آراء وتحليلات
القرار 1701.. بين الواقع والتهويل
يونس عودة
هاج العالم وماج عندما طالب الكيان الصهيوني لبنانَ بتطبيق القرار 1701 تحت وطأة التهديد العسكري، واستلّ السمسار الفرنسي العضلات الإسرائيلية مهددًا بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم يسارع لبنان إلى تلبية غرائز الرعب الإسرائيلية "وإلا سيكون المشهد مثل المشهد الغزاوي"، من حيث الإجرام والدمار الصهيوني. وكاد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أن ينفخ عضلاته أيضًا ويهدد بإقامة تحالف دولي لإجبار المقاومة على التنفيذ في بلد يرى ساساته التقليديون أن فرنسا ما تزال الأم الحنون.
لقد لمس اللبنانيون "الحنان" الفرنسي أكثر بكثير من "الرفق" الأميركي في هذا الموضوع حصرًا. فقد انحصر التمني الأميركي، عبر عدة وسطاء، بألا تتوسع دائرة العمليات على الجبهة اللبنانية المساندة للشعب الفلسطيني الذي يتعرض إلى حرب إبادة ممنهجة أمام العالم كله، سيّما أن قادة العدو، والذين تبنى النظام القائم في فرنسا تهويلهم، هددوا بلسان نتنياهو ومجلس حربه الدموي بأنّ جيشهم سيبعد المقاومة من جنوب الليطاني، سواء بتسوية أم بالقوة العسكرية، وكان تحذيرٌ للتحسُّب لما قد تُقدم عليه "إسرائيل" خصوصًا أنها تربط عودة المستوطنين إلى المستوطنات التي نزحوا منها في شمال الكيان بإخراج قوة "الرضوان" من منطقة جنوب الليطاني؛ بحسب قولها.
إنّ الحرص على تطبيق القرارات الدولية لا يمكن أن يكون استنسابيًا، كالمعايير التي يغرق الغرب فيها في تصنيف الجرائم ضد الإنسانية والاعتداءات والحروب غير العادلة وتزوير الحقائق والوقائع وقلب الأمور رأسًا على عقب.
السقوط الأخلاقي للغرب، بقيادة الولايات المتحدة، يجعله طرفًا معدوم الثقة كليًا في مقاربة القضايا، وبالأخص القضايا العادلة المتعلقة بأي احتلال وتداعياته. ومع ذلك؛ يمكنه السعي في ما يريد، ولكن ما يسعى ويخطط له ليس قابلًا للتنفيذ أو النجاح، سيما مع الإدراك الكامل لخبث الغرب.
في كل الأحوال، فإنّ السلطات اللبنانية أكدت تمسكها الالتزام بتطبيق القرار 1701، والذي مزقت "إسرائيل" كل ما يتعلق به آلاف المرات منذ العام 2006 وصولًا إلى الحرب الدائرة حاليًا على الجبهة اللبنانية، مع العلم أن الاعتداءات الإسرائيلية على القرار المذكور ورعاته وعلى المشرفين على التنفيذ - أي "قوات اليونيفيل"- ما تزال شاهدة، وكذلك الشظايا الإسرائيلية موجودة كشواهد على استهداف المقر العام لتلك القوات وعلى مواقع عدة، وبالأخص مركز المراقبة للوحدة الإسبانية على تلة "سردة" جنوب مدينة الخيام - قضاء مرجعيون.
