معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

عشرة الفجر ومقدمات الطوفان
09/02/2024

عشرة الفجر ومقدمات الطوفان

إيهاب شوقي

لم تكن الثورة الإسلامية في إيران تحولًا استراتيجيًا لإيران فقط، ولكنها شكلت تحولًا لغرب آسيا وللشرق الأوسط ككل، ولن نكون من المجازفين إن قلنا أنها شكلت أثرًا كبيرًا على الصراع الدولي الذي لا يزال ممتدًا حتّى الآن، لأنها أفقدت الهيمنة الأميركية ضلعًا وازنًا في هذه المنطقة الهامة والاستراتيجية من العالم.

كانت أميركا تعتمد على ضلعين وازنين في المنطقة وهما تركيا التي كانت جزءًا لا يتجزأ من حلف الناتو، وإيران بموقعها الاستراتيجي على المضائق والمحيط الروسي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى بالصلة الوثيقة بين تركيا وإيران والوطن العربي، وتشكيلهما لمداخل هامة وبوابات استراتيجية يمكن بالتحكم بها، إحكام الحصار والهيمنة على العرب وابتزاز الأنظمة العربية بهذه السيطرة لمن يحاول التمرد والخروج عن الطوع الأميركي.

كما كانت إيران الشاه حليفًا وثيقًا للعدو الإسرائيلي وضامنًا لمصالحه وشرطيًا للمنطقة يشكّل عصا في يد الأميركي تقود الخليج وتنظم سيره في القطيع الأميركي.
وبالتالي كانت القضية الفلسطينية وهمومها وحملها حكرًا على الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة والأنظمة العربية المقاومة بقيادة مصر عبد الناصر وسورية وكلّ الأنظمة التي شاركت في الحروب وساندتها، باستثناءات صغيرة لدول كانت تنافق سياسيًّا وتعمل مع أميركا والعدو من تحت الطاولة في الخفاء ولكنها لا تجرؤ على الإعلان عن تخلفها عن القضية المركزية.

بينما كانت إيران الشاه حليفا وثيقا لأميركا والصهاينة، وشكلت النكسة في العام 1976 أولى الاهتزازات لعرش الشاه بعد التحركات الثورية الغاضبة لقادة الثورة الإسلامية وأنصارها بالداخل.

وبعد سنوات التسوية والسلام المزعوم وخروج مصر من الصراع مع معاهدة السلام المشؤومة، نجحت الثورة الإسلامية في إسقاط نظام الشاه في مشهد استلام تاريخي لقيادة المقاومة بعد الخروج الطوعي للقيادة العربية المشكلة في مصر.

وتزامنت المراحل الأخيرة من الثورة وصولًا إلى عشرة الفجر ونجاح الثورة مع معاهدات كامب ديفيد وتوقيع اتفاقية (السلام) في مشهد تاريخي لافت يقول إن القضية لها حملتها ورعاتها وإنها استبدلت أنصارها ورعاتها القدامى بأنصار ورعاة جدد لتظل باقية ومتقدة وليظل خيار المقاومة حيًا عصيًا على التصفية.

وأعلنت الثورة الإسلامية منذ لحظاتها الأولى احتضانها للقضية الفلسطينية، ففي 19 فبراير 1979، أي بعد أسبوع واحد من إعلان انتصار الثورة أُغلقت السفارة الإسرائيلية في طهران رسميًا، وحلت السفارة الفلسطينية محلها، وتم تسليم مبنى السفارة الإسرائيلية بكلّ محتوياته، من تجهيزات ووثائق، إلى الفلسطينيين.

كما أعلن الإمام الخميني بعدها بأشهر وتحديدًا في 7 آب/ أغسطس من العام نفسه، أن "يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك هو يوم عالمي للقدس الشريف"، وقال عبارته الجميلة: "يوم القدس يوم حياة الإسلام".

واستمرت مسيرة الثورة الإسلامية في دعم جميع حركات المقاومة وتسليحها وتمويلها وتشكيل طوق مقاوم يشدد الخناق على العدوّ الإسرائيلي وهو ما يعرف اليوم بمحور المقاومة وما تمخض عنه من وحدة للساحات المقاومة، كما استمرت الجمهورية الإسلامية في صمودها ومقاومتها للهيمنة الأميركية والحصار التاريخي المفروض عليها، وإضعاف الراعي الرئيسي للصهاينة إقليميا ودوليا والنيل من هيبته وإسقاط نظرية ردعه، وهو ما نشهد له اليوم انعكاسات كبرى على المعركة الراهنة والمأزق التاريخي والوجودي للكيان الصهيوني وللهيمنة الأميركية بالمنطقة.

لم تكن عشرة الفجر حكرًا على إيران ولا فجرًا لها فقط، بل كانت فجرًا جديدًا للقضية الفلسطينية التي عانت من نذر ليل طويل بعد غروب شمس المقاومة العربية، لتصبح على فجر مقاوم جديد عبر حركات المقاومة برعاية ثورة لم تتخلى عن ثوريتها حتّى مع التحول إلى دولة إقليمية كبرى.

لا شك أن طوفان الأقصى كان بفضل تراكمات تاريخية كبيرة، ولكن أبرزها ما تم تشكيله من مراكمة للقوة والتدريب والتسليح والدعم السياسي وإسناد كافة جبهات المحور المقاومة ببركات الثورة الإسلامية، والذي يجعل من عشرة الفجر مقدمة حقيقية وموضوعية للطوفان المبارك.

ذكرى انتصار الثورة الاسلامية في ايران

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف