معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

بحثٌ عن بدائل لفشل العمليات ضد اليمن.. هل تتورط واشنطن مباشرة في المستنقع؟
14/02/2024

بحثٌ عن بدائل لفشل العمليات ضد اليمن.. هل تتورط واشنطن مباشرة في المستنقع؟

عبد الحسين شبيب

ما الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة الأميركية مع حلفائها لليّ ذراع القيادة اليمنية في صنعاء ووقف دعمها العسكري للفلسطينيين في قطاع غزّة بعد فشل الرهان على برنامج الضربات العسكرية المستمر من دون نتائج حاسمة؟

يتموضع هذا السؤال في صدارة الاهتمام في مسار الأمور في منطقة البحرين الأحمر والعربي. الخلفية لا تكمن فقط في القراءة الأميركية للخروج اليمني إلى البحر بهذه الجرأة وبهذا الزخم وبهذا الإصرار دعمًا لفلسطين فقط. أساسًا؛ الأميركيون منذ بدء الهدنة الأولى في اليمن بعد ثماني سنوات من العدوان وتجديدها عدة مرات وهم يعطّلون الحل السياسي المرتقب ويضعون فيتو واضحًا على كلّ الصيغ التي نوقشت وكادت توقّع. عند واشنطن تصور لمرحلة ما بعد العدوان السعودي الأميركي الإماراتي الإسرائيلي على اليمن يتمحور حول هدف رئيسي هو تقويض مكاسب أنصار الله ومنع تحول هذا البلد الناهض إلى قوة إقليمية فعالة مع تموضعه الرسمي في محور المقاومة.

إذًا ما هو العمل الآن بالنسبة إلى واشنطن في ما يمكن اختباره ضدّ صنعاء؟

عدة تقارير تحدثت سابقًا عن تحضيرات لإشعال الجبهات الداخلية مع صنعاء تقودها الإمارات مع فريقها اليمني المكوّن من المجلس الانتقالي الجنوبي والأطر العسكرية التي شكّلتها في المحافظات الجنوبية (الأحزمة الأمنية)، وأيضًا تشكيل طارق صالح المنتشر على الخط الساحلي للبحر الأحمر من تخوم الحديدة - الدريهمي إلى مضيق باب المندب، وبعض الفصائل الأخرى في الجوف ومأرب وتعز.

تبدو دولة الإمارات متحمسة لهذا الخيار؛ لأنها تضررت من توسع الدور السعودي في الجنوب وإعادة إمساك الرياض منذ مدة بهذا الملف مباشرة، وشعرت أنه جرى إقصاؤها عن النقاش المرتبط بالحل السياسي في اليمن عموما"، وهي تحاول أن تقنع الولايات المتحدة بالاندفاع في خيار إعادة تشغيل الجبهات العسكرية على خطوط الاشتباك مع أنصار الله. وأيضًا تحاول إقناع الأميركيين بجدوى عملية عسكرية في الحديدة يقدم فيها الأميركيون والبريطانيون إسهامات ميدانية مباشرة للسيطرة على الخط الساحلي من المخا إلى تخوم جيزان، وحرمان صنعاء من التواجد على البحر كليا". هدف من هذا النوع يؤثر على أي مسار مستقبلي للحل النهائي في اليمن، وهو تفكير جدي دائم عندهم، وقد عُبّر عنه في خارطة تقسيم اليمن إلى ستة اقاليم يتمركز فيه أنصار الله في إقليم معزول عن البحر والنفط والثروات. عرّاب هذا التقسيم هو أحمد بن مبارك عندما حاول تمريره في جلسة مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء قبل العدوان، فاحبطه أنصار الله حينذاك واعتقلوا رجل واشنطن المكتمل الأوصاف الأميركية. يريد الأطراف الثلاثة (الإمارات، واشنطن - لندن، ومرتزقة العدوان) تقويض المكاسب التي حققها أنصار الله بعد الحرب عليهم، وهم يلاحظون -أي الأطراف الثلاثة-  رغبة سعودية بالخروج من المأزق اليمني حتّى لو أدى ذلك إلى تعزيز مكاسب أنصار الله.

