آراء وتحليلات
الانتخابات الأميركية 2024 باتت محسومة في ظروف استثنائية
عبير بسّام
في الحقيقة بالنسبة لمتابع الانتخابات الأميركية يظهر أن الأمر بات محسومًا، ما بين نيكي هايلي وما بين دونالد ترامب من جهة، وما بين جو بايدن وترامب من جهة أخرى، وهو يسير لصالح ترامب بالتأكيد. قد تحدث مفاجآت؟ نعم قد تحدث مفاجآت، ولكن الجمهوريين اختاروا ترامب في الانتخابات التمهيدية في عقر دار هايلي في ولاية كارولينا الجنوبية وانتهى الأمر. ويبدو أننا نسير نحو عودة ترامب لحكم الولايات المتحدة الأميركية في نهاية هذا العام. استنتاج ليس من باب الأمل، وليس من باب التغيير، ولا حتّى من بوابة تخفيف العبء على فلسطين، بل هو استنتاج مرتبط بتراجع شعبية بايدن والتي وصلت إلى أسوأ مرحلة لها في الأشهر الماضية.
فما الذي يحذر منه ترامب؟
في أحد خطاباته التي ألقاها في 24 الشهر الماضي، لم يحذر ترامب الناخب الأميركي من المخاطر على الصعيد الوطني الأميركي ولكن من المخاطر التي تحيط بأميركا من الخارج والداخل. ولذا ونحن نعدد محاذير ترامب، ليس الهدف منها أن نرى الاختلاف الذي سيجلبه ترامب للسياسة الأميركية عن تلك التي اتبعها بايدن والتي اوصلت الولايات المتحدة إلى حافة الانهيار، وإنما علينا أن نعلم أن السياسة الأميركية تجاه منطقتنا لم ولن تتغير في المرحلة الحالية، وخاصة بما يتعلق بالعلاقة مع الكيان الصهيوني. ومع أن ترامب كان غاضبًا من جماعة الإيباك بسبب خذلانه في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، إلا أنه صرح زاعماً بأن هناك خطرًا سيأتي على أميركا من حركة "حماس" و"الحركات الإسلامية المتطرّفة".
وما يمكن الجزم به بأن سياسة ترامب ستكون سياسة "احترام" لـ"إسرائيل"، وهذا ما صرح به وهو يعدد وعوده الانتخابية على المستويين الدولي والمحلي في الخطاب عينه امام اللجنة الانتخابية في الحزب الجمهوري، مع أنه ومنذ الحادي عشر من تشرين الأول/ تشرين الأول، انتقد ضعف الصهاينة الاستخباراتي وذكرهم كيف أنهم رفضوا التدخل بعملية اغتيال الشهيد قاسم سليماني وأنهم تركوا الأميركيين وحدهم لمواجهة الأمر، ثمّ حاول "بيبي" نسب الأمر لنفسه، وحتّى أنه وصف مقاتلي حماس بأنهم "أذكياء"، وبأن الصهاينة "لا يستطيعون ممارسة الألعاب [بمعنى الرياضة] وعليهم تقوية أنفسهم". ووصف ترامب حزب الله بأنه "ذكي جدًا"، ووصف وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت بأنه "أحمق".
من السياسات التي انتقدها ترامب، الحرب التي شنها بايدن في روسيا، وقال تكرارًا بأنه لن يقوم بشيء كهذا. ويستغل كلّ من بايدن وهايلي هذه التصريحات من أجل التحريض على ترامب وأنه صديق بوتين، وأنه يقف إلى جانب روسيا في الحرب في أوكرانيا، وهي الحرب التي دفع فيها ملايين الدولارات من أجل الترويج لها. لكن ترامب رجل لا يؤمن بالحروب، ولا يؤمن بتمويل الجيوش الأميركية التي تعمل ما وراء البحار من أجل الدفاع عن أمم أخرى محليًا، ولا يؤمن بدور الناتو في حماية المصالح الأميركية وجل ما يراه فيه أنه "زيادة مصاريف". وحتّى عندما ابقى الجيش الأميركي في سورية، فكان ذلك مقابل النفط السوري. هو تاجر يؤمن بالربح، وعقيدته خلال الفترة الرئاسية السابقة، كانت "عقيدة المال" وهذا ما تحتاجه أميركا اليوم.
في الشأن الداخلي، أشار ترامب إلى تكرار محاكماته، وقال لمناصري الحزب الجمهوري: "تذكروا لقد تمت إدانتي بجرائم أكثر من ألفونس كابون في زمانه". ملفت كيف يقوم ترامب باستغلال محاكماته في الدعاية الانتخابية له، ويضعها في إطار محاربته، وشدد على سعيه من أجل بناء أميركا قوية، في ما تقوم جماعة بايدن، "مع أنهم أذكياء"، بقيادة البلد نحو الدمار. وكلمات ترامب تلقى صدى كبيرًا بين الناخبين، والدليل هزيمة هايلي في عقر دارها في كارولينا الجنوبية، واستقطاب رون دوسانتيس، الذي كان يشكّل أكبر تهديد له، والذي تبنى دعمه في انتخابات 2024، عائلة مردوخ مالكي فوكس نيوز، ومع ذلك فقد قام دوسانتيس بتبني ترشيح ترامب، وطلب من داعميه إعطاءه أصواتهم.