لقد كانت قوات "اليونيفيل"، طوال سنوات، أقرب إلى شاهد زور مع تسجيل الخروقات اليومية للقرار المذكور من جانب المحتل، برًا وبحرًا وجوًا، وليس موقف القوات الدولية من استهداف مراكزها من جانب المدفعية والدبابات الإسرائيلية إلا مثار شك على التواطؤ العلني في عدم اتهام "إسرائيل" بالاعتداء المباشر والاستهداف عن سابق تصور وتصميم.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، يتوجب على من يريد أن يناقش تطبيق القرار 1701 أن يأخذ بالحسبان كل القرارات الناتجة أصلًا عن احتلال فلسطين، أي منذ قرار التقسيم الذي أنشأ الكيان الملوث في صميم البلاد العربيةـ والمقصود القرار المعروف بقرار التقسيم ورقمه 181 تاريخ 29- ت2 -1947، بالرغم من الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني جراءه، من خلال عملية سطو دولية نظمتها بريطانيا. ومنذ ذاك الوقت؛ هيمنت الحروب على المنطقة حتى اليوم، وصدرت مئات القرارات عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بخصوص الصراع العربي - الصهيوني والقضية الفلسطينية والاحتلال في لبنان، وظلت حبرًا على ورق، بسبب عدم التزام "إسرائيل" بها، ولم تنفذ أيًا منها، وإنما أُجبِرَت بالمقاومة على الانسحاب، وخصوصًا في لبنان العام 2000، الأمر الذي فتح أبواب الأمل الكبيرة بإمكان إنهاء الاحتلال في فلسطين.
ليس هذا فقط، فالكيان الصهيوني طالما استهدف الأمم المتحدة منذ إنشائه، وهو أقدم بعد أشهر على قرار زرعه في قلب المنطقة العربية على اغتيال وسيط الأمم المتحدة في فلسطين الكونت فولك برنادوت بتاريخ 18 أيلول 1948، ولم يقم مجلس الأمن يومها بمحاسبة العصابات الصهيونية، وكل ما صدر عنه هو إعراب مجلس الأمن عن "صدمته القوية" لاغتيال الكونت برنادوت نتيجة عمل "جبان اقترفته جماعة مجرمة من الإرهابيين" في القدس.
هناك الكثير من الوقائع المماثلة، والتي بفعل الحماية الغربية وبالأخص الأميركية، كانت "إسرائيل" تنجو من المحاسبة. فمجزرة قانا الأولى في 18 نيسان 1996 تمت في مركز قيادة فيجي التابع لقوات اليونيفل في قرية قانا اللبنانية، حيث قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف المقر بعد لجوء المدنيين إليه خلال العدوان الذي شنته "إسرائيل" على لبنان بعنوان "عناقيد الغضب". وأدى قصف المقر إلى استشهاد 106 من المدنيين وإصابة الكثيرين بجروح. وقد اجتمع أعضاء مجلس الأمن للتصويت على قرار يدين "إسرائيل" ولكن الولايات المتحدة أجهضت القرار باستخدام الفيتو.
لا يتسع المجال، في مقال عن الجرائم الإسرائيلية المرتكبة، مقابل رفضها تنفيذ القرارات الدولية، وهي غير عادلة أصلًا تجاه دول المنطقة وشعوبها، وكيف يحمي الغرب "إسرائيل" بارتكاباتها، وبالأخص في استهداف أي منظمة دولية تحاول أن تقارب الحقيقة خلافًا لأضاليل "إسرائيل" وأميركا، والاتهام المستدام بمعاداة السامية.. إلخ ومن السردية الإسرائيلية الكاذبة وقد دفع كثيرون من المسؤولين على رأس الأمم المتحدة الثمن بالإطاحة بهم لمجرد أن وصفوا واقع الجريمة كما هي؛ مثل الأمين العام السابق كوفي أنان وغيره، وبطرس غالي الذي رفضت واشنطن بطلب من "إسرائيل" التجديد له بعد أن أدان مذبحة ارتكبتها في لبنان. وهذا ما يتعرض له حاليًا الأمين العام انطونيو غوتيرتش والطلب باستقالته؛ لأن موقفًا أصدره لا يتناسب مع مصالحها الدموية والاستيطانية.
ليس لبنان مسؤولًا عن تأمين الأمان للمستوطنين في شمال فلسطين، وهذا الأمر سيبقى عالقًا طالما أن واشنطن تمنع صدور وقف إطلاق النار على غزة ومنع صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يقضي بوقف فوري لإطلاق النار في غزة. والقضية الأسهل هي إنهاء الاحتلال، إذا لم يكن بالدبلوماسية، وهذا لن يحدث بعد تجارب امتدت 75 عامًا، فسيكون حتمًا بالمقاومة، وهي العلاج الوحيد للاحتلال؛ لأن القوى الدولية المتسلطة عوراء في الرؤية ومعدومة الإنسانية والأخلاقية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024