خاص العهد
تغذية صندوق التعويضات: المدارس الخاصة فوق القانون!
فاطمة سلامة
لطالما كانت حقوق الأساتذة في التعليم في لبنان مهدورة، لا تُسترد إلا بعد حين. عودة بالذاكرة للوراء تُبيّن مستوى الإجحاف بحق أفراد الهيئة التعليمية سواء في القطاع الخاص أو العام. مظاهرات واحتجاجات واعتصامات قادتها الروابط على مدى السنوات الماضية سعيًا وراء ظروف أفضل للمعلّم الذي اختار مهنة تكاد تكون من أصعب المهن. أما اليوم، فأحوال الأستاذ لا يُحسد عليها. ثمّة حقوق بديهية تُعطى بـ"القطارة" سواء من قبل الدولة أو أصحاب المدارس الخاصة الذين أقاموا الدنيا ولم يُقعودها لمجرد إقرار مجلس النواب خلال الأيام الماضية القانون الذي يرمي إلى "تعديل بعض أحكام قوانين تتعلق بتنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة وتنظيم الموازنة المدرسية". تريد هذه المدارس من الأستاذ أن يقضي سني عمره في صفوفها، ولا تريد له راتبًا يضمن له تأمين الحد الأدنى من العيش عند تقاعده.
حمادة: المدارس لا تلتزم بدفع المستحقات علمًا أنها تقتطعها
عضو كتلة الوفاء للمقاومة وعضو لجنة التربية النيابية النائب الدكتور إيهاب حمادة يتحدّث لـ"العهد" عن مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب، فيوضح أنه يقوم على فلسفة تغذية صندوق التعويضات في المدارس الخاصة، نظرًا لأنّ قيمة الموجودات فيه لم تعد تغطي 20 بالمئة من قيمة الرواتب بعد أزمة انهيار العملة الوطنية، ما جعل المحسومات التي كانت تُحسم من الأساتذة لتُدفع على المتقاعدين ضئيلة جدًا. يوضح حمادة أنّ معدّل راتب هؤلاء المتقاعدين يبلغ اليوم مليونًا و200 ألف، وهذا المبلغ رغم قلّته غير متوفر في الصندوق لأن المحسومات كانت سابقًا على الليرة اللبنانية، ولأنّ مجموعة كبيرة من المدارس تحسم على الأستاذ لكنها لا تدفع للصندوق.
بناء عليه، يوضح حمادة أنّ مشروع القانون المُقر يعمل على رفع نسبة المحسومات من 6 الى 8 بالمئة من رواتب الأساتذة، و8 بالمئة من المدارس. وفق حمادة، في السابق كانت نسبة المحسومات 8 ونصفًا بالمئة، وعندما بات لدينا ملاءة مالية في الصندوق انخفضت الى ستّة، لكنّ الصندوق اليوم مفلس، ولأكثر من سنة لا يتقاضى المتقاعدون رواتبهم ولا توجد إمكانية للصندوق للتغطية بناء على المحسومات القديمة التي باتت قيمتها قليلة بالنسبة لسعر الصرف (1500 ليرة)، أضف الى ذلك أنّ المدارس للأسف لا تلتزم بدفع المستحقات علمًا أنها تقتطعها.
يشير حمادة الى أهمية القانون المُقر من حيث حفظ حقوق الأساتذة، حيث جرى إدخال عنوان جديد اسمه "العمولات التي يتقاضى بها الأساتذة الراتب"، بمعنى أنّ المدرسة التي تدفع بالليرة اللبنانية تكون محسوماتها بالليرة، والتي تدفع بالدولار تكون محسوماتها بالدولار، لكنّه يؤكّد في المقابل أنّ الصراخ الذي سمعناه من قبل بعض المدارس في وجه القانون والحديث عن مخالفة قانونية لجهة اقتطاع المحسومات بالدولار لم يكن سوى للتمنع عن دفع نسبة الـ8 بالمئة من قبل المدارس التي تتذرع بمقولة "بناء على أي قانون تجري المحسومات بالدولار؟"، وفي المقابل تتجاهل أنها تتقاضى الأقساط بالدولار بلا أي قانون ولا دستور.
يشدّد حمادة على أنّ 6000 أسرة ستقف على قارعة الطرقات اذا لم تتجاوب المدارس. نحن اليوم في خضم أزمة اجتماعية وأرقام هذه الأسر ستزداد سنويًا. ولا يُخفي حمادة أن تغذية الصندوق من المحسومات لا تغطّي كامل النفقات، ومن هنا، وانطلاقًا من ضرورة تأمين الملاءة المالية لصندوق التعويضات، تضمّن القانون المُقر، بالإضافة الى المحسومات، الحصول على مساهمة من الدولة بقيمة 650 مليار ليرة لتغطية الرواتب. هذه المساهمة تغطّي عامًا واحدًا ريثما تتم تغذية الصندوق لتغطية النفقات للمتقاعدين عبر المحسومات، لكن للأسف ــ يقول حمادة ــ قامت القيامة ولم تقعد خصوصًا من قبل المدارس الكاثوليكية لسببين؛ الأول أننا أنجزنا قيد براءة الذمة المالية المطالبة به المدارس كل سنة، ما يؤكد أن المدرسة تحسم من الأستاذ وتدفع المستحقات وبدون هذه البراءة تتهرب المدارس من الدفع على حساب المتقاعدين. وفق حمادة، لا يريدون براءة ذمة بل يريدون التهرب من الدفع، ويتذرعون بعدم قانونية اقتطاع المحسومات بالدولار رغم أنهم يتقاضون أقساطًا بالدولار. وهنا السؤال: كيف ستحصل الملاءة المالية للصندوق اذا ما كانت العملة الوطنية منهارة؟!.
وفي هذا السياق، يستغرب حمادة كيف أنّ هذه المؤسسات التي لا تبغي الربح في أهدافها، تعترض وتخالف كل مندرجات القانون 515 الذي يرعى الأقساط وغيرها. تريد أن تتهرّب من الدفع للمتقاعدين، وتريد أن تحل الدولة مكانها وتدفع لأساتذتها رغم أنّه تعليم خاص. الدولة تتحمّل الرعاية وتغطي جزءًا من العجز، وهذا أمر موجود بالمادة 42، ولكن عندما يكون العجز 90 بالمئة كيف ستغطيه الدولة؟ يسأل حمادة الذي يعتبر أنه من الأولى أن تغذّي الدولة القطاع العام، طبعًا لا مانع من مساعدة القطاع الخاص ولكن المسؤولية الكبرى على المدارس التي تتقاضى الأقساط العالية والأرباح الخيالية. كيف يحق لهذه المدارس أن تتقاضى بالدولار وترفض أن تدفع لمتقاعديها حقهم بالحد الأدنى؟!.
وفي ختام حديثه، يعبّر حمادة عن خشيته من أن يكون هناك استهداف لصندوق التعويضات، وبعده صندوق التعاضد ثم الضمان الاجتماعي لمصلحة جيوب البعض، وعلى حساب المواطن اللبناني.
الأشقر: سأنفّذ القانون
رئيس صندوق التعويضات عماد الأشقر وهو المدير العام لوزارة التربية يكتفي لدى سؤاله عن الجدل الحاصل حول القانون المُقر بالقول: "لدي رأي خاص في القانون المذكور، ولكن في نهاية المطاف سأطبّقه مهما كان بغض النظر عن قناعاتي"، وذلك في إشارة الى رأيه المعترض على القانون.
وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري يضيف الأشقر: "أنا ابن إدارة وبالتأكيد سأنفّذ القانون".
محفوظ: جرى الاقتناع بضرورة تنفيذ القانون
بدوره، نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوظ يؤكّد أنّ النقابة تعمل على القانون المُقر منذ سنة، وقد عقدت لأجل ذلك عشرات الاجتماعات مع الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، وعشرات الاجتماعات مع اتحاد المؤسسات الخاصة، الى أن أبصر القانون النور. وفق محفوظ، ينقسم القانون الى قسمين؛ أولًا يعمل على تغذية واردات الصندوق لزيادة الرواتب عبر اقتطاع نسبة 8 بالمئة من المعلم والمدرسة. وهنا لا يُخفي محفوظ أن كل هذه المحسومات لا تغطي شهرًا واحدًا من رواتب المتقاعدين لأن الدولة سبق وضاعفت تلك الرواتب ست مرات، وعليه فإنّ مبلغ الـ12 مليار ليرة شهريًا بات 75 مليار ليرة شهريًا و650 مليار ليرة سنويًا.
وفي حديث لـ"العهد"، يشدّد محفوظ على أنّ المحسومات بالليرة اللبنانية لن تغطّي إلا شهرًا واحدًا، وعليه اضطررنا الى إدخال محسومات بالدولار، لكن المدارس الخاصة اعترضت ولا تريد الدفع بالدولار، بينما المفارقة أنها تتقاضى أقساطًا بالدولار. وهنا ثمّة سؤال وُجّه الى أصحاب تلك المدارس: اذا كنتم لا تريدون الدفع بالدولار من أين ستغطّى لاحقًا رواتب الـ12 شهرًا للمتقاعدين؟. الدولة أقرت حاليًا مساعدة بمبلغ 650 مليار ليرة كي تُصرف على مدار عام، لكنها طالبت بزيادة المحسومات لتغذية واردات الصندوق لأنّه عندما تنتهي المنحة لن تجددها وسيكون الاتكال على تغذية الصندوق نفسه بنفسه لدفع الرواتب.
ويشير محفوظ الى أنّ الاجتماع الذي جرى مع وزير التربية عباس الحلبي أمس الخميس تطرق مليًا الى هذا الأمر، وجرى الاقتناع بضرورة تنفيذ القانون من قبل المدارس انطلاقًا من أنّه قانون نافذ يجب تطبيقه، موضحًا أنّ أهميته تكمن في أنه يجعل المعلمين في القطاع الخاص سواسية مع زملائهم في القطاع العام، وذلك في تطبيق للقانون الذي ينص على أنه "يُطبّق على المتقاعدين بالتعليم الخاص ما يطبق على نظرائهم في القطاع العام".
المدارسالمعاش التقاعديالرواتبالمعلمون