نقاط على الحروف
يحيى عيّاش.. وقع الإسم كافٍ!
ليلى عماشا
"يحيى عيّاش"، دويّ الاسم ما زال أقوى من دويّ العبوّة التي أضافت لقب الشهيد إلى لقب المهندس. هذا اللقب رافق اسمه ومساره الجهادي في كتائب عزّ الدين القسّام، ودويّ كلّ أصوات القذائف والغارات والاغتيالات التي يرتكبها الصهاينة بكلّ ما فيهم من غدر وحقد ورعب.
في الخامس من كانون الثاني/يناير عام ١٩٩٦، دوّى في بيت لاهيا صوت انفجار: اغتال الصهاينة القائد القسامي يحيى عياش عبر تفخيخ هاتف جوال بعبوّة جرى تفجيرها من داخل غرفة التحكم في طائرة أباتشي.. وكان عميلٌ رخيص يُدعى كمال حمّاد قد أوصل الهاتف المفخّخ إلى المهندس بأسلوب موسادي وعبر صديق مشترك، وجلس الصهاينة ينتظرون بصمة صوته كي يضغطوا زرّ التفجير. إيصال الهاتف إلى العياش ذي الحسّ الأمني العالي لم يكن مهمَة سهلة، ولكن تمكّن العميل من تنفيذها عبر استغلال الصلة التي تجمع أحد أقربائه بالمهندس، وبعد فشل التفجير في المرّة الأولى، كرّر الصهاينة المحاولة بالتعاون مع العميل نفسه ونجحوا في تفجير العبوة حين استخدم يحيى عياش الهاتف ليزّف إلى أبيه البشرى ويشاركه فرحة أن رزق بمولود جديد. خطّة محكمة ما كان من الممكن تنفيذها لولا العملاء، علمًا أنّه تمّ كشف كمال حماد مباشرة وتوقيفه لدى المقاومة في غزّة لكنّه تمكّن، بمساعدة عملاء آخرين طبعًا، من الفرار وحاول بعدها الاستقرار في الولايات المتحدة الأميركية لكنّه لم يستطع بسبب خوفه من القصاص بعد أن ذاع خبر عاره وفضيحته، وفقد كلّ ثروته، فهو في الأصل كان من أثرياء غزّة. عاد إلى فلسطين وهو يعيش الآن في بيت مجهول العنوان ويعجز حتى عن رفع ستائر النوافذ في بيته خوفًا على نفسه.. يقول في مقابلة تلفزيونية على القناة الثانية الإسرائيلية أنّه ضحى بثروته وسمعته من أجل السلام وفي المقابل لم ينل سوى الإفلاس والرعب والخيبة بعد أن تخلّت عنه سلطات الاحتلال بسبب انكشاف أمره.
"ضحّى".. ثمّة وقاحة تجمع في شخص المبتلى فيها ما يفوق قدرة أي لغة على الوصف! المنصف في الأمر، أنّ العيّاش ما زال حيًّا في كلّ طلقة فلسطينية وفي كلّ عين قسّامية، وأن قاتله، العميل المنفّذ والكيان المحرّض، يُقتلان ألف مرة في اليوم رعبًا وعجزًا وهزيمة.
في هذه الأيام المباركة والتي تخوض فيها غزّة وكلّ محور المقاومة معركة الشرف والحق، طوفان الأقصى، وبعد مرور ثمانية وعشرين عامًا على اغتياله، لم يزل اسم يحيى عياش حاضرًا في قلوب الناس في غزّة، حتى الجيل الذي ولد بعد اغتيال المهندس القائد، يحفظ سيرته وصورته جيّدًا، يتخذه نموذجًا ويقتدي به في مسيرة القتال ضد الصهاينة حتى النصر، وما الاستشهاد سوى عبور إلى النصر المحقّق.
خلال كلّ هذه السنوات، لم تكفّ يد الإجرام الصهيوني عن الغدر، وما اغتيال الشيخ صالح العاروري في الضاحية سوى استكمال لهذا النهج الغادر والذي لم يتعلّم بعد أن اغتيال القادة يزيد عزم المقاتلين، وأنّه في كلّ مرّة يبلغ فيه الجبن حدّ ارتكاب القتل عن بعد، وهو ما يفعله بوحشية شديدة للتعويض عن عجزه الفاضح في ميادين المواجهة المباشرة.
اليوم، كما في كانون الثاني/يناير ١٩٩٦، لم يزد الدمُ المقاومة سوى اعتزازًا وقوَة، وإن جرّحها الفقد والشوق فقد أجادت تحويلهما إلى ذخائر حيّة تستهدف العدو، وترفع من قدراتها على المواجهة وعلى تلقين الصهاينة، كلّ الصهاينة، هزيمة يدركون خلالها أنّ بقاءهم على هذه الأرض مسألة وقت، وأنّ الرّعب الذي يسري في شرايين عملائهم صار يسري الآن في شرايين المشغّلين أيضًا، وفي كلّ عقل صهيوني.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
02/12/2024
كيف حقّقت المقاومة نصرها العسكري والسياسي؟
30/11/2024
قراءة في خطاب النصر!
28/11/2024
شواهد من يوم النصر الأعظم
28/11/2024
نصرك هز الدنيا.. ولو بغيابك يا نصر الله
28/11/2024