ويبدو أن الجمهوريين سيستغلون تراجع شعبية بايدن في ولاية ميشيغان، حيث صوت 13.2% من الناخبين الديمقراطيين بأنهم غير ملتزمين ببايدن، بسبب التعاطي السيئ للإدارة الأميركية بدعم مجازر الصهاينة ضدّ الشعب الفلسطيني في غزّة، خلال أكثر من 140 يومًا من القتل والإجرام المتكرّر وحصار الشعب الفلسطيني. وابتدأ في هذه المرحلة الشباب الأميركي بتبادل فيديوهات ومقاطع تصف المجاعات وموت الأطفال في غزّة نتيجة لذلك. ويبدو أنه ولأول مرة سيكون اللوبي العربي في ميشيغان أو "لوبي غزّة"، لوبيًا ضاغطًا سيتسبب بهزيمة مرشح مدعوم من قبل الإدارات والمؤسسات الأميركية القائمة، ولأول مرة في تاريخها. مع العلم أن المعضلة الحقيقة التي سيواجهها الناخبون العرب والمسلمون على حد سواء، هي إما اختيار رئيس يدير سياسة أسوأ من بايدن تجاه فلسطين وهو الرئيس السابق ترامب، أو الامتناع عن التصويت لبايدن، مع عدم وجود مرشحين آخرين مما سيشكّل دعمًا لترامب، خاصة وأن الأخير خسر أصوات ميشيغان بفارق 5% من الأصوات في الانتخابات الماضية، وهي نسبة تشكّل حوالي 10% من الأصوات التي كسبها بايدن في الولاية نفسها في العام 2020.
ما سيفاقم الأمور أكثر بالنسبة لبايدن، انتحار الطيار الأميركي، آرون بوشنل، خاصة بعد أن سرب صديقه حديثه الذي نشرته نيويورك بوست، حول مشاركة الجيش الأميركي على الأرض في عمليات الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني وعن وجودهم في داخل الأنفاق. "انتحار الشرف"، بحسب العرف الأميركي والياباني والصيني، الذي قام به بوشنيل، والذي يعتز به أصدقاؤه، ليس أول انتحار بسبب التجاوزات الأخلاقية والإنسانية للجيش الأميركي، ولكنه أول انتحار تفضحه وسائل التواصل الاجتماعي.
وبالعودة إلى الخطاب، حذر ترامب من أن الصين "ستقوم بالسيطرة علينا، ليس فقط اقتصاديًا، وإنما عسكريًا أيضًا". واعتبر أن بايدن تهديد للديمقراطية وقال إنه يقود أميركا نحو الدمار، وهذا ما أكده له زعماء من أميركا الجنوبية التقى بهم، وشرحوا له أن بلادهم انهارت بعد أن مرت بالظروف الاقتصادية نفسها. وحذر من أن هذا الانهيار سيتسبب في انهيار نظام التعليم في المدارس الحكومية، وانهيار النظام الصحي، وانهيار نظام التكافل الاجتماعي. وقال إنه سيقوم بدعمهم جميعًا إذا ما تم انتخابه وإنه سيخفض الضرائب، لأنه كما شرحنا في مقال سابق، انهيار أميركا في نهاية العام 2025، أحد أهم أسبابه وقف العمل بقانون تحديد نسبة الضرائب، والذي سيتسبب بتوقف الأعمال وإغلاق الشركات الخاصة مما سيتسبب بانخفاض الضرائب المجبية وبالتالي انخفاض دخل الدولة والعجز عن دفع رواتب موظفيها.
من يسمع ترامب هذه المرة يعرف أنه يسمع رجلًا منضبطًا، وأن من يعمل ضمن ماكينته الانتخابية، هم أشخاص محترفون استطاعوا تحويل المحاكمات والمحاصرات التي يتعرض لها هو وأبناؤه إلى نصر شعبي، وخاصة بعد أن قام القاضي آرثر آنغورن بتجريمه منذ ايام بتهمة الاحتيال وفرض عليه غرامة قيمتها 353, 3 مليون دولار، وفرض الرقابة على ابنيه وعلى شركاته في نيويورك لمدة ثلاث سنوات. وما منع القاضي من إغلاقها بحسب ترامب، أنه سيتسبب بخسارة 10,000 موظف لأعمالهم إن فعل ذلك.
حتّى اليوم ليس هناك خطة اقتصادية محدّدة يمكن لأحد أن يقرأها من أجل النهوض باقتصاد الولايات المتحدة، وحتّى مشاريع بايدن الكبيرة في العالم، والتي ستزيد من غنى أصحاب الشركات حول العالم غير قادرة على إيجاد فرص عمل في الداخل الأميركي. ويبدو أن العمل الوحيد المتوافر في زمن بايدن هو الجنديّة، فهو مستمر بالحرب في أوكرانيا، وسيذهب إلى تأجيج الحرب بين تايوان والصين وفي دعم الصهاينة وتأجيج الحرب في فلسطين. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، وصلت الصراعات في المحاكم القضائية بين المتنافسين الكبيرين في أميركا إلى ما لم تشهده البلاد منذ تأسيسها، حتّى في زمن ريتشارد نيكسون، إبان فضيحة ووترغيت. ولم يتم اتهام الرئيسين بالاحتيال والفساد وإخفاء الملفات السرية فقط، بل وصل الأمر إلى اقحام عائلتيهما، ففي حين يخضع ابنا ترامب للرقابة بسبب قرار المحكمة يقوم الجمهوريون بمساءلة هانتر بايدن الذي تمت إدانته قبل سنتين، ولم يبق سوى اقحام الزوجات والأحفاد في خضم المعركة الانتخابية، وهذا ليس بجديد.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024