طوفان الأقصى
هل ينجح هوكشتاين في حماية جبهة الكيان الشمالية؟
شارل أبي نادر
في الظاهر، تأتي زيارة عاموس هوكشتاين المبعوث الخاص للرئيس الأميركي، في إطار تبريد الجبهة بين لبنان وكيان العدو الإسرائيلي وفقًا لمصالح الكيان، ومنع حصول مواجهة واسعة أو حرب مفتوحة، حيث توحي كلّ المؤشرات الميدانية والعسكرية الأخيرة والمستويات التي وصل اليها الاشتباك مؤخرًا، بأنّ هذه الحرب الواسعة آتية لا محالة.
ما طرحه هوكشتاين في بيروت عن سعيه لإرساء الهدوء على جبهة لبنان الجنوبية، ومن منظار مخادع، ظاهره حيادي وغير منحاز للاحتلال، وبعناوين مُغرية للبنان، مثل الهدوء والسلام والرخاء، لكنه يحمل في خفاياه الكثير من الألغام والمطبات، والتي تصبّ جميعها عمليًا، في إطار تحقيق عدة أهداف لمصلحة "إسرائيل" وهي:
- حماية جبهة الكيان الشمالية وتأمينها، بهدف إلغاء تأثيراتها السلبية عليه ميدانيًا وعسكريًا، وتسهيل تفرغه للحرب على غزّة، وذلك بعد أن نجح حزب الله في سحب القسم الأكبر من جهود جيش العدو نحو الشمال، وإشغال وحداته بمستوى مرتفع جدًّا من الضغط العسكري والميداني، والذي لا يمكن تجاوزه أو تجاهله لدرجة أصبح أغلب مسؤوليه العسكريين يخشون جبهتهم الشمالية فعلًا ويعدّونها الجبهة الرئيسة الأخطر في معركتهم الحالية.
- من جهة أخرى، يسعى هوكشتاين عبر حراكه "الديبلوماسي" تجاه لبنان إلى تأمين عودة مستوطني الجليل إلى مستعمراتهم ومنازلهم وأعمالهم، وإعادة التوازن إلى المنطقة الشمالية للكيان، وذلك بعد أن أصبحت تداعيات هذا اللاتوازن في الجليل والتحديات المطلوبة لمواجتها، أبعد من الحاجة لتأمين الهدوء والأمن والأمان لأبنائه، لتصبح تحديات وجودية للاحتلال، بعد أن باتت تأثيراتها مُهدّدة لفلسفة الكيان برمته، حيث لن يعود هناك اقتناع يهودي بالهجرة إلى فلسطين المحتلة، في ظلّ فقدان الثقة بالجيش "الأقوى في الشرق الأوسط"، والذي فشل في حماية هؤلاء المستوطنين، وأيضًا، في ظلّ "هاجس طوفان الأقصى"، كونها عملية حتمية، واردٌ حصولها دائمًا، وعلى كلّ جبهات المواجهة مع الاحتلال، وبعد أن أصبحت هاجسًا ثابتًا في وعي وفي لا وعي كلّ إسرائيلي.
من هنا تأتي الأهداف الفعلية لمحاولة هوكشتاين الديبلوماسية، والتي تقوم بجوهرها عمليًا، على استغلال أهم بند من بنود القرار 1701 بالنسبة إلى ادارته وبالنسبة إلى حكومة العدو، لإبعاد حزب الله شمالًا، بمسافة معينة عن الحدود مع فلسطين المحتلة، كان عنوانها نهر الليطاني فاصلًا، لكي تصبح اليوم بالنسبة إلى هؤلاء، وبعد ما ظهر من قدرات وأسلحة نوعية لحزب الله، بما هو مناسب لتحقيق إبعاد تأثيرات هذه الأسلحة عن وحدات العدوّ وعن مستوطنيه في الجليل.
هوكشتاين ربط عمليًا وجوب حصول ما أسماها "التسوية الحدودية" بين لبنان و"إسرائيل"، بتلافي الحرب المرتقبة والتصعيد العنيف القادم، وما قصده - ضمنيًا طبعًا- بتحقيق الأمن والرخاء في لبنان، لا يمكن إلا فهمه وكأنّه تهديد ضمني، لتلافي الدمار الذي سوف تسببه "إسرائيل في لبنان في حال لم ينفذ حزب الله ما هو مطلوب إسرائيليًا منه، ويكون هوكشتاين فعليًّا قد ألغى الارتباط العضوي بين جبهة العدوّ الشمالية مع لبنان وجبهته الجنوبية في غزّة.
فهل ينجح هوكشتاين في تحقيق هذا الفصل بين حرب "إسرائيل" على غزّة وبين اشتباكها العنيف مع حزب الله على جبهة الشمال؟ أم أن التسوية في غزّة سوف تتقدّم بشكل تلبي المناسب من مطالب المقاومة الفلسطينية من دون أي تنازل أساسي، ولدرجة كافية كي تنهي الحرب في جنوب فلسطين وبالوقت نفسه تنهي المواجهة في جنوب لبنان؟
ربما الأيام القليلة القادمة، تحمل الأجوبة الكافية على هذه التساؤلات.