معركة أولي البأس

خاص العهد

"السوشيال ميديا".. صانعة مصير بايدن الأسود 
05/01/2024

"السوشيال ميديا".. صانعة مصير بايدن الأسود 

فاطمة سلامة

لا شكّ أنّ دور وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على الرأي العام حيال حرب غزّة، سيكون عنوانًا جاذبًا للعديد من الدراسات اللاحقة. مقالات رأي كثيرة قاربت حتّى الآن هذا التأثير الذي تفوّق فيه الإعلام الجديد على وسائل الإعلام التقليدية. الأخيرة، وإن كانت حتّى زمن قريب أهم أدوات تشكيل الرأي العام وصناعته وتحريكه حيال قضايا بعينها، لم تعد تمتلك تلك "الملَكة" اليوم. قوة الجذب والتأثير التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي فاقت بأشواط الوسائل التقليدية، لينقلب السحر على الساحر، كما عبّر الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، وتتحوّل تلك الوسائل من نقمة كما أرادوها لهدم القيم والمقاومة إلى نعمة لخدمة قضايا الأمة. 

وعليه، لم تعُد صناعة الرأي العام في هذه الوسائل تحتاج إلى عملية تراكمية تُبث فيها الرسائل وفق مراحل حتّى تؤتي أكلها، بات التأثير مباشرًا و"لحظويًّا" لمجرّد التعرض لمضمون ما يُنشر على "السوشيال ميديا". وهذا ما بدا جليًّا في حرب غزّة. تداول الصور والفيديوهات الآتية من خلف قطاع غزّة مع ما تحمله من مآس وويلات ومشاهد قلبت الرأي العام العالمي 180 درجة، كما يُقال، وساهمت في إحداث تعاطف كبير مع الضحايا. وهذا ما أشار إليه المراسل الحربي البريطاني ديفيد باتريكاراكوس الذي ألّف كتاب "الحرب في 140 شخصية: كيف تشكل وسائل التواصل الاجتماعي الصراع في القرن الحادي والعشرين". يعتبر الصحفي المذكور أنّ المعركة الأوسع بين "إسرائيل" وحماس هي حرب المعلومات. برأيه، تتمتّع المنشورات على وسائل التواصل بقوة عاطفية هائلة لأن من ينشرونها موجودون على خط المواجهة الأمامي ويروون قصصًا شخصية عميقة. وباعتراف باتريكاراكوس، فإنّ المعركة العسكرية بين "حماس" و"إسرائيل"  محدّدة سلفًا، لكن المعركة الأوسع هي حرب المعلومات التي تخسرها "إسرائيل" لأنّ هذه المعركة هي معركة الضحية. ثمّة تحول برز في تعاطف الكثير من الناس مع الفلسطينيين بعيدًا عن "إسرائيل" التي يعقد مسؤولوها مؤتمرات صحافية تختلف تمامًا عن رؤية المشاهدين والمتابعين عواقب الهجمات المدمّرة في غزّة عبر وسائل التواصل. 

التحول المذكور في الرأي العام والذي أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي برز جليًا في الداخل الأميركي. استطلاعات رأي بالجملة أجريت بيّنت أنّ مصير الرئيس الأميركي جو بايدن الانتخابي بات على المحك جراء الحرب في غزّة.  الكاتب والمحلّل السياسي علي مراد يرى أنّ وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا كبيرًا في إيصال الصورة التي هزّت الرأي العام الأميركي. إذا راقبنا حركة وسلوك الإعلام التقليدي الأميركي يتبيّن أنه استمرّ بالسياسة التاريخية المعهودة. تبنّى وجهة النظر الصهيونية، إذ وبطبيعة الحال من يقف وراء الإعلام هم أنفسهم الذين يقفون وراء دعم الحملات الانتخابية للحزبين، والدعم بالسلاح، والمساعي لتسريع عمليات التطبيع.  وفق مراد، فإنّ الصور التي وصلت إلى الداخل الأميركي، والتي تناقلها بعض الناشطين الأميركيين والأجانب ساهمت في تغيير الرأي العام، حتّى أنها وصلت إلى الجمهور في الأرياف وليس فقط في المدن.

هذا الأمر ساهم في إيقاظ الفطرة الإنسانية فيهم ودفع الكثير منهم إلى معرفة سرّ تسليم الشعب الفلسطيني والسكينة التي يعيشونها، رغم القتل والتشريد. ومن هذا المنطلق، يؤكّد مراد، أنّ "إسرائيل" عمدت إلى قتل الصحفيين لأن الفيديوهات التي نشروها قلبت الرأي العام وأحدثت الشيء الذي لم يتوقعه الكيان، ما دفعه إلى صرف ملايين الدولارات عبر "السوشيال ميديا"، ووصل به الأمر إلى إحضار مالك منصة إكس الملياردير الأميركي إيلون ماسك للبحث عن آلية تضع قيودًا على المغرّدين تحت شعار "مكافحة تزايد معاداة السامية على الانترنت" لكنه لم يفلح. 

هذا التحول بالرأي العام انعكس بشكل مباشر على مستقبل بايدن الذي يلعب اليوم لعبة خطرة، وفق توصيف مراد. استمراره في دعم الكيان وتوفير كلّ أنواع السلاح والدعم الاستخباراتي والتغطية السياسية والدبلوماسية لمجلس الأمن، ورفضه الضغط على "تل أبيب" لوقف العدوان له انعكاسات في الداخل. بلغة الأرقام والوقائع يتحدّث مراد، فيشير إلى أنّ أحدث استطلاعات الرأي تشير إلى أنّ القاعدة الانتخابية للمسلمين والعرب الأميركيين، تتوعد بايدن. وبالفعل أطلقوا حملة في عموم الولايات المتحدة الأميركية تحت وسم "AbandonBiden#" للحؤول دون أن تصوّت القاعدة العربية والمسلمة التي سبق وأن صوتت في عام 2020 لصالحه. وفق مراد، فإنّ 80 بالمئة على الأقل من هذه القاعدة أي بحدود 7 ملايين لن تصوّت لصالح بايدن. وهذا الرقم يُحدث فرقًا في الانتخابات، ففي السابق بلغ الفارق بين بايدن ودونالد ترامب 2 مليون صوت فقط. بالتالي يتمكّن هؤلاء من ترجيح الكفة لصالح المنافس الذي يختارونه، وهم في هذا السياق، يقولون إنهم سيصوّتون لمرشح ثالث بعيدًا عن ترامب وبايدن ما سيُخسر بايدن هذه القاعدة التصويتية.

بعد المسلمين والعرب الأميركيين، يشير مراد إلى فئة "الشباب البيض" الذين يصوّتون ديمقراطيًا لكنهم ليبراليون تقدميون. تتراوح أعمار هذه الفئة بين 18 و30 سنة ويشكّل هؤلاء قاعدة كبيرة يتوعدون بموجبها بايدن بتخسيره في الانتخابات. وقد بيّنت استطلاعات الرأي أن هؤلاء لا يرفضون فقط دعم بايدن لكيان العدوّ ووقف إطلاق النار، بل يطالبون بتفكيك الكيان، وهذا  تطوّر نوعي ــ برأي مراد ــ على صعيد آراء الأجيال أو الفئات الناخبة في الولايات المتحدة. عدد هذه القاعدة لا يقل عن 20 مليون صوت، ما يعني حُكمًا أننا أمام تحول نوعي على صعيد الرأي العام داخل الولايات المتحدة. ويُضاف إلى هؤلاء فئة "السود الأفارقة الأميركيين" حيث أشارت أحدث الاستطلاعات إلى أنّ 60 بالمئة منهم غير موافقين على أداء بايدن في حرب غزّة، وأيضًا فئة "الهسبان" من أصول لاتينية.

ويشدّد مراد على أنّ بايدن يمارس لعبة خطرة، إذ لا يزال يعتقد أننا في شهر كانون الثاني وأنّ أمامه متسعًا من الوقت "10 أشهر" يتمكّن خلاله من قلب الرأي العام لصالحه والتعويض لاحقًا عبر حل سياسي يُفرض بعد الحرب. يقتنع بايدن بأنه قادر على الضغط على الإسرائيليين للقبول بمشروع سياسي قائم على حل الدولتين، وبالتالي، التسويق في الداخل لنفسه بأنه أنجز ما لم يستطع أي رئيس أميركي إنجازه وهو انتزاع اعتراف بدولة فلسطينية من الصهاينة، وهذا ما لن يحصل في ظل اليمين المتطرف، يقول مراد الذي يشير إلى أنّ ما يعتقد به بايدن لا يخرج عن كونه مغامرة ومقامرة. كما يلفت إلى فرضية أخرى تقول إن بايدن يُصر على مساره الحالي، فيما يدرس مسؤولون في إدارته احتمالية توسُّع الحرب، انطلاقًا من أن هذا الخيار قد يناسب بايدن، إذ من المعروف تاريخيًا أن الأميركيين في زمن الحروب لا يغيّرون رئيسهم، كما حصل مع فرانكلين روزفلت حيث تم التجديد له بعدما بدأت الحرب العالمية الثانية، والسيناريو نفسه تجدّد مع بوش الابن خلال حرب العراق. وفق قناعات مراد، ثمّة تعويل على هذا الأمر، ولكن الظروف اليوم ليست كما قبل. برأيه، الاستحقاق سيحصل وبالنظر إلى حالة الوعي لدى الفئات التي ذكرناها سابقًا فإنّ خسارة بايدن محقّقة نظرًا للمشاهد التي رأيناها في غزّة والتي غيّرت في الرأي العام الأميركي. 

لا يُخفي مراد أنّ ما حُكي سابقًا عن خلاف بين رئيس حكومة العدوّ بنيامين نتنياهو وبايدن هو خلاف بين وجهتي نظر في ما يتعلّق بالملف السياسي. هو ليس خلافًا كاملًا بل متعلق برؤية الطرفين حول "ما سيلي الحرب". لكن في الجانب العسكري هناك تطابق حول هدف القضاء على القدرات العسكرية لحماس. لذلك، الخلاف يقع في المشروع السياسي أو الحل السياسي الذي ينبغي أن يحصل بعد أن تضع الحرب أوزارها. نتنياهو يرفض عودة السلطة، بينما بايدن يريد إعادة السلطة المجدّدة إلى غزّة، وبالموازاة، يعتبر أنّ بقاء وزراء اليمين المتطرّف في حكومة العدوّ كوزير المالية بتسلئيل سموتريتش ومن يُسمى بوزير "الأمن" القومي إيتمار بن غفير من شأنه أن يُعرقل الكثير من الأمور التي يطلبها الأميركيون، إذ يرفض اليمينيون المتطرفون رفضًا قاطعًا الاعتراف بأي دولة فلسطينية، وفي هذا السياق جاءت طروحاتهم المتعلقة بالاستيطان والتهجير. وفق مراد، يريد الأميركي الحل السياسي من أجل خدمة مصلحة خاصة به لها علاقة بالتطبيع مع الدول. يريد بايدن الوصول إلى نقطة يحصل فيها تشبيك ما بين "إسرائيل" والسعودية ودول التطبيع الأخرى. بايدن وحلفاؤه ينظرون إلى "طوفان الأقصى" على أنه تهديد ينبغي تحويله إلى فرصة عبر تحقيق الهدف العسكري بما يمهّد للحل السياسي.
 

إقرأ المزيد في: خاص العهد