معركة أولي البأس

خاص العهد

قانون التمديد لقادة الأجهزة الأمنية.. هل يُخالف الدستور؟ 
23/12/2023

قانون التمديد لقادة الأجهزة الأمنية.. هل يُخالف الدستور؟ 

فاطمة سلامة

يبدو الخلاف حول دستورية القوانين في لبنان أمرًا بديهيًا في بلد تُغلّف فيه الخلافات والاختلافات العديد من الملفات. وفي هذا السياق، كانت فلسفة إنشاء المجلس الدستوري عام 1993، حيث نصّت المادة 18 من القانون رقم "250/93" على أن المجلس الدستوري يتولّى الرقابة على دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون. وخلافًا لأي نص مغاير، لا يجوز لأي مرجع قضائي أن يقوم بهذه الرقابة مباشرة عن طريق الطعن أو بصورة غير مباشرة عن طريق الدفع لمخالفة الدستور أو مخالفة مبدأ تسلسل القواعد والنصوص. وعليه، توالت الطعون على طاولة المجلس الدستوري جراء الخلافات بين الأفرقاء السياسيين حول شرعية ودستورية العديد من القوانين. 

وقد برزت آخر تلك الخلافات بعد إقرار مجلس النواب قانونًا يرمي إلى تمديد سن تقاعد قادة الأجهزة الأمنية، والذي ينص في مادته الوحيدة على الآتي: "بصورة استثنائية، وخلافًا لأيّ نصٍ آخر، يمدّد سن تقاعد قادة الأجهزة الأمنية، العسكريين منهم، والذين يمارسون مهامهم بالأصالة أو بالوكالة أو بالإنابة، ويحملون رتبة عماد أو لواء". وبعد أيام من الإقرار، وقّع 19 وزيرًا خلال جلسة الحكومة على القانون الذي يرى فيه البعض أنّه لم يحترم "شموليّة التّشريع، بل شرّع لصالح شخص"، في إشارة الى التمديد لولاية قائد الجيش العماد جوزيف عون عامًا كاملًا. بناء عليه، يُنتظر نشر القانون في الجريدة الرسمية حتى يُصار الى الطعن فيه أمام المجلس الدستوري، ما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول مصير الطعن ومعه مصير قانون التمديد. 

رئيس المجلس الدستوري السابق عصام سليمان يفضّل في حديث لموقع "العهد" الإخباري أن لا يُبدي رأيًا محدّدًا حيال الطعن المرتقب يُحرج به المجلس الدستوري كونه شغل منصب رئاسة هذا المجلس سابقًا. وفق قناعاته، المجلس الدستوري سيأخذ القرار الذي يراه مناسبًا. لكنّ سليمان يقدّم قراءة دستورية شكلية بعيدًا عن المضمون، موضحًا أنّ أي قرار بردّ الطعن أو قبوله وإبطال القانون يحتاج الى نصاب ثمانية أعضاء من أصل عشرة، وحيازة تأييد سبعة أعضاء في المجلس الدستوري، السبعة يجب أن يُجمعوا على رأي واحد. أما في ما يتعلّق بشروط الطعن فيشدّد سليمان على أنّه يجب أن يُقدّم خلال 15 يومًا من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية، أما اليوم وفي ظل الشغور في سدة رئاسة الجمهورية، فإنّ مجلس الوزراء سواء وافق على القانون أم لا يُصبح نافذًا (قانون التمديد) خلال خمسة أيام كونه أرسل بصفة معجّل مكرّر. وهنا، يكون أمام المجلس الدستوري مهلة شهر من تاريخ تقديم الطعن لاتخاذ القرار، واذا لم يتخذ القرار يُصبح القانون نافذًا كما أقرّه مجلس النواب. 

