آراء وتحليلات
النزاع بين واشنطن وتكساس.. على طريق تفكك أميركا
عبير بسّام
نقرأ الكثير عما يحدث في ولاية تكساس الأميركية من خلاف عميق مع الدولة المركزية حول حماية الحدود مع المكسيك. خلاف وصل إلى حد إعلان حاكم الولاية التوجّه نحو إعلان الحرب على المهاجرين والتقدم بطلب من أجل تنفيذ قانون يسمح لقوات الولاية بتنفيذ اعتقالات وترحيل قسري للمهاجرين. إعلان استدعى تدخل المحكمة العليا، لأن القانون يخالف الدستور الأميركي.
تفاقم الأمر سببه رفض إدارة الرئيس جو بايدن وضع ضوابط لـ"الهجرة غير الشرعية" عبر حدود الولايات الجنوبية، مما يضع عبئًا اقتصاديًا على هذه الولايات، والذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى عدم قدرة أيّ منها على تقديم المساعدات الطبية والاجتماعية لذوي الدخل المحدود من الأميركيين، والتي ستضطر بموجب القانون الفيدرالي إلى تقديمها للمهاجرين. فالدولة الأميركية، وبحسب القانون ملزمة بتقديم الخدمات الصحية المجانية لهؤلاء، مما جعلهم عبئًا أكبر على ميزانية الولايات تحديدًا، والتي تدفع الضرائب العالية ولا يأتيها سوى ميزانية محدودة. وأكثر الولايات التي تعاني من الهجرة غير الشرعية هي تكساس وأريزونا وكاليفورنيا ومكسيكو. وجميع هذه الولايات طالبت بالانفصال ورفعت قضاياها إلى المحكمة العليا وتم رفض الطلبات عبر السنوات العشرين الماضية.
في العام 2020 نشرنا في موقع "العهد" الإخباري، مقالًا بعنوان: "هل وصلت أميركا إلى النهاية؟" وفيه أوضحنا ما شرحه الخبراء حول أسباب انهيار الممالك والامبراطوريات وانهيار اتحاد السوفياتي وكيف أن الانهيار سيطال في نهاية الأمر الولايات المتحدة، ومنهم البروفسور "يوهان جالتونج" من النروج، والذي أشار إلى انهيار الولايات المتحدة خلال فترة محدّدة من الوقت ما بين 2020 - 2025، معتمدًا على المؤشرات العلمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وتاريخ الانهيار المحدّد هذا، تحدثنا عنه أيضًا في مقال عن انهيار أميركا الاقتصادي القريب، والذي سيتسبب بانهيار الدولة في العام 2025، بناء على معطيات نشرتها "الناشونال ريفيو"، تحدثت فيه عن "أمهات الانهيار الاقتصادي"، عازية ذلك إلى ثلاثة أسباب: أولًا، تجاوز الدين السيادي مبلغ 33 تريليون دولار، السقف الذي حدده البنك الفيدرالي، وطبع المزيد من الدولارات دون رصيد يغطيها من الذهب، والذي سيؤدي في الانهيار بسبب التضحم المالي الكبير، وثانيًا توجه العديد من دول العالم خلال الأعوام الماضية للاعتماد على عملاتها الوطنية والتخلي عن الدولار، والأمر الثالث، سيكون بسبب ضعف الدولة المركزية وخاصة إذا توقفت في العام 2025 عن دفع رواتب المؤسسات والإدارات فيها.
العامل الثاني الداخلي أيضًا، والذي سيؤدي إلى انهيار أميركا. وبحسب "الفين توفلر" الكاتب والمفكر والمختص في علم المستقبليات الأميركي، والذي درّس أشخاصًا مثل رئيس الاتحاد السوفياتي الأخير ميخائيل غورباتشوف ورئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد وغيرهما من الشخصيات القيادية في العالم، أن من أهم أسباب انهيار أميركا هو عمق تأثير التمييز العرقي فيها، وأن سياستها العنصرية لم تتغير. وهي نفسها السياسة التي تقودها الولايات المتحدة اليوم من خلال إدارة الحرب على غزّة، والمبنيّة على التمييز العرقي ومحاولة إبادة شعب بوحشية غير مسبوقة من أجل إحلال غيره مكانه. ألا تستهتر بحياة العرب الفلسطينيين ليس لصالح جميع اليهود، ولكن لصالح فئة من اليهود، الأشكناز، قادة الصهيونية العالمية والذين لا ينتمون إلى العرب ولا إلى سام بن نوح؟!
العامل الثالث وهو من العوامل الهامة المرتبطة بالسعي من أجل بقاء أميركا كسلطة أحادية في العالم، وهو ما تدفعه الشركات الحاكمة والمرتبطة بالسياسة الأميركية والبريطانية تحديدًا ومعظم أصحابها من العرق الأبيض الأنجلوساكسوني، والتي تدفع الأموال الطائلة، كتبرعات، من أجل دعم شخص ما يؤمن مصالحها ليصبح رئيس أميركا القادم. يؤمّن أصحاب الأموال لمرشحهم المفضل الأموال والماكينة الانتخابية المناسبة وتسخر له الساعات الدعائية في الإعلام والمناظرات المدفوعة الثمن لأهم محطات التلفزة في العالم وفي أميركا بالتحديد.
دفع الأثمان الباهظة لبقاء أميركا كسلطة أحادية في العالم، هو ما دفع دونالد ترامب لإجبار الحلفاء على دفع حصصهم في الناتو وفي ممالك الخليج العربي من أجل الحصول على حماية الجيش الأميركي. وما تحاول الولايات المتحدة تحقيقه من أجل فرض سيادتها المطلقة على البحار والممرات المائية سيستنزفها في حروب لا طائل منها مع الصين وروسيا وإيران واليمن، وقد شهدنا مثالًا أوليًا مبهرًا في رباعية البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب وبحر العرب، فكيف إذا ابتدأ الصراع الحقيقي مع الدول العظمى الصاعدة؟
بالعودة إلى ما حدث من أخذ ورد في قضية ضبط الحدود في تكساس. ما نعرفه أن القضية قديمة، وأن الدولة الأميركية تخسر مئات ملايين الدولارات إن لم نقل المليارات، بسبب الهجرة غير الشرعية عبر حدود المكسيك. حاول دونالد ترامب في آخر سنتين من حكمه بناء حاجز "فصل عنصري" ما بين تكساس والمهاجرين من جنوب أميركا، ولكن الكونغرس الذي سيطرت عليه آنذاك أغلبية ديمقراطية وقفت في وجهه، وحتّى الجمهوريون لم يكونوا متحمسين للأمر. في الولايات المتحدة، أوقف قاضي المحكمة العليا مشروع قانون يمنح السلطات في ولاية تكساس الصلاحية باتّخاذ إجراءات صارمة لاعتقال وطرد المهاجرين واللاجئين الذين يدخلون البلاد من دون وثائق. ويبدو أن قاضي المحكمة العليا سيعود لينظر في الأمر في الأيام القادمة، فصدور القانون المقترح من قبل حاكم ولاية تكساس، بحسب اتحاد الحريات المدنية الأميركي، يتجاوز سلطة الهجرة الفيدرالية ويهدّد سلامة دستور وقوانين الأمة الأميركية. هذا مع العلم أن قضاة محكمة الاستئناف الأميركية للدائرة الخامسة ومقرها في "نيو أورليانز" قالوا إن القانون سيدخل حيز التنفيذ يوم السبت ما لم تتدخل المحكمة العليا.
يبدو أن القانون الذي يسمح لتكساس باستخدام السلطة المحلية لا يزال متأرجحًا بين أخذ ورد، ونحن هنا نتحدث عن قرارات متباينة بين القضاة وبحسب موقعهم، سواء كانوا فيدراليين مثلما يحدث في المحكمة الدستورية العليا، أو محليين كما في محاكم الاستئناف. ولكن هذا ليس لمصلحة تماسك الولايات التي لكل منها قانونها الخاص الذي تعمل بموجبه، خاصة وأن تكساس ليست المرة الأولى لها التي تطالب فيها بالاستقلال، والظروف المؤاتيه للانفصال بدأت تنمو أكثر فأكثر، خاصة إذا أفلست الولايات المتحدة، بعد عجز الدين المهول الذي وقعت به. فواحد من أهم أسباب محاولة فرض قوانين خاصة بتكساس هو الجنوح الذي يتنامى ما بين أهالي الولاية وحتّى نوابها من أجل الاستقلال.
وبحسب مجلة "نيوزويك"، فقد كان هناك 170 ألف توقيع منذ كانون الثاني/ يناير لعريضة لمغادرة الولايات المتحدة من بين هؤلاء 139456 توقيعًا لجمهوريين والباقي لديمقراطيين. كما تنشط في الولاية "حركة تكساس القوميّة" من أجل الدفع للمطالبة بالانفصال. ويبدو أن "دانييل ميلر" رئيس الحركة و"غريغ أبوت" حاكم تكساس على تنسيق تام بما يتعلق بهذه التحركات. كما أن هناك حزبًا في تكساس باسم "Texit"، وعدد الناخبين المسجلين فيه يبلغ 600 ألف ناخب، ولكنه ما يزال حتّى اليوم أقل من عدد الناخبين الجمهوريين والديمقراطيين، ومع ذلك فإن حوالي 60% من الناخبين في الحزبين الكبيرين يؤيدون الانفصال. وقال ميلر لـ"نيوزويك"، إنه إلى جانب قضية الهجرة، هناك عوامل أخرى تحفز تكساس، بما في ذلك الاقتصاد، ودفع مبالغ كبيرة للنظام الفيدرالي، وإن هناك "سلسلة كاملة من الأسباب التي تجعل الناس يعتقدون أن تكساس المستقلة تعد الطريق إلى الأمام... كما أن العلامة الأكثر وضوحًا أن العلاقة ما بين تكساس والحكومة الفيدرالية باتت مقطوعة وأن النظام العام مختل".
دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية أطلق جملًا مفتاحية هامة، ومنها: "أميركا تنهار ونحن ذاهبون إلى الجحيم"، و"بلدنا ينهار". بالطبع هو قال هذا الكلام ضمن الحملة الانتخابية التي يقودها، والتي اتّهم فيها جو بايدن وإدارته بأنهم يشكلون تهديدًا للديمقراطية. وأشار في كلمات عدة للتهديد على الحدود الجنوبية، في عز أزمة تكساس.
ما يقوله ترامب عن انهيار أميركا ليس سببه بايدن وحده، ولكن سببه أن النظام الأميركي والمسلك الذي تتّخذه الدولة العميقة في الولايات المتحدة والذي يقودها من حرب فاشلة إلى حرب فاشلة أخرى تهمل الداخل الأميركي وتحمله أعباء هذه الحروب، في حين تنشط شركات السلاح والنفط وتتراكم أرباحها، هو في الحقيقة ما سيأخذ أميركا نحو الانهيار.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024