معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الثورة الإيرانية بعد 45 عامًا.. نجاحات بحجم التحديات!
13/02/2024

الثورة الإيرانية بعد 45 عامًا.. نجاحات بحجم التحديات!

عادل الجبوري

ربما يقول قائل إن تحديات وضغوطات وتهديدات ومؤامرات وعقوبات كالتي تعرضت لها الجمهورية الإسلامية الإيرانية على امتداد خمسة وأربعين عامًا، ربما كانت كافية لتطيح بدولة كاملة، بنظامها السياسي، ونسيجها الاجتماعي، وقوتها الاقتصادية.

وربما يقول قائل، أيضًا، إن الكّم الكبير من الإمكانيات والقدرات والموارد الاقتصادية والمالية والإعلامية والسياسية والمخابراتية التي عبّأتها الحكومات والأنظمة الغربية والإقليمية لإفشال الثورة الإسلامية وإسقاط نظامها السياسي الإسلامي،  كافية لبناء بيئة سياسية سليمة، وصياغة منظومة علاقات بناءة، قائمة على أساس المصالح المتبادلة، ومرتكزة على قيم السلام والوئام والتعايش الصائبة، وفقًا للاعراف والمواثيق الدولية والإنسانية، بدلًا من المعارك والحروب والصراعات الدموية العبثية.

ولا شك أن التغلب على التحديات والتهديدات والضغوطات والعقوبات التي لم تتوقف ولم تنقطع يومًا واحدًا، يعد وفق كلّ المقاييس انتصارًا لإيران، والانتصار لا يرتبط بمجرد البقاء وتجنب السقوط والانهيار، وإنما يرتبط في جانب كبير منه بالتقدم والنهوض في شتّى الجوانب والمجالات، فضلًا عن الحضور الايجابي الفاعل والمؤثر في مختلف الساحات والميادين والمحافل الإقليمية والدولية.

كيف تغلبت إيران على كلّ ذلك؟

لعل العامل والعنصر الأساس والأهم لذلك النجاح، تمثل بطبيعة وعقلية واخلاص وصدق القيادة، المتمثلة بالإمام الراحل آية الله العظمى الإمام الخميني ومن كان معه، تلك القيادة التي وضعت اللبنات الأولى للثورة قبل أربعة عشر عامًا من انتصارها، وتحديدًا من المدرسة الفيضية في مدينة قم المقدسة عام 1963.

فقد اتسمت رؤية الإمام الخميني بالشمولية والعمق وسعة الأفق، بحيث إن الإمام الخميني لم يكن يتعاطى مع الوقائع والأحداث بظواهرها ومظاهرها الآنية اللحظية، وإنما بأبعادها وتفاصيلها وجزئياتها الدقيقة والبعيدة والعميقة. فضلًا عن الحرص والاهتمام والاعتماد على العوامل والأسباب المعنوية والمادية التي من شأنها الحفاظ على ديمومة الثورة واستمراريتها، إلى جانب تعبيرها عن هموم وتطلعات وطموحات الناس، وعدم حصرها وتحديدها في أطر جغرافية أو قومية أو مذهبية أو دينية أو مناطقية معينة.

الثورة نجحت في التأسيس لدولة عادلة وقوية وفاعلة ومؤثرة، وضع أسسها مفجر الثورة وقائدها، ومن ثمّ رسخها وعززها ومنحها المزيد من القوّة، رجالها الأوائل

هذا جانب، والجانب الآخر، يتمثل في أن الإمام الخميني ما كان له أن ينتصر ويوصل الثورة إلى مبتغاها لولا وجود مجتمع مؤمن بقضيته، وواع ومدرك تمام الإدراك لعدالة وحقانية تلك القضية، واعتبارها الطريق الأنجع والأسلم لتحقيق الإصلاح المجتمعي الشامل، دون الاقتصار على إسقاط النظام السياسي الحاكم واستبدال نظام سياسي آخر بالنظام الموجود، كما هو معروف ومألوف في العديد من الدول في مختلف العهود والأزمان.

ومما لا خلاف عليه هو أن التضحيات الكبرى للشعب الإيراني، كان لها الأثر الكبير في انتصار الثورة، ومن ثمّ الحفاظ على مسيرتها الصائبة، وترسيخ جذورها، وتوسيع مدياتها وآفاقها. فما تحقق من انتصارات ومكاسب وإنجازات، كان في واقع الأمر نتائج دماء غالية وأرواح عزيزة لمختلف فئات المجتمع، ابتداءً من كبار علماء الدين ورجال الدولة، مرورًا بالنخب السياسية والعلمية والثقافية والاعلامية والعسكرية، وصولا إلى المقاتلين في جبهات القتال، إذ إن مسيرة التضحيات لم تنتهِ وتتوقف بنهاية الحرب المفروضة (1980 - 1988)، بل استمرت وتواصلت حتّى الآن، وستبقى متواصلة.

والأمر الآخر، أو العامل الآخر، هو أن الثورة نجحت في التأسيس لدولة عادلة وقوية وفاعلة ومؤثرة، وضع أسسها مفجر الثورة وقائدها، ومن ثمّ رسخها وعززها ومنحها المزيد من القوّة، رجالها الأوائل، لتتواصل عملية البناء والنهوض ولتتحول التهديدات والتحديات إلى فرص وإنجازات بعد رحيل الإمام الخميني وتصدي آية الله العظمى السيد علي الخامنئي لزمام القيادة.

بعبارة أخرى يمكن القول إن الثورة الإسلامية الإيرانية، استطاعت مواجهة وتجاوز تحديات كبيرة وخطيرة طيلة الخمسة والأربعين عامًا المنصرمة، ونجحت في البقاء والصمود، وتمكّنت من بناء نظام سياسي متميّز يختلف في الكثير من خصوصياته وميزاته عن الأنظمة السياسية القائمة في المحيط الإقليمي وفي عموم المجتمع الدولي، وإنها زاوجت وبقدر كبير من النجاح بين آليات ومناهج وسياقات المفاهيم السياسية المعاصرة كالديمقراطية والتعددية وتداول السلطة وحرية التعبير والعمل السياسي، وبين قيم ومبادئ الدين الإسلامي التي شكلت هويتها الأساسية. وكذلك فإنها استطاعت التوفيق بين الثوابت الوطنية والدينية ومصداقية الشعارات التي رفعتها من جهة، وبين المصالح السياسية والاقتصادية التي ينبغي الاهتمام بها وعدم إهمالها في ظلّ  واقع إقليمي ودولي لا يحتمل انعزال وانكفاء أيّ من مكوناته من جهة أخرى.

وبلا شك فإن ترسيخ مبدأ المشاركة السياسية والممارسة الديمقراطية ضمن الإطار الإسلامة، من خلال الانتخابات، سواء الرئاسية أو البرلمانية أو البلدية، أو انتخابات مجلس الخبراء، حظي بأاعلامية الواسعة لطرح ومناقشة مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والشفافية والوضوح في تهتمام كبير، بحيث إنه في المعدل العام، تجري في كلّ عام انتخابات معينة، إضافة إلى المساحات والفضاءات الشخيص مكامن الضعف والخلل والانحراف، وتصدي المؤسسات الحكومية المعنيّة للتوصل إلى الحلول والمعالجات المطلوبة.

وبما أن الثورة لم تنكفئ على نفسها، ولم تتحدد بأطر جغرافية معينة، وتنشغل بهموم ومشاكل المجتمع الإيراني فقط، لذا فإن قضايا الشعوب والمجتمعات المضطهدة والمظلومة ــ أو بعبارة أخرى المستضعفة ــ شغلت حيزًا كبيرًا من اهتمام قيادات الثورة والدولة في إيران، فقد كانت فلسطين وما زالت حاضرة دومًا وهي تقارع الاحتلال الصهيوني البغيض، ونفس الشيء بالنسبة للعراق وسورية حينما تعرضا للإرهاب التكفيري الداعشي، واليمن حينما واجه العدوان الأميركي ــ الغربي، وغيرها من الدول والشعوب والمجتمعات. وظهور وتوسع وترسخ جبهة المقاومة بمحورية الجمهورية الإسلامية الإيرانية دليل شاخص على ذلك.

وإذا كانت نجاحات الثورة الإسلامية الإيرانية بحجم وسعة التحديات والتهديدات التي تعرضت لها، فذلك يعني أنها انتصرت في كلّ المواجهات، وتفوقت في كلّ المجالات، وتقدمت في كلّ المسارات.

ذكرى انتصار الثورة الاسلامية في ايران

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات