نقاط على الحروف
الحرب.. درس حيّ في ثقافة الحياة
ليلى عماشا
يتواصل استخدام مصطلح "ثقافة الحياة" وتحويله إلى مفهوم مبتذل لا تتعدّى دلالاته خصائص الحياة بمعناها البيولوجي، والتي يحظى بها كلّ كائن حيّ، وإلى عبارة تختزن كمًّا هائلًا من التسطيح والتجهيل والفردانية. وإن كانت محاولة تصويب وشرح المعنى الحقيقي لمفهوم الحياة مسألة يسيرة بالنسبة إلى الذين ارتقوا بإنسانيتهم، وفهموا المعنى الحقيقي والسّامي للحياة، فاليوم وتحت النار لا داعي للإكثار من الكلام والشرح، فلدينا نماذج ناطقة بغير جهد الكلام، تشرح لمن يجيد الإصغاء والفهم المعنى الأدقّ والأسمى لثقافة الحياة، وبها تواجه ثقافة الإرهاب والإبادة والتهجير وأهلها، وتنتصر.
أتاحت منصات التواصل الاجتماعي سرعة التعارف بين الناس، وبين الذين ارتقوا، وبشكل أو بآخر أسهمت بتسريع توثيق الأثر والمآثر، أقلّه ما عُرف منها، وبالتالي في التعريف بنمط حياة الشهداء ودورهم الأساسي في صناعة قواعد ثقافة الحياة. تطول لائحة أسماء الأقمار الذين ارتقوا على طريق القدس، فلكلّ منهم طريقته في رسم شكل من أشكال ثقافة الحياة؛ ومن دون الخوض في التفاصيل التي - بحمد الله- تغرق منصات التواصل حبًّا، والتي في كلّ يوم تشتدّ وضوحًا وتزيد من ألق البيئة التي تحتضن هذا الكمّ الهائل من المفاهيم الثقافية التي تؤسّس للارتقاء بالإنسان: وهب الأعضاء، الخدمة في مجالس الحسين (ع)، التعليم، الصداقة، نكران الذات، الفداء، المعرفة المتقدّمة في مختلف ميادين الحياة، السموّ الإنسانيّ والأخلاقي المشهود.. المشهود حدّ بثّ الحياء في كلّ الأرواح الشّاهدة.
يحاول الخائبون في هذا البلد تصوير الشهداء وبيئتهم بصورة غارقة في العبثية؛ وكأنّهم جماعة لا ترتبط بالأرض وبمحيطها. وهذا التصوير المغرض والمضلّل جزء من مسار تغريب بيئة المقاومة وعزلها. أو يأخدون عليها ارتباطها بمنظومة قيمية تحفظ الإنسان وروحه وتدفعه إلى الإرتقاء، ويحسبون كلّ ذلك عداءً مع الحياة؟ وما الحياة بمفهومهم؟ وجود بيولوجي ينحصر داخل ذاته ومساره المحتوم، وهو المعنى الأشد سطحية والأقرب إلى الغرائزية والأبعد عن الإنسان ككائن عاقل اجتماعي راقٍ يجيد تهذيب غرائزه وتسييرها وفقًا لمبادئه وقناعاته ومعتقداته.
إن كان على المرء الحرّ- وبمعزل عن أي موقف مسبق- أن يختار بين ثقافة حياة ترتقي بالأسرة - وعوائل الشهداء خير شاهد على ذلك -وأخرى ترى ثقافة الحياة عزلًا للفرد عن مجتمعه وإغراقه في غرائزه.. بين ثقافة حياة تعزّز البذل وتبادر إلى الفداء من دون منّة وتهدي النّصر المحقّق بدم حبّات عيونها إلى الكلّ، وأخرى تدعو العدو جهارًا إلى محو هذه البييئة من الوجود.. بين ثقافة تهبّ وتهدي وتمنح وتعلّم وترتّب وتخوض معركة نصرة الحقّ وتنتصر، وأخرى تعاني الفشل وترتكب التضليل وتجترّ الخيبات وتمارس التبعية للعدوّ في أقذر مظاهرها.. فالعاقل الذي يعتمد على الأقل مقياس الأخلاق والإنسانية، سيختار حتمًا معسكر ثقافة الحياة الواردة في الاحتمالات الأولى، وينبذ "الحياة" الخالية من أي معنى سوى ما ورد في الاحتمالات الثانية..
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
12/11/2024
جونسون بعد شيا: وكر الشرّ لا يهدأ
09/11/2024
أمستردام وتتويج سقوط "الهسبرة" الصهيونية
08/11/2024
عقدة "بيت العنكبوت" تطارد نتنياهو
07/11/2024