نقاط على الحروف
عن مبدع يحلّق فوق فلسطين.. ويقاتل!
ليلى عماشا
في مثل هذا الصبح، أُزيح اللثام عن وجه مبدع من جيل البدايات، وعن اسم قائد أتقن الخفاء سنين، وفي الخفاء صنع بيديه وعقله ويقينه حكاية القوّة التي تهدّد وجود الصهاينة اليوم.. في ليل ٣-٤ كانون الأول، استشهد حسان اللقيس.
لم نعرفه إلّا شهيدًا، ولكن عرفته قبل ذلك بكثير مخابرات كلّ الدول التي تجتهد في البحث عن القادة المقاومين لتسهّل اغتيالهم على يد الصهاينة.. وكان يعرف، ويتمنّى، أن يحظى برتبة الشهادة، وباختتام عمره في الدنيا شهيدًا بعد أن يكون قد فعل وباتقان وابداع كلّ ما يمكنه فعله في هذه المسيرة المباركة منذ أولى انطلاقاتها إلى ما بعد زوال "إسرائيل" من الوجود.. ولعلّ في هذه الأيام بالذات، يحضر حسان اللقيس أكثر، فسلاح المسيّرات الموقّع بيديه وجهده، يصنع فارقًا هائلًا في الجبهة.. الجبهة المرصّعة بأسماء ووجوه أخوة وأبناء حسان اللقيس، الخفيّين المنتظرين ميقات ارتقائهم أو الذين صاروا أقمارًا بوجوه معروفة وأسماء ساطعة.. والكلّ في أرض القتال شهداء.
من عرف حسانًا في حياته، لم يكن على علم بما يفعل ذلك الهادىء الرصين، سوى المقرّبين جدًا في ساحة المقاومة وفي إطار العمل الجهادي. أمّا الآخرون، مهما علت درجة صلته بهم، فما عرفوه قائدًا ومجاهدًا إلّا في مثل هذا اليوم من العام ٢٠١٣ حيث جرى اغتياله برصاصات غادرة قرب شقته في منطقة السانت-تيريز في الضاحية.
ولم تكن تلك محاولة الإغتيال الأولى للقائد الذي آلم الصهاينة كثيرًا، فقد سبقتها محاولات عدة تولّى الموساد التخطيط لها، وإحداها أدّت إلى ارتقاء ابنه شهيدًا عام ٢٠٠٦.
وبين استشهاد الابن الذي تلته وفاة الابنة، ثمّ وفاة الوالدين، وبين ارتقائه شهيدًا، لم يُرَ إلّا راضيًا مسلّمًا.. يضع في بيته صور أحبّته الذين سبقوه، ويضع بقرب الصور عبارة "خُذ حتى ترضى"، وفي نفسه سرٌّ لا يبوح به إلّا للأقربين الأقربين: الشوق للشهادة..
يرتبط اليوم اسم الشهيد حسان اللقيس بالقوة الجوية في حزب الله، وبسلاح المسيرات الذي بدأ العمل عليه في مطلع التسعينات بجهد واضح ودؤوب من الحاج حسان الذي سخّر كلّ إمكانياته العلمية وكلّ إيمانه بوجوب إعداد "ما استطعتم من قوّة" كي ترهب المقاومة عدوّ الله وعدوّها. ومع تولّي الحاج قاسم سليماني مسؤولية قيادة فيلق القدس في العام ١٩٩٨، أخذ مسار تطوير هذه القوّة زخمًا أكبر إلى أن كانت الطائرة المسيّرة "مرصاد ١" في العام ٢٠٠٤ باكورة المسيّرات في القوة الجويّة في حزب الله. واستمرّ الحاج حسان في بذل الجهود في هذا الإطار حتّى أدّت هذه المسيّرات دورًا محدّدًا خلال حرب تموز وبعدها واصل الحاج عمله حتى استشهاده، أي بعد أن كشفت المقاومة عن المسيّرة "أيّوب" وكان عام اغتياله هو العام الذي تمكنّت فيه المقاومة، ببصمات المبدع اللقيس، من تسليح طائرة مسيّرة.
وبعد اغتيال "المجاهد والمضحي والعامل المُجد الدؤوب… والمبدع، وأحد العقول المميّزة واللامعة في هذه المقاومة" على حدّ تعبير السيد نصر الله، تابعت المقاومة العمل على تصميم المسيّرات وتجهيزها وتفعيلها، حتى حلّقت في العام ٢٠٢٢ المسيّرة "حسان" أربعين دقيقة فوق فلسطين، وقالت للعالم كلّه أن اغتيال القادة لا يبعدهم عن ساحة القتال، ولا يعيق عمل المقاومة..
مسيّرات المقاومة اليوم، والتي جميعها تحمل من روح الحاج حسان وإبداعه بصمات، هي استطلاعية وهجومية وانقضاضية، وتشكّل سلاحًا نوعيًا يخشاه الصهاينة وكلّ من ينطقون باسمهم.
الحاج حسان اللقيس، الذي ارتقى بعد مسيرة جهادية خفيّة وحافلة ووازنة، ما زال اليوم حاضرًا في النزال، يقاتل بكلّ عقله وقلبه وحضوره ويقينه.. ولم يزل يصنع حكاية الحزب الذي يسير، ويسير الرعب أمامه.. يراه المحبّون في كلّ نصر يتحقّق، ويراه المبغضون أيضًا، فينتابهم الرعب من جيش شهداء ما زال يقاتل.. وينتصر.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
02/12/2024
كيف حقّقت المقاومة نصرها العسكري والسياسي؟
30/11/2024
قراءة في خطاب النصر!
28/11/2024
شواهد من يوم النصر الأعظم
28/11/2024
نصرك هز الدنيا.. ولو بغيابك يا نصر الله
28/11/2024