معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

مشروع قانون أميركي لمعاقبة جنوب افريقيا لتجرئها على "إسرائيل"
23/02/2024

مشروع قانون أميركي لمعاقبة جنوب افريقيا لتجرئها على "إسرائيل"

د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي

لم يكتفِ حكام الولايات المتحدة بالمشاركة العلنية الفاضحة بالمحرقة الجارية في غزّة منذ 7 أكتوبر الماضي، بل إن ميلهم الفطري المستمر لإراقة دماء الأطفال وسحق أجسادهم الطرية ـــ في استعادة لتاريخ أسلافهم بحق المواطنين السود ــ دفعهم إلى محاولة إنزال العقاب بكلّ من تجرأ على رفع الصوت عاليا بوجه "إسرائيل" وانتقادها، بالقول أم الفعل، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات أو جمعيات أو دولًا، كما فعلت جنوب افريقيا التي اتّهمت وفي وقت سابق من هذا العام، الكيان الغاصب - والغرب بالتالي - بارتكاب إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية.

وانطلاقًا من هذه النقطة، وقّع أكثر من 200 مشرّع أميركي مشروع قانون، وأرسل كرسالى إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، يدينون فيه جنوب إفريقيا، قائلين إن الاتهام "يكشف إلى أي مدى سيذهب أعداء "إسرائيل" في محاولاتهم لشيطنة الدولة اليهودية" حسب تعبيرهم. ويسعى هؤلاء المشرعون إلى تحويل هذه الإدانة إلى عقاب لجوهانسبرغ.
 
ما هو مضمون القانون الأميركي لمعاقبة جنوب افريقيا؟

عمليًا، يدّعي مشروع القانون أن المؤتمر الوطني الإفريقي، الحزب السياسي الذي حكم جنوب إفريقيا منذ نهاية الفصل العنصري في عام 1994، يحافظ على "موقف متشدد يتمثل في اتهام "إسرائيل" باستمرار بممارسة الفصل العنصري – نظام القمع العنصري الأبيض الذي ميز مجتمع جنوب إفريقيا لفترة طويلة. كما يتّهم مشروع القانون قادة "حزب المؤتمر الوطني الإفريقي" بتبني تصرفات ودوافع معادية للسامية وراء إدانتهم للمستوطنات الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، كذلك يتهمون المسؤولين الحكوميين في جوهانسبرغ، باجراء مكالمة هاتفية مع رئيس حركة المقاومة الاسلامية حماس إسماعيل هنية.

اللافت، أن أعضاء الكونغرس الموقعين على مشروع القانون وفي تصرف انتقامي من جنوب افريقيا، يحشدون كافة الآفات المؤسساتية الموجودة داخل حكومتهم واحزابهم (ليس اقلها كوراث الرئيس السابق دونالد ترامب وتهمه الـ 91 منها الاغتصاب والتهرب الضريبي، أو الجدل الداخلي حول اهلية بايدن تولي ولاية ثانية)، ويجهدون لالصاقها بتلك الدولة عبر اتهامها بالفساد وعدم الكفاءة وعدم القدرة على حكم نفسها. ولهذا كتبوا أن "الحكومة لديها تاريخ من سوء إدارة مجموعة من موارد الدولة إلى حد كبير، وأثبتت في كثير من الأحيان عدم قدرتها على تقديم الخدمات العامة بشكل فعال، مما يهدّد شعب جنوب إفريقيا واقتصاد جنوب إفريقيا".

الجدير بالذكر أن الدعوات لمعاقبة جنوب إفريقيا، كانت قد تزايدت منذ ديسمبر/كانون الأول 2022، عندما سمحت البلاد لسفينة الشحن الروسية "ليدي آر" الخاضعة للعقوبات الأميركية، بالرسو. لكن جوهانسبرغ نفت مزاعم تفريغ أسلحة روسية في موانئها.

ما هو تأثير هذا القانون على إدارة بايدن وحزبه الديمقراطي؟

الغاية الرئيسية من هذا القانون، هي ضرب أحد أكبر المحركات الاقتصادية في إفريقيا بسبب "الجريمة المفترضة" المتمثلة في الوقوف ضدّ الإبادة الجماعية والممارسات العنصرية الفاشية التي تقوم بها الحكومة النازية الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.

لكن مهلا، لهذا القانون تداعيات سلبية على مستوى السياسة الخارجية الأميركية ذاتها. فمعاقبة جنوب إفريقيا لا تبدو خطوة ذكية للغاية أيضًا بل غبية، بحسب العديد من الخبراء والساسة الأميركيين. إذ تعد جنوب إفريقيا أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في القارة، حيث كانت بلغت قيمة السلع المتبادلة بين البلدين حوالي 21 مليار دولار في عام 2021.

زد على ذلك أن الإدارات الأميركية المتعاقبة، بما في ذلك إدارة بايدن، كانت أعلنت صراحة أن مصلحة الولايات المتحدة في إفريقيا تتعارض مع نفوذ الصين. وبالتالي مع هذا القانون تدفع واشنطن وبكل قوة جنوب إفريقيا إلى أحضان منافسي الولايات المتحدة اي بكين وروسيا أكثر فأكثر.

وتعقيبا على ذلك قال أحد الموظفين الديمقراطيين في الكونجرس: "لدينا الكثير من الخلافات السياسية مع الدول في جميع أنحاء العالم، لنأخذ على سبيل المثال تركيا التي لديها صداقة مع روسيا وصداقة علنية مع حماس. واتفقنا للتو على إرسال مجموعة من طائرات إف - 16 إليهم". وأضاف "مشروع القانون يبدو في الواقع وكأنه مضايقة لجنوب إفريقيا".
 
علاوة على ذلك، فإن تداعيات هذا القانون حافلة بالمساوئ والأخطار خصوصًا بالنسبة للديمقراطيين. فهو لا يساعد حزب الرئيس بايدن في إعادة انتخابه من خلال الظهور بمظهر معادٍ لجنوب إفريقيا، بينما يتحول الأميركيون السود والعرب والمسلمون بشكل متزايد ضدّ سياسة الإدارة في غزّة. ولهذه الغاية دعا أكثر من 1000 من الزعماء الدينيين ذوي البشرة السمراء إلى وقف إطلاق النار في غزّة. وفي الشهر الماضي، أظهر استطلاع أجرته صحيفة "يو إس إيه توداي" و"جامعة سوفولك" أن دعم السود لبايدن، انخفض إلى 63 بالمئة، بعد أن كان 87 بالمئة في عام 2020.
 
من هنا، يعقبّ المؤسس المشارك لمنظمة Black Voters Matter، كليف أولبرايت على الضرر السياسي المحتمل من وراء هذا القانون قائلًا: "الكثير من الناس في المجتمع يشعرون بالإحباط من الحزب الديمقراطي، وليس فقط من الرئيس بايدن". ويضيف "والآن، يعمل بعض الديمقراطيين مع الجمهوريين على مهاجمة بلد نتعاطف معه.. في قضية يتعاطف معها معظم الناخبين السود. وهذا لن ينتهي بشكل جيد بالنسبة للديمقراطيين إذا انتهى بهم الأمر إلى الانضمام إلى الجمهوريين في هذا الشأن. هذه قضية انتخابية خطيرة".

ماذا عن موقف جنوب افريقيا؟

لم تأبه جنوب افريقيا لكل حملات التهديد والوعيد والإجراءات العقابية بحقها، فبدت مثابرة ومصممة أكثر من أي يومٍ قد  مضىى على مخطّطها لتجريم الكيان الصهيوني. لذا عادت إلى محكمة العدل الدولية للمطالبة باتّخاذ إجراءات طارئة للمطالبة "بالتنفيذ الفوري والفعال" للخطوات الرامية إلى منع الإبادة الجماعية في غزّة. من هنا، قال سفير جنوب إفريقيا لدى هولندا، فوسيموزي مادونسيلا، الثلاثاء الماضي: "إن جنوب إفريقيا تتحمل التزاما خاصًا، سواء تجاه شعبها أو المجتمع الدولي، لضمان أنه أينما حدثت ممارسات الفصل العنصري الشنيعة والمهينة، يجب القضاء عليها... ووضع حد لها على الفور".

 النصر الذي حققته جنوب إفريقيا منذ فترة طويلة على نظام الفصل العنصري يعني أنها تحمل قوة أخلاقية خاصة في نظر العالم. إذ ساعدت الحركات العابرة للحدود الوطنية في إسقاط الفصل العنصري. وبالتالي فإن القوّة هي ما يخيف من واشنطن التي تدعم وتشارك بالمذبحة التي يرتكبها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في غزّة. وهذا هو السبب، وراء ردهم (اي الكونغرس) بقوة على جوهانسبرغ.
 
في المحصّلة، تروي الشواهد التاريخية، ان حركات التضامن الدولية للسود، تغلبت على استراتيجيات الاستعمار الأكثر وحشية والأنظمة العنصرية الأكثر تطوّرا. وعليه مرة أخرى، تأخذ أميركا كعادتها الجانب الخطأ من التاريخ (الأسود) فتتحدّى العالم أجمع وانحيازها ودعمها واحتضانها للقتلة والمجرمين وفي مقدمتهم الاحتلال الفاشي. فجنوب إفريقيا تستحق التقدير والثناء لوقوفها إلى جانب الفلسطينيين المضطهدين، وليس للانتقام.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل