آراء وتحليلات
تصاعد التوتّر في البحر الأحمر سيؤدي إلى انكماش الاقتصاد العالمي
د. جمال واكيم
حذر كبار الاقتصاديين في العالم من أن صراعًا طويلًا في البحر الأحمر إضافة إلى تصاعد التوّتر في الشرق الأوسط قد تكون له آثار مدمرة على الاقتصاد العالمي، مما يؤدي إلى زيادة التضخم وتعطيل إمدادات الطاقة.
توقعات سلبية للعام الحالي
وفي تقريره الأخير حول آفاق الاقتصاد العالمي، يقول البنك الدولي إن أزمة الشرق الأوسط، مع الحرب في أوكرانيا، خلقتا مخاطر حقيقية يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة، مع ما يترتب على ذلك من آثار أوسع نطاقًا على النشاط العالمي والتضخم بنتيجة الضغوط المالية المرتبطة بأسعار الفائدة الحقيقية، والتضخم المستمرّ، والنمو الأضعف من المتوقع في الصين، والمزيد من تجزئة التجارة والكوارث المرتبطة بتغير المناخ.
وأضاف التقرير إنه في ظل الصراعات المتصاعدة، يمكن أيضًا أن تتعطل إمدادات الطاقة بشكل كبير، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة. وسيكون لذلك آثار غير مباشرة كبيرة على أسعار السلع الأساسية الأخرى، وزيادة في عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى تثبيط الاستثمار ومزيد من إضعاف النمو.
وأكد جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورجان الأميركي، أن الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط لديها القدرة على تعطيل أسواق الطاقة والغذاء والهجرة والعلاقات العسكرية والاقتصادية.
وقالت آنا بواتا، رئيسة أبحاث الاقتصاد الكلي في شركة "أليانز تريد"، إن الاضطراب قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم بنسبة 0.7 نقطة مئوية في أوروبا والولايات المتحدة بينما يستنزف كمية مماثلة من النموّ الاقتصادي على جانبي المحيط الأطلسي. وأشار جون جلين، كبير الاقتصاديين في معهد "تشارترد" للمشتريات والإمدادات إلى أن الاقتصاد العالمي لا ينمو بالسرعة نفسها، كما انخفضت أحجام الشحن البحري بشكل كبير عما كانت عليه قبل 12 شهرًا. والقضية الرئيسية هي أن التضخم سيكون مدفوعًا بما هو موجود في الصندوق، وليس تكلفة نقله.
الأثر السلبي على كلفة الحاويات
وفي حديث للغارديان البريطانية، قدر جون لويلين، كبير الاقتصاديين السابق في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، احتمال حدوث اضطرابات خطيرة في التجارة العالمية بنسبة 30 بالمئة. وقال بن زارانكو، الخبير الاقتصادي في معهد الدراسات المالية، إن الأزمة سلطت الضوء على المخاطر التي يواجهها وزير المالية البريطاني جيريمي هانت، باستخدام الحيز المالي المحدود للوعد بتخفيضات ضريبية.
وأشار ويليام باين، الخبير التجاري بغرفة التجارة البريطانية، إلى أن حوالي 500 ألف حاوية كانت تمر عبر قناة السويس في نوفمبر، وانخفض هذا العدد بنسبة 60 بالمئة إلى 200 ألف في ديسمبر بنتيجة التوّتر في البحر الأحمر. وقال: "إذا ساءت الأمور، فلن يؤدي ذلك إلا إلى زيادة الاضطراب، وسترتفع تكلفة الحاويات وستنخفض التجارة العالمية بشكل أكبر". وأدى تغيير مسار السفن التي تنقل الحاويات بعيدا عن البحر الأحمر إلى ارتفاع تكلفة الحاويات من 1500 دولار في نوفمبر/تشرين الثاني إلى 4000 دولار في ديسمبر/كانون الأول.
ارتفاع أسعار النفط
وما يفاقم من الأزمة هو تأثير التوّتر على أسعار النفط العالمية. فبنتيجة تصعيد المواجهات العسكرية توقفت قطر "بصورة مؤقتة" عن نقل الغاز الطبيعي المسال عبر مضيق باب المندب، بعد التصعيد العسكري الذي تشهده منطقة البحر الأحمر. وبحسب بيانات تتبع السفن التي جمعتها "بلومبيرغ"، فإن ما لا يقل عن 5 ناقلات للغاز الطبيعي المسال تديرها قطر، توقفت وهي في طريقها نحو الممر المائي الحيوي في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، منذ يوم الجمعة الفائت.
هذا أدى إلى ارتفاع أسعار النفط إلى 80 دولارًا مع تزايد المخاوف بشأن التأثير الاقتصادي لاضطراب التجارة الدولية عبر البحر الأحمر وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط. وقد قفزت أسعار خام برنت بنحو 4 بالمئة إلى مستوى مرتفع عند 80.75 دولارًا للبرميل، في حين ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي أيضًا. وأكدت مصادر قريبة من وزارة الخزانة البريطانية أنها وضعت سيناريوهات مختلفة للتأثير المحتمل على بريطانيا، بما في ذلك ارتفاع أسعار النفط الخام بأكثر من 10 دولارات للبرميل وزيادة بنسبة 25 بالمئة في الغاز الطبيعي.
التأثير على الاقتصاد الأميركي
وقد سجلت البورصات العالمية هبوطًا في بداية هذا العام بنتيجة تصاعد المخاطر الجيوسياسية ومن ضمنها التوّتر في البحر الأحمر. وفي تقرير لموقع "بزنس انسايدر" حذر خبراء من ركود الاقتصاد العالمي ومن ضمنه الاقتصاد الأميركي. ويؤكد الخبراء أن سياسات البنك الفدرالي الأميركي لم تنجح في كبح جماح التضخم وأن إمكانية تفاقم التضخم ستزيد عندما يبدأ البنك المركزي في النظر في خفض أسعار الفائدة.
وأظهرت أحدث بيانات التضخم، كبداية، أن أسعار السلع الاستهلاكية ارتفعت بشكل غير متوقع في ديسمبر إلى 3.4 بالمئة على أساس سنوي. وقد أدى ذلك إلى ارباك التوقعات الخاصة بسياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي وخفض التوقعات لخفض أسعار الفائدة في شهر آذار/ مارس المقبل. وقال بريستون كالدويل، كبير الاقتصاديين في "مورنينغ ستار" لموقع "بزنس انسايدر" ان الركود لن يؤدي حكمًا إلى خفض التضخم إلى 2 بالمئة، وانه إذا لحقت تأثيرات رفع أسعار الفائدة المتأخرة بالاقتصاد بالفعل، فإن التوظيف سوف يتباطأ، وسوف ترتفع البطالة، وسينخفض الاستهلاك في نهاية المطاف، وفقًا لكبير استراتيجيي الاستثمار في أليانز، تشارلي ريبلي.
وقال سال نارو، كبير مسؤولي الاستثمار في مؤسسة "كوهيرنت كريديت ستراتيجيز" إن الاقتصاد سينكمش إذا تراجع الاستهلاك مما سيؤدي إلى قيام الشركات بتخفيض النفقات الرأسمالية وعدد الموظفين للحد من تدهور هامش الربح، مما يزيد من تفاقم ضعف الإنفاق الاستهلاكي. والجدير ذكره أن الأميركيين استنزفوا فعليًّا كلّ مدخراتهم بسبب وباء كورونا قبل عامين. وتشهد معدلات التأخر في سداد مستحقات بطاقات الائتمان ارتفاعًا متزايدان كما أصبح الناس أقل قدرة على الادخار.
خلاصة
ويحذر الاقتصاديون من أن انقطاع الشحن وارتفاع أسعار النفط، إذا استمر، يمكن أن يقوض التقدم في مواصلة خفض التضخم من أعلى مستوياته منذ عقود بعد وباء كوفيد وصدمة أسعار الطاقة التي تفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.
ويشعر الاقتصاديون، الذين وصل العديد منهم إلى دافوس هذا الأسبوع لحضور المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي، بقلق متزايد من أن العديد من الاقتصادات الكبرى في العالم قد تعاني من الركود هذا العام. وهم يخشون أن تقوم البنوك المركزية بإجراء تخفيضات متواضعة فقط على تكاليف الاقتراض، مما يزيد من أزمة تكاليف المعيشة التي تواجهها ملايين الأسر.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024