معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

هل ستفكّك زيارة أردوغان العقد المستعصية بين بغداد وأنقرة؟
12/03/2024

هل ستفكّك زيارة أردوغان العقد المستعصية بين بغداد وأنقرة؟

بغداد: عادل الجبوري

قبل أيام قلائل، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيزور العراق، عند نهاية شهر آذار - مارس الجاري، لبحث جملة من القضايا والملفات الأمنية والمائية والدبلوماسية المشتركة بين أنقرة وبغداد، وكذلك لبحث مسألة استئناف تصدير النفط العراقي من إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي مع مسؤولي الإقليم.

 مصادر خاصة في رئاسة الوزراء العراقية أكدت خبر زيارة اردوغان، وقالت: "ان الزيارة المهمّة لأردوغان ستكون في يومي 30 و31 من شهر آذار الحالي، بحسب ما أبلغ به بشكل رسميًا الجانب العراقي، وتجري الترتيبات لهذه الزيارة من الآن، كونها تستغرق يومين، كما ستشمل إقليم كردستان، وستتخللها عدة اجتماعات في بغداد وأربيل".

وأشارت المصادر إلى: "أن زيارة أردوغان إلى العراق ستركز على ملفات خلافية عالقة بين البلدين منذ مدة طويلة، أبرزها ملف المياه، حيث إن العراق يسعى إلى الحصول على كامل حصته المائية العادلة، لمواجهة خطر الجفاف، إضافة إلى إعادة تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي، خاصة أن هذا الأمر يكلف العراق خسائر بملايين الدولارات بشكل يومي".

كما أوضحت المصادر: "أن ملف الأمن ستكون له أهمية، خاصة أن أنقرة تريد تحييد وتحجيم تحركات عناصر حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وأنّ هناك احتمالاً لعقد اتفاق أمني جديد لضبط الحدود بشكل مشترك، مقابل أن توقف أنقرة قصف الأراضي العراقية وإخراج قواتها من العمق العراقي، وهذا الأمر سيُحسم خلال التفاوض المباشر، ولا اتفاق نهائيًا مسبقًا بشأنه لغاية الآن".

لعلّ الرسائل التي انطلقت من أنقرة مع قرب موعد زيارة اردوغان لم تكن طيبة ولا إيجابية بالقدر الكافي، فصحيفة "حريت" التركية المقربة من الحكومة تطرقت، في تقرير مفصل لها مؤخرًا، إلى عملية عسكرية واسعة من المقرر أن ينفذها الجيش التركي داخل الأراضي العراقية قريبًا، قائلة إنّ: "الاستعدادات التركية متواصلة لتنفيذ عملية عسكرية برية واسعة في شمال العراق، تؤدي إلى إكمال السيطرة على المنطقة الحدودية بين البلدين، بعمق 40 كم في الأراضي العراقية". وأكدت الصحيفة أن: "من الأهداف المقبلة للعملية تعزيز القواعد العسكرية هناك، وتأسيس قواعد مؤقتة ودائمة جديدة في المنطقة وتنفيذ عمليات عسكرية بدعم جوي للقضاء بشكل كامل على مواقع حزب العمال الكردستاني PKK وتحصيناته".

أكثر من ذلك، كشفت الصحيفة نقلًا عن مصادر رسمية في رئاسة أركان الجيش التركي أن: "العمليات ستنفذ على امتداد الحدود التركية العراقية البالغة 378 كيلومترًا، على أن تُحكم السيطرة بشكل كبير على المنطقة الحدودية كلّها، كما جرى في سورية على طول الحدود، وينتظر أن يتم اتّخاذ إجراءات تناسب هذه العمليات في السليمانية وسنجار ضدّ مسلحي حزب العمال".

وقبل حوالي أسبوع، زار مستشار الأمن القوميّ العراقي قاسم الأعرجي تركيا، والتقى كبار المسؤولين فيها، وفي مقدمتهم وزير الدفاع يشار غولر، وتمحورت مجمل اللقاءات حول سبل تعزيز علاقات التعاون بين البلدين الجارين، لا سيما التعاون في ملفات الأمن وضبط الحدود ومكافحة الإرهاب والمياه وتبادل المعلومات. إذ أكد الأعرجي بحسب البيانات الرسمية أن: "التعاون البنّاء في مجال ترسيخ الأمن والاستقرار، وتحقيق مشروع طريق التنمية، يقود بطبيعة الحال إلى الاستقرار في جميع الجوانب، لا سيما الاقتصادية منها، ويعود بالمنفعة على الجميع ويحقق مصالح الشعوب والدول".

في قراءة ونظرة إجمالية عامة لصورة الوقائع والأحداث، يبدو من الصعب تشخيص مؤشرات إيجابية على إمكان أو احتمال حلحلة الملفات الإشكالية والقضايا العالقة بين بغداد وأنقرة، وهناك اليوم من يقول إن اردوغان الذي لم ينجح أو لم يرغب في التوصل إلى حلول ومعالجات حقيقية للمشكلات مع العراق طوال مدة حكمه التي امتدت عشرين عامًا، ففي أغلب الظن لن ينجح خلال العوام القلائل المتبقية له في السلطة، إذ أعلن في وقت سابق إن الانتخابات البلدية القادمة ستكون الأخيرة له، علمًا أن ولايته الرئاسية الحالية تنتهي في العام 2028.

ومعروف أن أنقرة في تعاطيها مع مجمل الملف العراقي تلعب على التناقضات السياسية بين الفرقاء، سواء في بغداد أم في إقليم كردستان، وتراهن على ضعف الحكومات الاتحادية المتعاقبة، وصمت الولايات المتحدة الأميركية والقوى الكبرى حيال مجمل سياساتها ومواقفها، لمعايير مصلحية تتجاوز الوضع العراقي، وبالتالي هي لا تعير كثيرًا من الاهتمام لاعتراضات بغداد الرسمية والشعبية منها.

في الوقت ذاته، هناك مصالح سياسية واقتصادية متشابكة بين أنقرة وبغداد، تخطئ أنقرة كثيرًا حين تفرط أو تزهد بها، كما أن علاقاتها ومصالحها الإقليمية، بل وحتّى الدولية، قد لا تتيح لها فعل ما تريده وحدها، بعيدًا عن حسابات الآخرين ومصالحهم. هذا فضلًا عن أن المراهنة على خلافات واختلافات الفرقاء الكرد في الإقليم وعموم الفرقاء العراقيين، قد تأتي بنتائج إيجابية مرحلية لأنقرة.. بيد أن الأمور على المدى البعيد ربما ستكون مختلفة، وخصوصًا أن المشهد السياسي العراقي مشهد فضفاض وخاضع للكثير من المتغيرات والتحولات السريعة والمفاجئة في المعادلات والمواقف والاصطفافات والمصالح.

 وبالرغم من التعويل الكبير على الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لتركيا، في آذار/ مارس من العام الماضي، لحلحلة وتفكيك العقد المستعصية طوال عقود من الزمن بين بغداد وأنقرة، إلا أن تطوّرًا وانفراجًا حقيقيًا وملموسًا لم يتحقق، والشيء نفسه بالنسبة إل الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان للعراق أواخر شهر آب/ اغسطس الماضي.

ممّا لا شكّ أنه من غير المعقول ولا المنطقي تصور أن كلّ تلك المشكلات المعقّدة والشائكة المتراكمة، يمكن أن تجد طريقها إلى الحل بيسر وسهولة، مهما كانت النوايا صادقة والارادات قوية والمواقف حازمة، إلا أن ما يمكن تصوره هو تحديد مسارات واقعية متفق عليها بين الطرفين، مع إشراك إقليم كردستان بصورة حقيقية، والتباني على تقدير ومراعاة المصالح المتبادلة في إطارها الواسع والشامل. وزيارة أردوغان لبغداد - كما بيّنا في وقت سابق - إذا لم تتمحور حول هذه الأمور فهي ستكون عبثية، ولن تتعدّى الاستعراض السياسي والتسويق الإعلامي الشكلي والعابر.

رجب طيب أردوغان

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات