طوفان الأقصى
جيل ما بعد تموز 2006.. فطرة ووعي ومقاومة
ليلى عماشا
يبلغ الآن مواليد ٢٠٠٦ الثمانية عشرة من عمرهم، وبالتالي جميع الذين ولدوا في لبنان منذ حرب تموز إلى اليوم هم من الأطفال والفتية والفتيات. بكلام آخر، لم يعرفوا العدوانية والهمجية الصهيونية بالشكل المباشر.
تعرّفوا إليها عبر الشاشات وأحاديث الأهل وصور الشهداء والذاكرة الجماعية المحكية، ولكن لم تتعرّف حواسهم ومشاعرهم إلى صوت القذائف والغارات ومشاهد القتل والدمار.. ذلك لم يعنِ يومًا أن لدينا جيلًا لا يعرف عدوّه، أو جيلًا خنوعًا مدلّلًا، فنعمة غياب صوت "المعارك" وآثارها عن أيّامه كان فرصة لبناء حياة آمنة وشخصيات متينة تنمو بشكل طبيعي وتدرك بحسب عمرها وتربيتها طبيعة العدوّ وطبيعة الصراع معه.
وقد سهّلت ذلك البنية العقائدية والقيمية التي تنصر الحق وتعادي الباطل، حتّى إذا كان هذا الباطل مردوعًا. لم تغب المعركة مع العدوّ عن حياة جيل ما بعد تموز ٢٠٠٦؛ حضرت في ما يعرفونه من أهلهم، من مدارسهم، من الشاشات التي تنقل ما يجري على فلسطين بشكل شبه يومي، لذلك كان طوفان الأقصى والمشاهد الأولى الآتية من غزّة صباح السابع من تشرين الأول/أوكتوبر تحمل فرحة فهمها الصغار وتفاعلوا معها، كما تفاعلوا لاحقًا مع إخوانهم وأخواتهم في عزّة، والذين يتعرّضون للإبادة على مرأى العالم ومسمعه.
تفاعلوا مع كلّ طفل وطفلة ممّن ظهروا على الشاشات وهم يبكون اخوتهم واهلهم، أو يبحثون عمّن يساعدهم في العثور على أمّهم. ورغم حرص الكثير من الأهل على تجنيب أطفالهم رؤية المشاهد الدموية، إلّا أن لا أحد حجب عن أولاده حقيقة ما يجري. بقوّة الفطرة السليمة والوعي النّامي، نصر الأطفال في لبنان اخوتهم في غزّة. فهمهم للمعركة ولعدوانية "إسرائيل" وتفاعلهم الحقيقي والوجداني مع العائلات في غزّة، سهّل عليهم فهم المعركة القائمة على جبهة لبنان، والتي بالمناسبة عجز بعض البالغين الراشدين عن فهمها.
بالنسبة لأطفالنا هي معركة النصرة والمساندة وكلمة الحق وطلقات الحقّ وصلياته في وجه عدوّ مستكبر. وحين بدأت الغارات والقذائف والاستهدافات تشعل أرض الجنوب، وصار لنا في كلّ يوم موعد مع زفّة شهيد، وبعد أن نزح عدد كبير من العائلات في القرى الحدودية، كان الأطفال في واجهة المعاناة المستجدة. إلا أنها لم تشكّل صدمة بالنسبة إليهم، على الأقل هم يعرفون العدوّ الذي يقوم بهذه الاعتداءات ولا يعني ذلك أنّهم لا يخافون؛ بالأصل ليس مطلوبًا منهم ألّا يخيفهم صوت الطائرات المعادية أو دويّ الانفجارات المتنقّلة. فالخوف طبيعة بشرية لا تقتصر على الصغار.
أما بعد، لنا الآن في السماء مع أطفال غزّة، ليان وريماس وتالين شور، حسين وأمير محسن، محمود عامر، وأمل الدرّ. نعرفهم كأمهات وآباء، وأطفالنا يعرفونهم كإخوة لهم.. ولنا، جيل وأكثر تربّى في زمن ما بعد تموز ٢٠٠٦، يتعرّف اليوم بحواسه كلّها على المعركة، بالإضافة إلى معرفته المسبقة "نظريًا" بالعدوانية الصهيونية، ولا يزيده ذلك إلّا ارتباطًا بالمقاومة.