طوفان الأقصى
خطاب القائد.. النصر القريب
أحمد فؤاد
يواجه العالم العربي، في نهاية كل تاريخ قديم أو بداية أي تاريخ جديد، سؤالًا مريرًا وملحًا يتعلق بصراعه حول مفهوم "الاستقلال"، أولًا وبحد ذاته، إذ إن تهديد الغزو الخارجي للعالم العربي المفكك والمقسّم تحوّل في ظل مأساة زراعة الكيان العدواني على أرض فلسطين العربية وفي نقطة المنتصف من قلب هذا العالم إلى خطر مؤكد ومستوطن، بعد أن كان طوال التاريخ احتمالًا عبر الجيوش الزاحفة والأساطيل، قادرًا على أن يثير الانتباه بفعل الجلبة والضوضاء وقعقعة السلاح.
كيان العدو يترجم في تعريفه الأولي والصحيح والمباشر تمامًا قصة صراع المصالح والطموح والإرادة الغربية والقوى العظمى في العالم، هي لا تندرج تحت بند المؤامرة، لكنها جريمة العصر الغربي مع سبق الإصرار والترصد، وهي بالتالي لن تُحلّ بالطريقة الغربية ولا الأميركية، وهي أكثر من ذلك لن تتغير باللسان وبالقلب، وحدها البندقية هي الإجابة الكاملة، ووحده الفعل المقاوم هو بداية البداية في الخروج ومواجهة أزمتنا وعالمنا وأيامنا.
قدم لنا آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي كل هذه المعاني المباشرة للصراع الذي يجري اليوم في فلسطين تحت اسم "طوفان الأقصى"، منتزعًا ستار التجهيل والاستغباء الذي تحاول بعض الأنظمة الخائفة والمتراجعة تمريرها إلى وعي الناس ووجدانهم، هذا الصراع ليس صراعًا صهيو- فلسطيني، بل هو حرب مباشرة ضد أم الخبائث أميركا وقاعدتها العسكرية المتقدمة، وأن "هزيمة إسرائيل في غزّة هزيمةٌ لأميركا أيضًا"، وشدّد على أن: "دعم المقاومة الفلسطينية واجب، ودعم الكيان الصهيوني جريمة وخيانة".
هكذا يكون الخطاب المناسب في أوقات الصراع الكبرى وذروته العالية التي بلغها، هكذا يكون الخطاب الصحيح لأمة ما تزال تبحث بين الأنقاض عن الماضي ونسيت مستقبلها، وتكاد تفوت حاضرها، هكذا تكون الإجابة التي تغير مجرى التاريخ وعلى لسان القائد، إذا لم نقرأ الصراع الآن في أيام الدم والمحنة فمتى؟ وإذا لم تقدم فلسطين لنا الإجابة فمن غيرها ساحة للجهاد؟
في ذكرى استشهاد القائد اللواء الحاج قاسم سليماني، ووسط هذا النهر الهادر الشريف من تضحيات المقاومة البطلة في فلسطين وفي غزة، أكد سماحة الإمام أن الأمل هو دستور العمل لمحور المقاومة في الوقت الحالي، وأنّ "علامات الانتصار لجبهة المقاومة في غزّة تلوح في الآفاق"، وأن "كيان العدو الصهيوني الغاصب سيزول من على وجه الأرض، وسيتحقّق هذا الوعد الإلهي الذي هو جزء من المستقبل المؤكد الذي نأمل أن يشاهده الشباب بأمّ أعينهم".
الحرب العدوانية لدولة الإرهاب النازي والحقيقي أميركا، وتابِعتها في كيان العدو، حتى اليوم التاسع والسبعين من جرائمهما، تسببت بسقوط أكثر من 20 ألف قتيل، وأكثر من 50 ألف جريح، وحوّلت 1.8 مليون إنسان إلى لاجئين جدد، وفوق كل ذلك، كشف برنامج الغذاء والدواء العالمي التابع للأمم المتحدة عن وصول الوضع الإنساني في غزة إلى درجة "غير المسبوقة" مع تعمّد الاحتلال وداعميه العرب تشديد الحصار لدفع المقاومة إلى الاستسلام. وقال تقرير المنظمة الأممية إن 90% من سكان القطاع المحاصر يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، كما أن هناك 378 ألف شخص استنفذوا بالفعل إمدادتهم الغذائية ويواجهون خطر "الموت جوعًا"، إضافة إلى 939 ألف إنسان في حال طوارئ بسبب النقص الحاد للطعام والشراب.
وفوق مأساة غزة الكبيرة، فإنّ جيش العدو يعيث في الضفة الغربية تقتيلًا واعتقالا وتشريدًا، فاعتقل أكثر من 3 آلاف فلسطيني، وقتل جيشه وعصابات مستوطنيه 497 شهيدًا، وأصيب في عمليات الاقتحامات التي تجري في القرى والمخيمات أكثر من 12 ألف فلسطيني، بالطبع لا يقارن الوضع بمأساة غزة، لكنها تكمل صورة المعاناة الفلسطينية الجارية، وما يدفعه هذا الشعب يوميًا تحت نير الاستعمار.
في هذه الأيام؛ فإنّ الأمة كلها لا تحتاج إلى شهداء جدد، فمحور المقاومة قد قدم على طريق القدس أعز وأنبل التضحيات، المثل العليا للإنسان في تمثيله الأجل والأكرم، في جنوب لبنان والعراق وسوريا واليمن، لكن الشعوب العربية التي سقطت تحت حكم أنظمة صهيونية مباشرة عليها أن تتحرك هي الأخرى لتحمل مسؤوليتها في كسر هذا الحصار القائم بجيوشها ومؤسساتها، وهي مدانة محاسبة ومشاركة بصمتها المخزي ورضوخها وخنوعها، أمتنا اليوم تحتاج إلى أبطال يحطمون حلقة الحصار، أكثر من الشهداء على خطوط النار، أبطال يتقدمون وهم يعلمون يقينًا وإيمانًا أن احتمالات النصر قائمة وقريبة.
يبدو طوفان الأقصى أنه أكثر من صدفة جيدة للأمة الإسلامية، إنه الفرصة التي جادت بها الأيام لتمنح أملًا قريبًا بالاقتراب من حل الأزمة الأخطر، فرصة حقيقية قائمة على يقين أن قادتها الملهمين قادرون على أن يصنعوا ويبثوا خطاب الأمل والنصر، نقطة ضوء تبدأ من الأرواح، وتنقلها الأعصاب الحساسة إيمانًا إلى العقل والفكر، ثم تترجمها قوافل المجاهدين إلى إرادة حرة نابضة بالحياة، قادرة على أن تتحول أمة تملك كفاءة وقدرة وجسارة الفعل، وإدراك عميق لفكرة أن الشعوب بمقدورها أن تعيد صياغة وتوجيه مواردها وإمكاناتها وحتى مستقبلها بوسيلتين لا ثالث لهما، الدم والنار، وأن كسر واقع التبعية وعصر الذل أمام الهيمنة الأميركية ليس خيارًا انتحاريًا، بل هو ثمرة منتظرة -وحتمية- لأرض طيبة وبذرة وصبر.