فلسفة الطعن 

من يُحدّد مواصفات القانون القابل للطعن من عدمه؟ يُجيب سليمان عن هذا السؤال بالإشارة الى أنّ كل قانون يخالف الدستور يحتمل الطعن به. وفي هذا السياق، يشير الى أنّ الجهات التي تمتلك حق الطعن هي: رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، رئيس مجلس النواب، و"10 نواب". أما بالتجربة فإنّ أكثر الطعون قدّمت عبر "نواب عشرة"، ولم تقدم من رؤساء حكومة أو مجلس نواب، لكنّها قدّمت عبر رئيسي جمهورية فقط هما ميشال سليمان وميشال عون. وهنا يُشدّد سليمان على أنّ السنوات الماضية تحفل بالكثير من القرارات التي أبطل فيها المجلس الدستوري قوانين بأكملها منها قانون زيادة الضرائب والرسوم عام 2017، حيث صدر قرار بإبطاله بإجماع الأعضاء. 

الدكتور عصام اسماعيل: "لا يخالف هذا القانون مبدأ المساواة" 

الخبير الدستوري وأستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق بالجامعة اللبنانية الدكتور عصام اسماعيل يُقدّم قراءته في مضمون قانون التمديد، فيرى في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ تمديد سن تقاعد قادة الأجهزة الأمنية إنما هو تدبير يدخل ضمن نطاق الملاءمة لناحية اختيار الوسيلة القانونية المناسبة لتفادي أزمة الشغور في قيادة الأجهزة الأمنية، خاصة في قيادة الجيش. وبما أنّ قانون الدفاع الوطني لم يلحظ إمكانية تولية قيادة الجيش إنابة، وبسبب تعذّر التعيين ــ يقول اسماعيل ــ طُرحت عدة حلول منها أن يتولى مجلس الوزراء تأجيل التسريح بناء على اقتراح رئيس الحكومة بصفته نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة واستنادًا إلى نظرية الشكليات المستحيلة التي تجيز تجاوز اقتراح جهة ما عند تعذّر قيامها بمهامها، وكان الحل الآخر عبر تدخّل مجلس النواب بالاستناد إلى المادة 69 من الدستور التي تنص على أنه "عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يكون المجلس في حالة اجتماع حكمي لمؤازرة الحكومة في أي تدبير لضمان استمرار المرافق العامة ومصالح الدولة". 

ولهذا ــ يوضح اسماعيل ــ فإنّ قانون تمديد ولاية قادة الأجهزة الأمنية إنما كان بمثابة استجابة تشريعية لمطلب السلطة التنفيذية بتقرير تسيير الأجهزة العسكرية والأمنية وفق ما تراه هذه الحكومة مناسبًا للمرحلة الراهنة. وبرأي الخبير الدستوري، لا يخالف هذا القانون مبدأ المساواة لكونه اعتُبر قانونًا ظرفيًا يطبّق على كافة قيادات الأجهزة الأمنية ولم يستثنِ منهم أحدًا، كما لا يُخالف قاعدة عمومية التشريع وتجريده لكونه وفي حالات مشابهة عديدة لا يوجد أي عائق قانوني يمنع المجلس من التشريع لأجل تنظيم موقع لا يوجد فيه إلا شخص واحد، كتنظيم رئاسة الجامعة أو تنظيم حاكمية مصرف لبنان، وغيرها الكثير حيث لا يوجد في هذه المراكز إلا شخص واحد. وبالتالي فإنّ أي تشريع يطال مواقع يشغلها فرد واحد يبقى تشريعًا عامًا مجرّدًا وإن كان المستفيد منه فردًا.

إضافة الى ما سبق، يؤكّد اسماعيل أنّ تعيين مدة خدمة الموظف سواء المدني أو العسكري، هو نص قانوني وليس نصًا دستوريًا، وبالتالي فإنه على فرض وجود مخالفة فهي مخالفة للقانون وليس للدستور وهي لا تؤدي إلى بطلان القانون ولا تخضع لرقابة المجلس الدستوري. وعليه يرى الخبير الدستوري أنه لا توجد مخالفة دستورية في قانون التمديد تستدعي وقف تنفيذه أو إبطاله.

إقرأ المزيد في: خاص العهد