خاص العهد
هل من إمكانية لاستيفاء الدولة الضرائب الاستثنائية على الشركات؟
فاطمة سلامة
لم يرُق للشركات والقطاعات الأساسيّة التي شملها دعم مصرف لبنان طيلة السنوات الماضية فرض ضريبة استثنائية على استفادتها السابقة من منصة "صيرفة" وملف الدعم. إضافة بند في الموازنة بقيمة 10 بالمئة على الشركات التي استفادت من سياسة الدعم، جعلتها تتّخذ من الإضراب ورقة ضغط للتخلُّف. وفق قناعات تلك الشركات، وعلى رأسها المستوردة للنفط، فإنّ المستفيد من منصة "صيرفة" وملف الدعم هو المواطن اللبناني. الأخير ــ برأيهم ــ حصل على المواد بأسعار مخفّضة. أما الواقع، فيُبيّن أنّ تلك الشركات والقطاعات جنت أرباحًا هائلة وخيالية من ملف الدعم الذي لم يستفد منه المواطن كما يجب. وفي هذا السياق، تعود بنا الذاكرة إلى موجة الاحتكار التي سادت لفترة، والأسعار الخيالية التي بيعت فيها المواد في السوق السوداء جراء تخزينها وحرمان المواطنين منها. وعليه، هل يحق للدولة فرض الضريبة المذكورة؟ وهل من إمكانية للتطبيق؟.
الخبير المالي والاقتصادي الدكتور عماد عكوش يُقارب القضية بالإشارة إلى أنّ ثمّة قطاعات عديدة استفادت من ملف الدعم ومنصة "صيرفة" على رأسها قطاع المحروقات، الأدوية، الطحين، المواد الغذائية، فضلًا عن عدّة قطاعات أخرى أساسيّة جنت أرباحًا كبيرة جدًا قُدّرت بـ12 إلى 13 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق موازنة الدولة. لكنّ عكوش يُشير إلى أنّ ثمّة ضبابية لغاية اليوم تُغلّف الضرائب التي وردت في الموازنة. البعض فسّر ضريبة الدعم على المبالغ التي دُفعت لهذه الشركات، والبعض فسّرها كضريبة على الأرباح التي حقّقتها هذه الشركات من خلال عملية الدعم، لكنّ المشكلة ــ وفق عكوش ــ تتعلّق في كيفية الوصول إلى المبالغ الحقيقة. الشركات تقول إنها أخذت الأموال وباعت المواد كما طلبت منها الحكومة اللبنانية بأسعار مخفّضة، وبالتالي تتذرّع بأنها لم تحقّق أرباحًا، وبأنّ أرباحها كانت عادية، واستفاد من أسعارها المواطن اللبناني. وفي هذا السياق، يقول عكوش: "ما تقوله الشركات لم يحدث، حصل تهريب كبير، وهناك كميات كبيرة جدًا بيعت في السوق السوداء وأخرى هُرّبت إلى الخارج". لكن المعضلة ــ وفق حسابات عكوش ــ تكمن في إيجاد طريقة نحدد من خلالها إذا ما حقّقت الشركة أرباحًا أم لا؟.
الأمر ذاته ينطبق على منصة "صيرفة"، وفرض ضريبة على الشركات التي استفادت منها. تلك الشركات تقول أيضًا إنها اشترت بأسعار معينة وباعت في السعر الذي طلبته منها الحكومة اللبنانية. وهنا، يشدّد عكوش على ضرورة أن يتضمّن القانون وضوحًا وتفسيرًا أكثر، لكن المؤسف من وجهة نظره أنّ الحكومات والمجلس النيابي دائمًا ما يصدران قوانين غير واضحة ومتروكة للاستنسابية والاجتهاد. يرسم عكوش في قراءته الاقتصادية خارطة طريق لاسترداد الدولة لتلك الأموال، فيوضح أنّ المنطق يفترض أن يُدرج في القانون الطلب من مصرف لبنان الذي يمتلك ملفات هذه الشركات ولديه كلّ الأسماء التي استفادت من "صيرفة" والدعم، الطلب منه تحويل هذه الملفات إلى التفتيش، ووضع حد أدنى. على سبيل المثال، يطال التفتيش الشركة التي تبلغ استفادتها الإجمالية 50 ألف دولار فتُفرض ضريبة بـ5 آلاف دولار. بحسب عكوش، لا بُد من تحديد الحد الأدنى وتحويله إلى التفتيش المالي الذي يُدقق ما إذا كانت الشركات فعلًا حقّقت أرباحًا، وما إذا ذهبت هذه الأموال إلى الخارج أو أي وجهة أخرى. كما يحقّق التفتيش في ما إذا بيعت البضاعة فعلًا بالسعر المدعوم أم هُرّبت إلى الخارج وبيعت في السوق السوداء.
يُشدّد عكوش على أنّ خسارة الدولة كبيرة، وبإمكانها بالتأكيد استرجاع الأموال وهذا حقها. كم تبلغ قيمة تلك الخسارة؟. لا يُخفي عكوش أنّه لا يوجد أرقام دقيقة وسط غياب أي معلومات يُوفّرها مصرف لبنان للوصول إلى أرقام محدّدة، لكن يمكن تحديد الخسارة التقريبية من واقع الاحتياط الذي كان يملكه مصرف لبنان. ففي بداية الأزمة، بلغ الاحتياطي نحو 32 مليار دولار، أما اليوم فيبلغ نحو 9.2 مليار دولار تقريبًا، والفارق يبلغ نحو 21 مليار، وهذا الرقم ذهبت منه تحويلات بنحو 8 إلى 9 مليارات دولار، كما ثمّة خسارة بقيمة 2.5 مليار دولار تقريبًا لمصرف لبنان بدل منصة "صيرفة"، وحوالى 10 مليارات دولار على الدعم. بالنسبة لعكوش، فإنّ الأرقام المُدرجة أعلاه كبيرة، وكان المفترض أساسًا ليكون هناك عدالة أن يكون هناك ضريبة تصاعدية وتعود الأموال إلى أصحابها عبر إنشاء صندوق لأصحاب الودائع توضع فيه أموال المودعين التي أُخذت من الناس، لكن للأسف لا صندوق لدينا ورغم العمل على هذا المقترح إلا أنه لم يُقر.
يعود عكوش ويُكرّر أن بإمكان الدولة استرجاع الأموال وهذا حقها، لكننا غير قادرين للوصول إلى هذه الحقيقة من دون تفتيش. من حق الدولة مئة بالمئة أن تسترجع أموالها، إذ بإمكان وزارة المالية العودة 5 سنوات إلى الوراء، ولا يمكنها التذرع بالمفعول الرجعي للامتناع عن الدفع. بإمكان الدولة دراسة الملفات من تاريخ بداية الدعم الذي لا يتعدى الخمس سنوات والتدقيق في حجم الاستفادة لفرض الضريبة. أما أن نصدر قانونًا بالطريق الحالية فلا يرى عكوش أفقًا بموجبه للوصول إلى نتيجة. تمامًا كما حصل في التعميم 154 الذي أصدره مصرف لبنان وهدّد وتوعّد حياله بفرض غرامات لإعادة الحوالات التي أرسلت إلى الخارج إلا أنه لم يُنفّذ.