها تجاه أنقرة. إلا أن المطلوب هو الاستمرار بإثارة الموضوع وعدم الرضوخ للأمر الواقع الذي يحاول الأتراك فرضه عليهم".
المناخ يؤدي دوره أيضًا في خفض منسوب المياه
من ناحيته، قال الخبير في شؤون المناخ عروة أحمد إن: "الاحتباس الحراري الذي يصيب العالم ويؤثر على المنطقة بشكل خاص أسهم أيضًا في انخفاض منسوب النهر وبالتالي انخفاض حصتي سورية والعراق"، مؤكدًا أن: "انخفاض معدل هطول الأمطار قلل منسوب النهر بشكل عام في حين زاد ارتفاع درجات الحرارة من استهلاك مياه النهر".
ومن المتوقع بحسب الخبير البيئي أن: "يزداد الأمر صعوبة في السنوات القادمة"، موضحًا أن: "الاتراك يستغلون السعة التخزينية لسدودهم والبالغة ٦٠٠ مليار متر مكعب عند انحباس الأمطار إلا أنّهم يحرصون في الوقت ذاته على عدم ملئها بشكل كامل نتيجة الخوف من خطر الزلازل". وأكد حسن أن هذا ينعكس سلبًا وبشكل كارثي على سورية والعراق الذين يحصلان على مستويات أدنى من الأمطار ودرجات حرارة أعلى، وخاصة العراق الذي يعدّ البلد الخامس الأكثر تضررًا من التغير المناخي في العالم. وأضاف أن: "هناك عوامل أخرى تسهم في زيادة المشكلة كالسقاية التقليدية القائمة على التعويم وإهدار كمية كبيرة من الماء".
وعن الآثار المترتبة على أزمة المياه في حال استمرارها، أكد الخبير البيئي أن: "النتائج المترتبة على ذلك لا يمكن حصرها، وهي تسبّب أزمة حادة في مياه الشرب كما هو الحال في شمال شرق سورية، بالإضافة إلى الأضرار الكبيرة المترتبة على الزراعة والاقتصاد بشكل عام على أساس أن اقتصاد البلدين يقوم على الزراعة بشكل كبير بالإضافة إلى انعكاسه على المناخ والثروة السمكية".
ودعى الخبير البيئي إلى الحد من آثار هذه الأزمة باستخدام الأساليب الحديثة في الري وزيادة التعاون والتنسيق بين البلدين بغية إقامة مشاريع مشتركة واتّخاذ موقف موحد لنيل حقوقهم المائية من تركيا.