نقاط على الحروف
خطاب النصر.. كيف نقرأه اليوم؟
أحمد فؤاد
في يوم الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وقبل أن تمر 4 أسابيع على عملية "طوفان الأقصى" المذهلة، وما استدعته من تدخل فوري لمحور المقاومة، متدرجًا ثمّ مرتفعًا عن كلّ تصوراتنا، أو تصورات الكيان الصهيوني البائس أو مشغله وحاميه الأميركي، أعادت إلى الوجدان العربي الذي انتظر طويلًا وطويلًا جدًا زمن القدرة وزمن الانتصارات وزمن التحرير، استحضرتُ أحد أبلغ وعود سماحة سيد الوعد الصادق، السيد حسن نصر الله الذي تحدث في خطاب إيماني مهيب.
قال سماحة السيد، في ذلك التاريخ وأنقل نصًا حرصًا على التأريخ بهذه اللحظة الفارقة، قوله الذي ينضح بثقة المؤمن وعزم المقاتل وصلابة الإرادة جملته التي بدت "نصف مفهومة" للكثيرين، ممن انتظروا من سيد المقاومة أو حددوا بحافز الاندفاع سيناريو ما: "ما يجري في غزّة ليس حربًا كبقية الحروب السابقة، ليست معركة كبقية المعارك، هي معركة فاصلة، حاسمة تاريخية، ما بعدها ليس كما قبلها على الإطلاق".
بعد أكثر من 110 أيام على الحرب الكبرى المشتعلة في طول المنطقة وعرضها، فهمنا معنى جديد للصدق، سماحة السيد حسن نصر الله، حتّى بالنسبة للعدو وجبهته الداخلية هو أكثر طرف "صادق" في المنطقة، يصدقونه أكثر من وزرائهم وقادتهم، السيد - ومنذ البداية - قد وضعنا أمام معركة مفتوحة الجبهات، معركة طويلة، معركة إرادة وصمود وشموخ، معركة كما قال عنها "أخلاقية ودينية وإنسانية"، معركة "والله لتغربلن"، وضع أمام كلّ إنسان على امتداد الوطن العربي والعالم الإسلاميّ "واجباته" التي تقتضيها معركة كبرى، لن توقفها هدنة، ولا يصلح بعد كلّ تضحياتها الغالية الكريمة وقفة في منتصف الطريق.
وكما هي جبهة جنوب لبنان العزة والكرامة هي "الجبهة المظلومة" بالنسبة لما يجري في المنطقة، ارتضت هي أن يكون جهادها صدقتها ولو بغير ضجيج صخب أو إعلان يضوي ويقدم نفسه للجميع على أنه "بطل المشهد"، فإن خطاب يوم الثالث من نوفمبر كان كذلك مظلومًا في قراءاته بفعل ما أثاره إعلام الفتنة الرسمي العربي، الناعق الناطق بصوت الدجال وقلبه، وفوت الكثيرين جدًا على أنفسهم فرصة معاينة رؤية استراتيجية للصراع وتطوراته، للحرب ومسيرتها المؤكدة، ووحدة ساحاتها التي تقدم كلّ منها –بذاتها ولذاتها - من الفداء أسطورة، ومن الإرادة وصلابة الرجال معجزات حية ويومية، على جبهات الدم والنار والبارود.
سماحة السيد حسن نصر الله صدقنا بدقة الوصف وبراعة التحليل والكشف، قال لمن يؤمن درس التاريخ المتجدد، لن تهزم أمة قررت القتال، دفاعًا عن نفسها وعن شرفها وعن دينها، الأمة ليس لديها خيار سوى الخيار الذي جرى اعتماده في "طوفان الأقصى": مواجهة العدوّ الأصلي للأمة ولشعوبها، الأميركي، ومن ورائه كيان العدوّ الهش، الذي ثبت في أول ساعات القتال أنه أوهن من بيت العنكبوت.
اليوم، وقبل أن نتم 4 شهور كاملة من حرب شاملة، قد ظهرت من الشواهد ما يجعل من الانتصار عين اليقين، ولأن المساحة هنا محدودة بقدرها، فإن التلخيص والإيجاز ضروريان للإلمام بما تحقق في كامل المنطقة، وبمواجهة عالم من الأعداء، الكيان ثمّ أميركا وبريطانيا، وورائهم أوروبا الغربية، وفي آخر الطابور فئران الأنظمة العربية الرسمية، التي قررت أن تعيش للنهاية تجتر الذلة والخمول وتتعايش على فضلات الأميركي والصهيوني.
في اليمن، فقد ربحت الأمة العربية كلها دولة كبرى نهضت للمواجهة منذ اللحظة الأولى، لمواجهة كيان العدوّ التائه المرتعش، الذي بات يقبل الضربات بغير أن يمتلك حتّى تصورًا عما يستطيع أن يفعله أو يتقيها، ثمّ رفعت القيادة اليمنية والسيد القائد حسين بدر الدين الحوثي من وتيرة تدخلها، لتنتهي إلى مواجهة عسكرية بحرية مع الولايات المتحدة الأميركية في خليج عدن، ليلة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير، لتفقد الأميركي ماء وجهه فيما كان يعتبره "مرتكزه للمستقبل"، وقبله أو معه، يقدم لكل شعب عربي الدرس الغالي، أن سنوات العدوان لم تصلّب الإرادة اليمنية وتصقل روحها وفقط، وإنما هي قد حققت إنجازها الأعظم بشحذ همة الجيش اليمني وأنصار الله على امتلاك صناعات عسكرية متطورة توازي وتجابه بكفاءة العدوان الذي لاقته من أميركا، ومنذ 2015، وأن رفعها للواء مواجهة واشنطن، سيرفع من قدراتها على امتلاك أسلحة ردع الأميركي الخائب وتابعه البريطاني الحقير.
الشاهد الثاني من تطوّرات المنطقة، هي أنباء أميركية بـ"التفكير في سحب قوات احتلالها من العراق"، وهي إن صدقت أو كذبت، تكشف حجم المأزق الأميركي من تدخل المقاومة العراقية والحشد الشعبي الباسل في معركة طوفان الأقصى، واستهدافاته الناجعة للقواعد الأميركية في سورية والعراق، وصولًا إلى الضربة المباركة لمدينة حيفا بفلسطين المحتلّة، مع تدخل الحشد الشعبي بالذات، ولدماء القادة الشهداء ثأر لا يجوز لذليل، فإنها ببساطة قد عرت النفوذ الأميركي في المنطقة كلها، فهو وجود هش، وتافه، ومصالحها اليوم عارية أكثر من أي وقت مضى أمام صواريخ ومسيرات المقاومة في كلّ جبهات الاشتباك، ولا عاصم لها اليوم من أمر الله.
الشاهد الثالث جاء على جبهة العزة والكرم وآمال النصر النهائي، جنوب لبنان وحزب الله، أكثر من 110 أيام على الحرب وتهديدات قادة العدوّ تتبخر، قبل الحرب مباشرة كان خرج مسؤول صهيوني أخرق يهدّد بإعادة لبنان إلى العصر الحجري إذا ما وقعت حرب جديدة، اليوم بالذات ميرون –درة قواعد التجسس الصهيوني - تقصف بدل المرة اثنتين، والضربات الصاروخية اليومية صارت للمجاهدين أوراد الصباح والمساء، وحتّى التفكير بعدوان صهيوني جديد على لبنان صار بالنسبة لإعلامهم –هم - مدعاة للسخرية، وإذا كانت أنفاق غزّة المحدودة قد ابتلعت نخبتهم وفضحتهم، فكيف سيفتحون على أنفسهم جبهة جحيم أخرى؟
سماحة الإمام القائد، السيد علي الخامنئي –دام ظله - خرج في مؤتمر تكريم "شهداء طهران"، يوم الاثنين الماضي، ليؤكد من جديد على النصر الذي حققه محور المقاومة، بعبارات حاسمة قاطعة ناجزة، قال سماحة القائد: "انتصار أهل غزّة مؤكّد، وسيظهر الله عز وجل هذا النصـر للأمة الإسلاميّة في المستقبل غير البعيد، وستسعد قلوب المسلمين، وخاصة أهل فلسطين وغزّة". رغم كلّ الخذلان والجروح التي عانى منها محور المقاومة، ورغم طوابير الشهداء الطاهرين على طريق القدس، فإن الإمام اختار المناسبة لإعادة تذكيرنا وربطنا بالواقع الحقيقي المعاش، نحن لا نحارب ظل هيمنة الشيطان الأكبر، ولا نضيع طاقاتنا في ذلك، بل نحارب الظلام الذي يصنع الظل مباشرة، دخلنا معركتنا بشكل جذري وبإيمان ثابت وبقلوب لا تلين، وهذه الشروط إن توفّرت في المسلم فإن انتصاره واقع، بالحق وبوعد الله الحق للمجاهدين.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
25/11/2024
بيانات "الإعلام الحربي": العزّة الموثّقة!
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024