ما يعزز هذا التوجّه قناعة الجانب الأميركي بضرورة كبح جماح صنعاء بعيد خروجها العسكري إلى البحر الأحمر دعمًا لغزّة، لأن هذا الخروج بالنتائج التي حققها حتّى الآن والمعادلات التي هي في طور التشكّل بالقوّة العسكرية اليمنية ستمس بالتفرد التاريخي للغرب في إدارة المياه الدولية، خصوصًا تلك التي تمر فيها النسب الأكبر من التجارة العالمية، فضلًا عن أن احتكار الإدارة العسكرية للبحار هو امتياز غربي أميركي بريطاني بات مهدّدًا الآن في أهم مضيقين قي غرب آسيا، وهما هرمز وباب المندب، ولا يستبعد أن يشمل أيضًا مثل هذا التهديد مضيق جبل طارق في المستقبل.

لذلك؛ التوجس الأميركي يتجاوز المرحلة الراهنة المرتبطة بالحرب في غزّة إلى ما بعد الحرب، أي اليوم التالي في الشرق الأوسط، وليس اليوم التالي في غزّة أو الكيان الإسرائيلي المؤقت حصرًا، لأن التشبيك العملي الذي ترجمه محور المقاومة من عدة جبهات: لبنان، العراق، واليمن، دعمًا لغزّة قرع جرس الإنذار في واشنطن ولندن وبعض العواصم الأوروبية عن رغبة وحافزية وقدرة ممكنة لهذا المحور لتكرار التجربة في جبهات أخرى، حيث تعتقد تلك العواصم أن مرحلة استفراد طرف بذاته من محور المقاومة لم تعد قائمة، وأن حرب غزّة واداء المحور خصوصًا" في البحر الأحمر والبحر العربي - العراق أيضًا عبر استهداف البحر المتوسط- كشف فرصًا ونقاط قوة للمحور مقابل تهديدات ومخاطر للمحور الغربي.
يستدل على هذه القناعة من بروز الدور البريطاني في قضية البحر بشكل واضح وغير مسبوق، وهذا يعكس طبيعة فهم لندن للمخاطر الناجمة عن تركهم الأمور خارج السيطرة. لذلك؛ لا بد من المخاطرة - المغامرة مجدّدًا في اليمن؛ لأن ثمن عدم التدخل برأي بعضهم سيكون أكبر من ثمن التدخل العسكري. لذلك؛ بدت لافتة القفزة الأميركية السريعة مؤخرًا داخل اليمن. فبعدما بدا أن السعودية همّشت جميع حلفائها ومرتزقتها وفتحت مسارات تفاوضية مع صنعاء أثارت قلق من تشاركوا مع الرياض لسنوات في العدوان، فنحّت واشنطن الجميع جانبًا واستحضرت رجلها أحمد بن مبارك نفسه وعيّنته رئيسًا للوزراء بديلًا من معين عبد الملك ورمت حصانة واضحة فوق رشاد العليمي رئيس المجلس الرئاسي المشكّل في الرياض ايضًا، وباتت الإدارة الأميركية عبر سفيرها ستيفن فاجن ومبعوثها الرئاسي الخاص إلى اليمن تبموثي ليندركينغ تدير كلّ التفاصيل اليمنية مع قدر أكبر من إشراك "أبو ظبي" في المهمّة الجديدة انطلاقًا من تصور جديد لإشعال الجبهات وإشغال القوات المسلحة اليمنية لمحاولة تبديد قدراتها العسكرية وتوزيعها على خطوط اشتباك داخلية تلهيها عن الاستمرار في دعم المقاومة الفلسطينية.

التريث السعودي في توقيع اتفاق سياسي جاهز منذ مدة طويلة يطرح تساؤلات عن خلفيات هذا التريث في مرحلة حساسة جدًا بدأت من غزّة، وتطل السعودية مجددًا برأسها لاقتناص دور مهم في مرحلة ما بعد العدوان على غزّة يبنى عليه مشاريع كثيرة في المنطقة تقع واشنطن في قلب الساعين لإنفاذها قبل فوات الاوان.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات