خاص العهد
بانورما 2023 | الانفتاح العربي على سورية: دمشق تقطع نصف الطريق
دمشق ـ محمد عيد
شهد العام 2023 انفتاحاً عربياً غير مسبوق على سوريا بعد قطيعة استمرت على مدى سنوات الأزمة السورية. وكان من نتائج هذا الانفتاح عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية وإلقاء الرئيس بشار الأسد لكلمته في القمة العربية في السعودية، التي زار وزير خارجيتها دمشق في خطوة عكست مقاربة مختلفة نسبياً لتلك التي اعتمدتها المنظومة الرسمية العربية منذ تبنيها العلني لمحاولة إسقاط الدولة السورية.
دبلوماسية الزلازل
يرى المحلل السياسي الدكتور أسامة دنورة أن من أهم الأحداث التي حصلت في العام 2023 كان الزلزال المدمر الذي ضرب كلا من سوريا وتركيا في الوقت نفسه وأدى إلى سقوط آلاف الضحايا وخسائر مادية سورية قدرت بخمسة مليارات دولار.
وفي حديث خاص بموقع "العهد" الإخباري أكد دنورة أن هذا الزلزال على الرغم من كونه كارثة طبيعية فقد كانت له هزات ارتدادية سياسية، حيث كان هناك كسر للعديد من معالم المقاطعة من قبل بعض الدول العربية والأجنبية التي تجاوزت الجمود في علاقتها مع سورية على أثر الزلزال، فكان هناك العديد من طائرات المساعدات التي أتت من الدول العربية حيث كان الموقفان العراقي والإيراني مميزين في هذا الإطار، وكذلك الموقف الإماراتي والجزائري، وساهمت دول أخرى كثيرة مثل الأردن ومصر وليبيا في تقديم الإغاثة لمتضرري الزلزال في سوريا.
وأشار دنورة إلى وجود اختلاف في مشهد المقاطعة العربية لدمشق التي سادت لسنوات طويلة، لأنه وبعد وقوع كارثة الزلزال حصل ما يسمى بـ "دبلوماسية الزلازل" حيث كان هناك انفتاح سياسي بين بعض المسؤولين السوريين على مستوى وزارة الخارجية، ولقاءات مع وزراء الخارجية العرب سواء في دمشق أو بعض عواصم الدول العربية مثل الأردن ومصر والسعودية والإمارات، وكل هذا صنع مشهداً جديداً على المستوى الدبلوماسي فيما يخص علاقات سورية على المستوى العربي.
وأضاف دندورة بأن هذه العودة تأخرت كثيرا ولكنها أتت لكي تمثل انزياحا هاما في المشهد السياسي، لافتاً إلى أنه وعلى الرغم من أن هذا الانفتاح على الدول العربية بقي محدوداً في عمقه وفي اتساعه نتيجة بقاء بعض الدول العربية ــ وهي قليلة ــ في حالة تجميد علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، فإن هذا التطور مهم جدا لأن حجم المقاطعة الذي وُظِّف ضد الدولة السورية لا يمكن التخلص منه في يوم وليلة، ومن المؤكد أن القدرة الأمريكية على ممارسة الضغوط على الدول العربية ليست بالأمر الذي يستهان به، ومن ثم فقد بقيت مفاعيل هذا الانفتاح العربي مجمدة، وبقيت بانتظار مرحلة أخرى من مراحل استعادة المياه إلى مجاريها بمعنى تنشيط العلاقات الاقتصادية والسياسية، وما يمكن أن ينتظر من بعض الدول العربية في المساهمة بالوضع الاقتصادي السوري وإعادة الإعمار وكل هذا لم يتحقق حتى الآن على خلفية عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
وختم الدكتور أسامة دنورة حديثه لموقعنا بالتأكيد على أن هذا الأمر كان متوقعا نتيجة حدة الضغوط الغربية التي حاولت على نحو مباشر ومعلن إعاقة هذا التحول حيث فرضت لاءات ثلاث تحدث عنها الغرب فيما يتعلق بعودة العلاقات الطبيعية وعودة اللاجئين وإعادة الإعمار، كما أن هناك جهدا غربيا أمريكيا يتقاطع مع سرقة النفط السوري والثروات السورية ويتقاطع كذلك مع الاحتلال الأمريكي للشمال الشرقي من البلاد كما يتقاطع مع قانون قيصر وسواه من العقوبات وهذا الجهد الدبلوماسي أدى دوراً في الضغط على بعض الأطراف العربية لإبطاء وتيرة تعافي العلاقات العربية - العربية البينية وايطاء التأثيرات الإيجابية لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
الخطوة خطوة لا تزال قائمة
من جانبه، أكد الباحث والمحلل السياسي محمد علي أن الحديث عما أطلق عليه سياسة الـ "خطوة ــ خطوة" أو الورقة الأردنية كما أشير إليها أحياناً لتحسين العلاقات السورية مع بعض الدول العربية هو في حقيقته عبارة عن عملية تفاوضية تلعب فيها بعض الدول دورا غير معلن يكاد يكون خفيا ولكنه واضح لا سيما الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي حديث خاص بموقع "العهد" الإخباري أشار علي إلى أن المبدأ السوري يقوم على السعي إلى التقارب مع الدول العربية دون التفريط بأي منحى من السيادة أو حرية واستقلالية القرار السوري وحق سوريا في صياغة تحالفاتها وموقعها الجيوبولتيكي في المنطقة بما تقتضيه توجهات السياسة السورية ومصالحها فيما يتعلق بالتزامها بتحرير الجولان السوري المحتل والتزامها بالخط المقاوم في مواجهة العدو الإسرائيلي وهذا الأمر لا يتلاءم مع التوجه الغربي. وأضاف المحلل السياسي بأنه ومن هنا بدا لبعض المراقبين بأن خطة الــ "خطوة ــ خطوة" تباطأت أو شهدت نكوصا لربما، ولكن الحقيقة تتلخص في أن إحراز نتائج واضحة المعالم في مثل هذه الخطة هو أمر بحاجة إلى وقت طويل وجهود مشتركة من قبل جميع الأطراف وبحاجة أيضا إلى أن يكون هناك تدرج في تفكيك الملفات العالقة منذ مدة طويلة من الزمن، مشيرا إلى أن هذا الأمر يتحقق بصورة أو بأخرى حتى لو بدا أن مسار تطبيق الـ "خطوة ــ خطوة" قد تعثر فمجرد أن يكون هناك نية أو قرار حاسم باعتماد المسار الدبلوماسي هو تطور إيجابي وخطوة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية يقرؤها البعض عمليا على أنها نصف الطريق إلى الاستعادة الكاملة للعلاقات الطبيعية.
وختم الباحث محمد علي حديثه لموقعنا بالتأكيد على أن التقييم والمحصلة لهذه التطورات بالنسبة لسوريا هو إيجابي وبشكل كبير أيضًا لأنه يمكن البناء على الخطوات التدريجية بمفعول تراكمي بحيث تتغير الصورة الإجمالية نتيجة تراكم العوامل الإيجابية بشكل تدريجي في العلاقات السورية مع الدول العربية.